لا مكان فى عالمنا للدولة الصغيرة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا مكان فى عالمنا للدولة الصغيرة

نشر فى : الأربعاء 17 فبراير 2021 - 6:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 فبراير 2021 - 6:40 م

منذ نحو ست سنوات كتب الاقتصادى الفرنسى الشهير، توماس بيكتى، مقالا ملفتا للنظر تحت عنوان: الثمن الفادح لصغر حجم الدولة. ذكر بأنه فى عالم الاقتصاد العولمى ستدفع الدولة ثمنا باهظا، إذ إنها ستجد نفسها مجبرة على قبول الكثير من الأشياء التى لا تروق لها أو لا تتناسب مع قيمها. وأعطى أمثلة كثيرة لما تقبله وتتعايش معه بلده فرنسا، وذلك بالرغم عنها وعن قيمها. وذكر أن الواقع يقول بأن كل بلدان الاتحاد الأوروبى، بما فيها فرنسا وألمانيا، تجد نفسها فى خانة البلدان الصغيرة التى تجد نفسها أحيانا مضطرة لتحمل ما لا تطيقه فى مختلف ساحات العالم. ويخرج هذا المفكر الاقتصادى الشهير بنتيجة أساسية: ضرورة توجه أوروبا الحالية نحو مزيد من الاتحاد، وجعل هذا الموضوع على رأس أولوياتها.
ليس فى ذهن الرجل المستقبل الاقتصادى فقط. فالكثير من كتاباته تدل أيضا على قلق شديد بشأن حقول السياسة والثقافة والاجتماع الأوروبية، وخصوصا مواضيع تحسين الممارسة الديموقراطية وتطبيق مبادئ المساواة والعدالة فيما بين البشر.
كانت تلك مقدمة للدخول فى لب الموضوع الذى يخصنا كأفراد وكمجتمعات وكوطن عربى واحد. فبلاد العرب مقسمة إلى دول ودويلات صغيرة بفعل عاملين: هناك النفوذ الاستعمارى الغربى والتآمر الصهيونى اللذان ساهما فى تقسيم هذه الأمة ويصران حاليا على تجزئة وتفتيت المقسم، من أجل إضعاف العرب وإبقائهم فى تخلف دائم، وهناك بعض أقليات الهيمنة الاجتماعية والمصالح الاقتصادية والادعاءات التاريخية والدينية المتواجدة فى الداخل، والتى ترى فى بقاء التقسيم والانتقال إلى التفتيت ضمانا لبقائها فى مراكز السلطة واستمرار امتيازاتها الكثيرة المتراكمة عبر التاريخ.
وهم بذلك يفضلون بقاء الأقطار العربية كدول صغيرة حتى ولو أدى ذلك إلى قبول كل المخاطر والمساوئ التى وصفها توماس بيكيتى بالنسبة للدولة الصغيرة الأوروبية، بل وحتى إلى قبول ما هو أسوأ بكثير، مما تظهره الحالة البائسة التى تعيشها حاليا جميع الأقطار العربية، حتى ولو كانت بنسب مختلفة وتمظهرات متباينة.
اليوم تنهار دول عربية، وتستباح مجتمعات عربية من قبل قوى العنف والتعصب الأحمق المدفوعة الأجر من قبل الخارج والداخل، وتقف الجامعة العربية ذليلة عاجزة متفرجة بينما تدار شؤون الوطن العربى من قبل قوى إقليمية أو دول أجنبية، وتحارب وتقمع كل محاولة مدنية، حتى ولو كانت سلمية، للخروج من تلك الأوضاع وللانتقال إلى مجتمعات الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال القومى والوطنى، وتكتظ السجون بمئات الأولوف من مناضلى تلك المحاولات المدنية، ويهيم الملايين على وجوههم لمواجهة المنافى والغربة والذل والحاجة والسقوط الأخلاقى.
ومع ذلك لا يرف جفن لمعظم من نصبوا أنفسهم قادة لتلك الشعوب والمجتمعات المقهورة المعذبة فى ضياعها وقلة حيلتها أمام أدوات القمع الممنهج، وغياب القضاء العادل، وانتهازية الكثير من المجالس النيابية الصورية الكثير من وسائل الإعلام التابعة أو المغلوبة على أمرها، هى الأخرى.
إذا كانت الدولة الأوروبية الصغيرة لا تستطيع أن تواجه أهوال الحياة العصرية ويطلب منها إعطاء الأولوية القصوى للتوجه نحو الوحدة. إذا كان يطلب ذلك من دول كألمانيا وفرنسا فماذا نقول نحن العرب عن الدولة القطرية، سواء الكبيرة أو الصغيرة، التى ترزح شعوبها تحت ذلك الجحيم الذى وصفنا، والتى هى مرشحة للتفتيت والدمار العمرانى والعيش خارج العصر والتخلف المرعب فى العلوم والتكنولوجيا وعوالم المعرفة؟
سيرد المتحذلقون على السؤال بذكر عشرات المصاعب التى وقفت وتقف وستقف فى وجه أى محاولة للخروج من ضعف الدولة القطرية المستباحة العاجزة إلى قوة وغنى ونهوض الدولة القومية الموحدة.
لا حاجة للقول بأن الموضوع معقد وصعب، ولكن لا يوجد شك بأن هناك ألف طريق للتوحيد، وفى ألف مستوى، وللسير فى طريق الألف خطوة. الدخول فى التفاصيل يحتاج إلى مجلدات، ومتروك للجيل العربى الذى سيقرر ويريد ويفعل.
لكن ما يهمنا هو أن يقتنع الجيل العربى الجديد، المناضل من أجل مطالب الحرية والعدالة والكرامة وغيرها من المطالب المعيشية، بأن تحقيق كل تلك المطالب سيظل فى خطر دائم، وفى مواجهة مستمرة لأعداء كثيرين، ما لم تقم نوع من الوحدة العربية كمظلة تحمى كل ما يتحقق، بل وتغنيه وتجدده عبر العصور والأزمنة.
مطلوب من هذا الجيل أن يجعل هدف قيام الدولة العربية الكبيرة القوية المستقلة الناهضة أحد أهم شعاراته وأحد أبرز أولوياته ويبرز ذلك فى كل تجمعاته النضالية المباركة.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات