القيم والأخلاق - جورج إسحق - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القيم والأخلاق

نشر فى : الثلاثاء 17 نوفمبر 2020 - 7:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 نوفمبر 2020 - 7:05 م

«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»... ماذا حدث للمجتمع المصرى فى الشارع وفى النادى وفى المدرسة وفى الجامعات وفى كل مكان فى الفترة الأخيرة! ما سبب انحدار الأخلاق إلى هذا الحد؟ ولماذا انتشرت الجرائم غير المسبوقة فى مصر؟ هل كان يستطيع أحد التلاميذ أن يضع يده على كتف مدرسه فى الشارع! هل كان ذلك ليحدث لولا الدروس الخصوصية فأصبح التعليم كله مصدرا للرزق فقط وليس للتربية. هل رأيتم هذا المنظر فى أى زمن من أزمان وجودنا فى المدارس؟! ما فائدة مجتمع بلا أخلاق؟ فالمجتمع الذى يعيش بلا أخلاق وقيم يؤدى به إلى التخلف والتأخر، أما القيم والأخلاق فسوف تساهم فى تنمية المجتمع وتقدمه.
الأخلاق هى الواقى من الانهيار وتأكيد فكرة الضمير وتفعيله يؤدى بالتراجع عن الكثير من الأعمال السيئة. فالضمير وتنميته هو الوحيد الذى يتحكم فى تصرفات البشر. والعالم كله ينظر إلى أخلاقيات مجتمعات العالم المختلفة، فالأخلاق والقيم السائدة كلما ارتقت كلما ارتقت الدولة ونمت. لقد تركنا هذه القيم منذ زمن ولم ننمها ولذلك يجب أن نبدأ من مرحلة الطفولة لأن هذه المرحلة تكون هى الأهم فى تربية النشأ.. فيجب أن نعلمهم فى بداية حياتهم الأمانة وقبول الآخر.
***
لى قصة عندما كنت فى التعليم فى أحد المدارس حين رفض أحد الأطفال أن يجلس بجوار أحد رفقائه فى الفصل لاختلافه عنه فى الدين! هذا أمر مفزع لم نكن نراه أبدا، بل كنا حتى نكبر لا نعرف ديانة من نعاشره. فهذه الظاهرة هل عولجت؟ لأنه اتضح أن الذى يعلم هذا الأداء السيئ هم أولياء الأمور المتعصبون الذين يلقنون أطفالهم هذه الأفكار السيئة. ولذلك نحن نريد أن نراقب هذا الموضوع لأن هذه الأشياء إن لم نقومها فى بدايتها ستظل مع هذا الطفل طوال أيام حياته. وهذه الظواهر بدأت تظهر فى السبعينات من هذا القرن.. نريد أن نعرف من وراء هذا. ويجب أن نعلم صغارنا منذ البدء أن الناس جميعا متساوون فى الحقوق والواجبات ولا يتفاخر أحد من الأطفال بمناصب أولياء أمورهم ومدى سطوتهم فى المجتمع، وأكبر مثال على ذلك حادثة مرور الطفل الأخيرة الذى كان يقود بغير رخصة لأنه مازال طفلا، من المسئول عن هذا التصرف؟ هل الوالدين؟ هل المدرسة التى تعامله بشكل متميز؟ والغريب فى الأمر أن رفقاءه الذين كانوا معه فى هذه الحادثة كانوا يتكلمون بصلف استنادا لأهمية والد هذا الطفل. أين أساتذة علم الاجتماع والتربية من هذا الحدث؟ هل دعت وزارة التربية والتعليم المختصين لدرء هذا الخطر؟
وسمعنا أخيرا أن الوزارة توزع كتبا عن الأخلاق، ولكن أين الممارسة؟ أين المواقف التى يمثلها الأطفال ليعالجوها؟ فانعدام القيم والأخلاق يؤدى بنا إلى مجتمع متخلف، فيجب أن نفتح المجال العام ونسمح للجمعيات الأهلية بأن تلعب دورا مهما فى بناء المجتمع. ونعلمهم السلوكيات ما هو مناسب وما هو غير مناسب، ونتمسك بثقافتنا وأخلاقياتنا والبعد عن التقليد الأعمى بما يحدث فى الغرب، وفى الأساس هذا يرجع إلى نظم التعليم المختلفة. ففى المدارس التى يدفع فيها أولياء الأمور مبالغ طائلة لا يستطيع أحد داخل هذه المدارس أن يمارس دوره فى التربية بشكل واضح حرصا على استمرار تدفق هذه الأموال. والمبالغة فى تدليل الأبناء داخل هذه المدارس.
هل من المعقول أن حفلات التخرج للطلبة تصبح بهذا الشكل من المجون والتحيز لطبقة معينة؟ هل رأيتم أو سمعتم عما يحدث فى سهرات الساحل الشمالى المفتوحة على البحرى والتى يتعاطى فيها الشباب الصغير كل ما يخطر على البال وما لا يخطر من الممنوعات، هل راقب أحد هذه الظاهرة؟ هل تم تعليم الأطفال أسلوب آداب الكلام والدفاع عن النفس بشكل متحضر وعدم استدعاء أولياء الأمور إلى المدارس وضرب المعلمين علنا! هل علمناهم مبدأ تحمل المسئولية من خلال أساليب تربوية داخل المدرسة؟ هل علمناهم كيف يمدون يد العون لكبار السن واحترامهم فى المواصلات العامة أو فى غيرها؟ ومن أساليب التربية الحديثة أن نعلمهم الثقة بالنفس والتعبير عن آرائهم بحرية ومحاربة الخوف. هل يراقب أحد أبنائنا وما يشاهدونه فى مجال التواصل الاجتماعى والإنترنت؟
***
نريد أن نرى معنى وزارة التربية والتعليم على أرض الواقع، وتعظيم فكرة القيم وتفعيلها بشكل يساعد على نمو الطفل بشكل أفضل. أين فكرة التطوع وخدمة الناس فى البرامج التعليمية؟
إن فكرة التطوع تجسد قيمة أخلاقية عظيمة فى مساعدة الغير، فالقيم والأخلاق يجب أن تكون مواكبة للعملية التعليمية. ويجب أن نؤكد فكرة المعلم النموذج، المعلم القدوة، المعلم الذى يحب مهنته ويحب تلاميذه. إلى الآن علاقتى بكل تلاميذى من سفراء ورجال أعمال ومتولى الوظائف العليا فى المجتمع مستمرة وأتفاعل معهم حتى الآن.
وإذا رأت المدرسة أن هناك خللا فى الشخصية يجب أن يتواصلوا مع الأسرة، هل لدينا من الوقت أن نتبنى فكرة التواصل مع الأسرة أم نحن مشغولون بحياتنا الخاصة وكيف نجنى الأموال دون النظر إلى القيم والأخلاق التى تكاد أن تفلت منا؟!
هل المسئول عن ذلك الأسرة أم المجتمع أم وسائل الاتصال أم القنوات التليفزيونية أم الأفلام التى تعرض التى تؤكد قيمة الفتونة والإجرام واستخدام العنف فى حل مشاكل البشر! هل هذه الرسالة التى نريد أن نوصلها لأبنائنا؟ إننا نريد أن نرسخ قيم وأخلاق عظيمة لنبنى مجتمعنا وبناء الإنسان، كما هو منشور كل يوم فى جرائدنا وقنواتنا دون أن نرى على أرض الواقع ما هى الوسائل التى نستخدمها لتحقيق ما نقرأ عنه.
نحن نرى أن القيم التى نريد أن نغرسها فى نفوس أبنائنا هى «مبادئ القيم والأخلاق التى تتكلم عن محاسبة النفس، الصبر والعفة، الشجاعة والعدل، البشاشة والتسامح والحرص على مقابلة الإساءة بشكل أفضل». إذا توصلنا فى نهاية الأمر إلى خلق وممارسة الأخلاق والقيم التى نسعى إليها، نكون بدأنا فى بناء إنسان جديد يتواءم مع معطيات العصر وما يسود المجتمع الآن فى العالم كله من الحفاظ على القيم والأخلاق.
نتمنى أن نعلم فى مدارسنا مفهوم حقوق الإنسان والحفاظ على الحريات العامة والكرامة والعمل بدأب على تقنين ما جاء فى دستورنا لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات