الغطرسة الاستعمارية الجديدة لخطة كوشنر - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغطرسة الاستعمارية الجديدة لخطة كوشنر

نشر فى : الإثنين 17 يونيو 2019 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 17 يونيو 2019 - 10:00 م

نشر موقع «The new york review of books» مقالا للكاتب رشيد الخالدى يتناول فيه خطة كوشنر للسلام فى الشرق الأوسط المحكوم عليها بالفشل مسبقا حيث إنه لن يمكنه شراء الفلسطينيين، كما تناول الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية فى التعامل مع الفلسطينيين على مدى التاريخ وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.

«لا يمكنكم الاستغناء عنا».. هكذا أخبر «اللورد كرزون» الهنود الذين حكمهم بوصفه قائدا إمبراطوريا بريطانيا قبل أكثر من قرن. وفى زيارة عائلة ترامب الأخيرة إلى لندن فإن جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب وكبير المستشارين المسئولين عن صياغة خطة السلام فى الشرق الأوسط، بدا وكأن لديه شيئا مشتركا مع اللورد كرزون وأمثاله من الاستعماريين.

فى مقابلة مع برنامج «أكسيوس» والذى يتم عرضه على شبكة HBO فى 2 يونيو الحالى، قبل وقت قصير من وصوله إلى المملكة المتحدة، شكك كوشنر فى جدوى الحكم الذاتى الفلسطينى المستقل، وصرح: «سيتعين علينا أن نرى»، مضيفا أن «الأمل هو أن يتمكنوا ــ بمرور الوقت ــ من أن يصبحوا قادرين على حكم أنفسهم، وذلك عندما سئل عما إذا كان ينبغى للفلسطينيين أن يتمتعوا بالتحرر من «الحكومة الإسرائيلية أو التدخل العسكرى»، وأضاف أن هذا «عائق كبير»، وعندما سأله القائم بإجراء المقابلة عن تفسيره لسبب عدم ثقة الفلسطينيين به. أجاب كوشنر بهدوء قائلا: «أنا لست هنا ليوثق فى».

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم إخبار الفلسطينيين فيها بأنهم لا يستطيعون أن يحكموا أنفسهم، وأنهم ملزمون بالبقاء تحت وصاية أجنبية، وليس لهم الحق فى التشاور بشأن مستقبلهم الوطنى. واستبعد إعلان عام 1917 المرتبط باسم بلفور، وهو أساس الانتداب البريطانى الذى أدى إلى قيام إسرائيل بحرمان الفلسطينيين ــ الذين لم يذكرهم بلفور بالاسم ــ من الحقوق السياسية والوطنية التى منحها لليهود. وفى مقابلته مع أكسيوس، ردد كوشنر كلمات بلفور، واستبعد الفلسطينيين مرارا وتكرارا من الحقوق السياسية والوطنية. وأكد كوشنر وزملاؤه، مستشار البيت الأبيض جيسون غرينبلات، وديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، أن مبادرتهم هى فى الأساس مبادرة تنمية اقتصادية للضفة الغربية وقطاع غزة المحتل، وتهدف إلى العمل فى ظل الظروف الحالية والسيطرة الإسرائيلية المطلقة. وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن الجزء السياسى بشكل واضح، باستثناء الإشارة الواضحة إلى استبعاد قيام الدولة الفلسطينية وسيادتها. كل الفلسطينيين يستحقون، حسب رأى كوشنر، «فرصة للعيش حياة أفضل... تحت حكم إسرائيل..» ومن المفهوم أن هذا النهج يمهد ببساطة لتطبيع الاحتلال الذى لا ينتهى أبدا، وضم أجزاء أخرى من الأراضى الفلسطينية فى ظل ظروف من التمييز القانونى الشديد بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين.. وهو وضع لا يشبه شيئا بقدر ما يشبه الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا.

ومن المثير للدهشة، بالنسبة لشخص يفترض أنه رجل أعمال ناجح، يبدو كوشنر جاهلا بالإجماع الاقتصادى الذى يصف الاقتصاد الفلسطينى بأنه «مُخنوق» فى المقام الأول بسبب التدخل المنهجى للاحتلال العسكرى الإسرائيلى الذى يدعو هو إلى الإبقاء عليه. لقد أضافت إدارة ترامب إلى هذا «الخنق» الاقتصادى بقراراتها بقطع المساعدات الأمريكية المباشرة عن الضفة الغربية وغزة ودعمها للأونروا. وفى هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة دعمها للحصار الإسرائيلى على غزة بما له من آثار كارثية على سكانها البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، بما فى ذلك النقص المزمن فى الطاقة والمياه والبطالة التى بلغت أكثر من 50 فى المائة، والافتقار التام إلى حرية الحركة.

***
هذه ليست سوى بعض الطرق التى انتهجتها إدارة كوشنر كجزء من احتقارها للفلسطينيين. من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتجاهل الإجماع الدولى على أن الوضع النهائى للمدينة سيخضع إلى اتفاق سلام مقبول من الطرفين. كما تجنبت إدارة ترامب بشكل صريح تأييد حل الدولتين أو أى شكل من أشكال السيادة الفلسطينية، وهو ما كرره كوشنر فى مقابلته. لقد أغلقت البعثة الفلسطينية فى واشنطن العاصمة، وقطعت المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية.. وأخيرا، فإن إدارة ترامب، بتأييدها لضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، قد مهدت الطريق لضم أى جزء من الضفة الغربية تختاره إسرائيل.

وفى مقابلة أجريت أخيرا مع صحيفة نيويورك تايمز، صرح السفير فريدمان، والذى له دور كبير فى صياغة سياسة إدارة ترامب فى الشرق الأوسط، بأن إسرائيل لها «الحق» فى ضم «بعض، وليس كل الأراضى الفلسطينية» وعندما سأل عما إذا كانت خطة كوشنر تتضمن دولة فلسطينية، تساءل قائلا: «ما هى الدولة؟»

فى مقابل هذه الاستثناءات من الحقوق الفلسطينية، سيتم تقديم أموال للفلسطينيين، يتم جمعها من دول الخليج، وهو عرض يفترض أن يتم إضفاء الطابع الرسمى عليه فى مؤتمر فى أواخر يونيو فى البحرين. إن اقتراح كوشنر بشطب المعارضة الفلسطينية ووضع خطة تلغى التسوية السياسية هى غطرسة منقطعة النظير، وهو ما يتماشى تماما مع سجل أسرته وأقاربه. كما أنها ليست أكثر من نسخة مكررة لخطط مماثلة «للسلام الاقتصادى» بدلا من الحقوق الفلسطينية التى يروجها القادة الإسرائيليون من شمعون بيريز إلى نتنياهو. ومنذ اتفاقات أوسلو فى منتصف التسعينيات، طرح بيريز، أفكارا مختلفة من أجل «السلام الاقتصادى». وقد طرح بنيامين نتنياهو نفس الموضوع، بدءا من انتخابات 2009..

***
ليس سرا أن إدارة ترامب وحكومة نتنياهو نشطين جدا فى التعامل مع القضايا المتعلقة بفلسطين أو مواجهة إيران، لكن ما يثير الدهشة هو سياسة البيت الأبيض فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك خطة كوشنر نفسها، والاستعانة بمصادر خارجية لنتنياهو وحلفائه فى إسرائيل والولايات المتحدة. ويمكننا القول إن «مبادرات» إدارة ترامب فى الشرق الأوسط حتى الآن تم تجميعها من أفكار اليمين المتطرف الإسرائيلى، بما فى ذلك نقل سفارة القدس، والاعتراف بضم الجولان، والاستغناء عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولة تصفية الأونروا، والانسحاب من الصفقة النووية مع إيران. ولا يزال هناك عدد قليل من البنود فى قائمة أمنيات نتنياهو، بما فى ذلك ضم جزء كبير من الضفة الغربية، والرفض الأمريكى الرسمى لإنشاء دولة فلسطينية، وغيرها من الطرق المؤسفة لإكراه الفلسطينيين على قبول أنهم شعب مهزوم.

ما يقوله كوشنر وزملاؤه هو أن الفلسطينيين ليس لديهم مظالم مبررة، ولا حقوق مشروعة، باستثناء الحق فى أى رخاء يمكن تحقيقه بأموال خليجية فى ظل احتلال عسكرى إسرائيلى دائم لأرضهم. ومع ذلك، فإن خطة كوشنر لن تجعل هذه القضية تختفى؛ فالأمر يتعلق بالحقوق الوطنية والسياسية والمدنية والإنسانية لما يقدر بنحو 12 مليون شخص. كما يجب أن يكون ذلك واضحا من نشاط المجتمع السياسى والمدنى مثل حركة المقاطعة، وغيرها من أشكال المقاومة فى قطاع غزة والضفة الغربية، وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل وفى الشتات الفلسطينى، فإن الشعب الفلسطينى غير قابلا للشراء.

وأوضحت إدارة ترامب أنه بينما يتعين على الإسرائيليين أن يكون لهم إسهام واف فى تقرير ما يحدث فى فلسطين، فإن الفلسطينيين أنفسهم لا يستحقون التشاور معهم بشأن مستقبلهم، إن المحاولات المستمرة فى حرمان الفلسطينيين من السلطة، كما تفعل خطة كوشنر بطريقة «فجة»، قد تمت تجربته منذ أكثر من قرن. ولم تنجح فى ظل الانتداب البريطانى، ولم تنجح فى الفترة ما بين 1948 وصعود منظمة التحرير الفلسطينية فى الستينيات من القرن الماضى عندما حاولت الأنظمة العربية فرض وصاية عليها، ولم تنجح فى ظل الحكم العسكرى لإسرائيل.

إن الوضع الراهن للاحتلال العسكرى والاستعمار الذى يرى كوشنر ضرورة تمديده إلى أجل غير مسمى يتناقض كليا مع عقود من السياسة الأمريكية المعلنة، ومع كل مبدأ من مبادئ الحرية والعدالة والإنصاف، والتى من المفترض أن تؤيدها الولايات المتحدة. ويجعل الولايات المتحدة فى موقف «سىء السمعة» كإدارة تعمل تحت تأثير الأفكار الرجعية لليمين الإسرائيلى.

يجب أن يدرك كوشنر أن أيام اللورد كرزون واللورد بلفور قد ولت، فقد انتهى عصر الاستعمار. ومن خلال الخطط الاستعمارية الجديدة التى وضعوها للفلسطينيين، يسبح هو وحلفاؤه الإسرائيليون ضد تيار التاريخ.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسي

النص الأصلي:

https://bit.ly/2WLoui5

التعليقات