الهند ودبلوماسية اللقاح الذكية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهند ودبلوماسية اللقاح الذكية

نشر فى : الأربعاء 17 مارس 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 مارس 2021 - 8:10 م

نشر موقع بروجيكت سينديكت مقالا للكاتب SHASHI THAROOR تناول فيه تطور وسرعة صناعة الدوار فى الهند ونجاحها فى صناعة اللقاحات المضادة لكورونا وشحنها إلى الدول المجاورة والفقيرة، والتى يمكن النظر إليها فى سياق منافستها مع الصين.. نعرض منه ما يلى.
بينما تندفع بلدان العالم لتأمين لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد ــ 19)، دخلت تعبيرات بغيضة مثل «سباق اللقاحات» و«قومية اللقاح» فى المعاجم العالمية. ولكن فى وقت حيث يظل التعاون العالمى فى ما يتصل بتقاسم اللقاحات عند حده الأدنى، حتى أن خطط منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات لم تنطلق بَـعـد، سلكت الهند مسارا مختلفا، فاتبعت بهدوء «دبلوماسية اللقاح». فمن خلال حملتها التى أطلقت عليها مسمى «صداقة اللقاح»، شحنت الهند مئات الآلاف من اللقاحات الهندية الصنع (كوفيشيلد)، المصنعة بموجب ترخيص من أكسفوردــأسترا زينيكا، إلى نحو ستين دولة.
الواقع أن الهند قوة صيدلانية عالمية؛ حيث تقوم بتصنيع نحو 20% من كل الأدوية غير مسجلة الملكية وتمثل ما يصل إلى 62% من إنتاج اللقاحات على مستوى العالم، ولهذا كانت سريعة الاستجابة عندما اندلعت الجائحة. قبل تطوير لقاحات كوفيد ــ 19، زودت الهند نحو 100 دولة بعقارى الهيدروكسى كلوروكوين والباراسيتامول، وأرسلت المستحضرات الدوائية، ومجموعات الاختبار، وغير ذلك من المعدات إلى نحو 90 دولة. وفى وقت لاحق، حتى قبل الموافقة على لقاح أكسفورد ــ أسترازينيكا، اتخذ أدار بوناوالا، رئيس معهد سيروم الهندى المملوك للقطاع الخاص والذى يبلغ من العمر 40 عاما، قرارا جريئا بتصنيع اللقاح ــ وهى مقامرة بمليار دولار. وعندما وصلت الموافقات، تمكن معهد سيروم الهندى من تصنيع ملايين الجرعات، مما جعلها متاحة للحكومة لاستخدامها محليا أو تصديرها.
جرى شحن اللقاحات الهندية إلى أغلب البلدان المجاورة، بما فى ذلك أفغانستان، وبنجلاديش، وبوتان، وسريلانكا، وجزر المالديف، وميانمار، ونيبال، وأيضا إلى مناطق أبعد، إلى جزر سيشل، وكمبوديا، ومنغوليا، وباسيفيك آيلاند، ومنطقة الكاريبى، وبلدان أفريقية. كما ساعدت اللقاحات فى إصلاح العلاقات المتوترة مع بنجلاديش وتوطيد العلاقات الودية مع جزر المالديف.
لا شك أن الصين وروسيا تروجان للقاحات من إنتاجهما، كما تكتسب شركات الأدوية الغربية ثروة دعائية (فضلا عن مكاسب غير متوقعة نتيجة لارتفاع أسعار أسهمها). ولكن فى تطوير اللقاحات لاستخدامه الخاص، تغافل الشمال العالمى عن التكلفة الباهظة للقاحات بيون تِك، ومودرنا، وجونسون آند جونسون، التى لا تستطيع البلدان الفقيرة تحملها. من ناحية أخرى، تفيد التقارير حول اللقاحات الهندية الصنع أنها آمنة، وفعالة من حيث التكلفة، ولا تحتاج إلى التخزين والنقل فى درجات حرارة شديدة الانخفاض ــ على النقيض من بعض اللقاحات الأخرى.
***
لا شك أن دبلوماسية اللقاح الهندية ليست إيثارية بحتة. عندما أرسى أول رئيس وزراء فى الهند، جواهر لال نهرو، أسس البنية التحتية للعلوم والتكنولوجيا فى الهند، جاء التعبير عن نواياه بعبارات نبيلة وإنسانية وعالمية. لكن خلفاءه أدركوا منذ فترة طويلة إلى أى مدى قد تستفيد الهند من مهاراتها العلمية والطبية لتعزيز مكانتها الجيوسياسية. وفى وقت حيث تحيط الانتقادات بأغلب البلدان الأكثر ثراء بسبب تكديسها لجرعات اللقاحات، تبرز الهند لأنها أرسلت 33 مليون جرعة إلى البلدان الأكثر فقرا، ومن المنتظر أن ترسل ملايين أخرى.
لكن الأمر ينطوى على مغزى ضمنى غير معلن: المنافسة مع الصين، التى اشتدت حدة التوترات معها بعد الاشتباكات على طول الحدود فى منطقة الهيمالايا. الواقع أن الهند لم تطغ على الصين باعتبارها الجهة التى تزود الجنوب العالمى باللقاحات الرخيصة التى يمكن الوصول إليها بسهولة وحسب؛ بل كانت أيضا أسرع منها وأكثر فعالية. على سبيل المثال، أعلنت الصين عن إرسال 300 ألف جرعة إلى ميانمار، لكن لم تسلم منها أى جرعة حتى الآن، فى حين سارعت الهند إلى تزويدها بنحو 1.7 مليون جرعة. على نحو مماثل، تسبق اللقاحات الهندية نظيراتها الصينية إلى كمبوديا وأفغانستان.
عندما استحوذت أزمة المصداقية على اللقاحات الصينية فى البرازيل التى ضعضعتها الجائحة؛ حيث أظهرت استطلاعات الرأى أن 50% من البرازيليين الذين شملتهم الاستطلاعات غير راغبين فى تناول اللقاح سينوفاك، لجأ الرئيس جايير بولسونارو إلى الهند، التى سارعت إلى الاستجابة. وفى تغريدته التى أعرب فيها عن شكره، أوضح بولسونارو امتنانه بصورة من ملحمة رامايانا الهندية، حيث ظهر اللورد هانومان وهو يحمل جبلا كاملا لإيصال عشبة سانجيفانى بوتى المنقذة للحياة إلى لانكا.
كما تصل اللقاحات الهندية حتى إلى البلدان الأكثر ثراء. فقد طلبت المملكة المتحدة عشرة ملايين جرعة من معهد سيروم الهندى. أما كندا، فقد قام رئيس وزراؤها جاستن ترودو، الذى ناكد نظيره الهندى نارندرا مودى أكثر من مرة، بمكالمة مودى هاتفيا لكى يطلب مليونى جرعة من اللقاح؛ وفى غضون أيام تسلمت كندا أول نصف مليون جرعة. كما أعلن ترودو عفويا أن انتصار العالم على كوفيد ــ 19 يرجع إلى «القدرة الصيدلانية الهائلة التى تتمتع بها الهند، وقيادة رئيس الوزراء مودى فى تقاسم هذه القدرة مع العالم».
***
تستخدم الهند قدرة الدولة فى هذا القطاع بمهارة للإعلان عن بديل لهيمنة الصين الاقتصادية والجيوسياسية. وفى حين كانت الصين متكتمة فى إصدار البيانات حول لقاحاتها، مما أدى إلى مجادلات حول فعاليتها، فقد نظمت الهند رحلات لسفراء أجانب لزيارة مصانع الأدوية فى بيون وحيدر أباد.
ولا يقل التباين مع سلوك البلدان الأكثر ثراء إثارة للدهشة. فوفقا لمعهد الصحة العالمية التابع لجامعة ديوك، عملت البلدان المتقدمة التى تضم 16% من سكان العالم ــ بما فى ذلك كندا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكل منها ضمنت إمدادات كافية لتطعيم سكانها عدة مرات ــ على تأمين 60% من إمدادات اللقاح العالمية لأنفسها. وتشمل بلدان أخرى تستحوذ على كم من الإمدادات يتجاوز احتياجاتها المحلية أستراليا، وشيلى، والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبى.
يُـبدى العالم قدرا كبيرا من الاهتمام بالهند بينما تتقاسم الإمدادات المتاحة لديها من اللقاحات مع غيرها من بلدان العالم، بدلا من اختيار المسار القومى المتمثل فى منع الصادرات. كما عرضت الهند 1.1 مليار جرعة من اللقاح على برنامج كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية لتوزيع لقاحات كوفيد ــ 19 على البلدان الأكثر فقرا. وكما قال مودى فى تغريدته على تويتر، «نحن معا جميعا فى الكفاح ضد الجائحة. والهند ملتزمة بتقاسم الموارد والخبرات والمعرفة من أجل الصالح العام».
***
إذا كان فى الأمر أى سبب للقلق فهو أن الهند صَـدَّرَت ثلاثة أضعاف الجرعات التى أعطتها لشعبها. والدولة متأخرة عن هدفها المعلن بتحصين 300 مليون شخص بحلول شهر أغسطس، بعد تطعيم نحو ثلاثة ملايين عامل فى مجال الرعاية الصحية فى حملة بدأت فى السادس عشر من يناير. وسوف يؤدى القلق المتزايد بشأن ارتفاع أعداد الحالات المصابة بالعدوى، وظهور سلالات جديدة من كوفيد ــ 19 قد لا تستجيب للقاحات المتاحة، والاقتصاد الذى لم يتعافَ بشكل كامل بعد، إلى تفاقم صعوبة التحدى الذى يواجه الهند فى الوفاء بالتزاماتها تجاه البلدان النامية وتلبية الطلب المحلى فى ذات الوقت.
إن التصدى لهذا التحدى مصلحة وطنية حيوية. وكانت دبلوماسية اللقاح الهندية نِعمة لطموح الهند إلى الاعتراف بها كقوة عالمية. فى مكافحة الجائحة، ذهبت الهند بعيدا إلى ما يتجاوز مجرد تقديم الرعاية الصحية الروتينية أو توفير الأدوية غير المسجلة الملكية. لا شك أنه من غير المؤكد ما إذا كان تعزيز القوة الناعمة من خلال الصادرات من مستلزمات الرعاية الصحية كفيل بتعزيز مكانة الهند فى النظام العالمى بشكل كبير. ولكن عندما يُـعاد ترتيب المقاعد الدائمة فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إذا حدث ذلك على الإطلاق، فسوف تعرف الحكومات المعترفة بالجميل مَـن بذل قصارى جهده لإنقاذ عالم يعانى من هجمة شرسة يشنها كائن مُـمـرِض مهلك.
النص الأصلى هنا

التعليقات