الشهامة العربية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشهامة العربية

نشر فى : الأربعاء 18 يناير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 يناير 2012 - 9:20 ص

تشهد الفترة الحالية أمرين مترابطين: الأول ما أكده رئيس الوزراء د.كمال الجنزورى من أن العرب لم يفوا بوعدهم بتقديم دعم للاقتصاد المصرى باستثناء مبلغين محدودين من السعودية وقطر. الثانى ما كشفه وكيل سابق لجهاز المحاسبات من فتح حساب تحت تصرف رئيس الدولة فى أوائل التسعينيات، بلغت قيمته الحالية حوالى 9 مليارات جنيه، يقال إن جانبا منه كان على سبيل تعويض عما تحملته مصر لتخليص دولة الكويت من قبضة الديكتاتور الأحمق صدام حسين، أضيف إليه قدر آخر على سبيل المعونة فى معالجة آثار زلزال 1992. ملاحظة جانبية، أن اغتصاب صدام حامل لواء الوحدة العربية لأراضى دولة شقيقة جاء فى أعقاب رفض مطالباته دول الخليج بإسقاط مديونياته لها لتمويل حربه الكارثية مع إيران، التى قيل إنه دخلها بالوكالة عنها بعد أن تقوقعت فيما بينها فى مؤسسة أمنية إقليمية هى مجلس التعاون الخليجى، ثبت أنها عجزت عن تأمين أراضيها بدرع الجزيرة، فكانت ضرورة البحث عمن يوفر الأمن الفعلى. وافتعل صدام أيضا نزاعا حول السياسة البترولية الكويتية، فشهدت تلك الفترة تلاسنات حادة اختتمها صليل السلاح.

 

●●●

 

وقبل ذلك بحوالى 15 عاما، كانت مصر قد أنهت سبع سنوات من الحروب، بدأت بحرب يونيو 1967 ثم حرب الاستنزاف لتختتمها بحرب أكتوبر المجيدة التى أعادت لمصر كرامتها وارتفعت بالعرب إلى موقع الصدارة، خاصة بعد أن استعادوا حقوقهم المسلوبة فى أسعار البترول، فكانت نموذجا لما يمكن أن يجنيه العرب بتكاتفهم من تحرير أراضيهم ومواردهم واقتصاداتهم. وكان على مصر أن تعالج اقتصاديات ما بعد الحرب بعد أن تراكمت عليها أعباء عدة: الأول توقف عمليات الإحلال والتجديد لمعداتها الرأسمالية مما بات يهدد إنتاجها بالتوقف؛ الثانى إعادة تعمير المناطق التى تضررت من الحروب واستكمال ما توقف من أنشطة البنية الأساسية بما فيها الإسكان؛ الثالث هو التخفيف من القيود التى فرضت على الأجور والاستهلاك فى سبيل توجيه الموارد المحدودة للأغراض الحربية؛ وتصادف ذلك مع موجة عاتية من التضخم الذى أطلقت له الولايات المتحدة العنان بدءا من 1970 فكان أول مآسيها ارتفاع سعر القمح أربعة أمثال (مستبقا رفع أسعار البترول) وهو ما فتح باب الدعم فى ظل تقييد الأجور. وتعهد العرب فى مؤتمر الخرطوم (الذى رفع لواء اللاءات الثلاث الشهيرة) بتقديم معونة تعويضا عن توقف قناة السويس، التى كانت من أهم مصادر العملات الأجنبية فى ذلك الحين.

 

وحينما تولى د.إبراهيم حلمى عبدالرحمن شئون التخطيط فى 1975 قدر احتياجات الخطة الخمسية بعشرين بليون جنيه، لا يتوفر منها محليا سوى 12 بليونا، فكان هناك حاجة لموارد خارجية قدرها 8 بلايين. وتم الاتفاق على قيام العرب بإنشاء صندوق خليجى لمساعدات التنمية (GOAD) لتدبير هذه الأموال. وبدأ الخليجيون حوارا حول هذا الصندوق وطالبوا بإنشاء مؤسسة له تتمتع داخل مصر بحصانة دبلوماسية كتلك التى تحصل عليها المؤسسات الإقليمية، ويكون لها حق مناقشة واختيار المشروعات التى تجدها مربحة لهم. وحينما وصل الرد، فوجئ به وزير الاقتصاد، د. زكى شافعى ــ رحمه الله ــ أثناء اجتماع للمجلس الاقتصادى العربى فى الرباط كان من موضوعاته إنشاء صندوق نقد عربى. وصاح «هو فلان عاوز إيه تانى.. لقد أجبنا طلبه شقة على النيل لابنه». وفلان المقصود كان وزيرا لمالية دولة خليجية يقال إنه كان من أكثرهم حرصا على العروبة. وبعدها أعلن السادات فى خطابه، 26 يوليو 1976، شكره للعرب قائلا إن مصر تستطيع المضى فى طريقها معتمدة على نفسها. ورغم أنى أكدت فى الاجتماع التالى لمجلس الوزراء على وجوب تفعيل هذا التوجه، فإن المجموعة الاقتصادية مضت فى طريق الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، والاستسلام للبنك الدولى فى إطار نادى باريس. وكان من أهم أركان البرنامج تخفيض سعر الصرف من 43 قرشا للدولار إلى 70 قرشا بدعوى أن الأخير هو سعر السوق الموازية، وإلغاء الدعم، خاصة على دقيق القمح والبوتاجاز. ولم يلقوا بالا إلى مقترحات بديلة تكفل الحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادى والسياسى. وبارك السادات ذلك.

 

●●●

 

وهكذا نزل المصريون إلى الشارع فى 18 و19 يناير 1977 فى انتفاضة عارمة، كان يمكن أن تأكل الأخضر واليابس لولا حكمة الجمسى، رحمه الله، عندما رابط جنوده فى أرض المعرض بالجزيرة ورفض إطلاق النار على شعب يلهث وراء قوت يومه. هنا خشى أهل الخليج أن تتحول الانتفاضة إلى ثورة تطالهم نيرانها، فسارعوا بتقديم مساعدات عاجلة تسد العجز المترتب على استبقاء الدعم. وفى أبريل 1977 جاء بنجنك مندوب البنك الدولى وهو يهودى تركى، وقال لى «لا داعى للحديث عن الاشتراكية. وإذا كان ولا بد فلتكن مثل اشتراكية السويد». وكان ردى أعطنى دخل السويد أعطيك اشتراكيتها. وتقرر أن أذهب لحال سبيلى ليتسنى العرض على نادى باريس فى منتصف مايو 1977. وصحت توقعاتى بفساد هذا الطريق، وقرر د.القيسونى اعتزال منصب رئيس المجموعة الاقتصادية بعدها بشهرين.

 

أما وقد سبقت الثورة هذه المرة فى 25 يناير، فلم يعد فى وسع أهل الخليج رد عقارب الساعة. وبدلا من تقديم المساعدات للأشقاء فى مصر، رصدوا الأموال لرفع مستويات دخول مواطنيهم تأمينا لدولهم من عدوى الربيع العربى. ولم يتبق بعد ذلك ما يقدم لمصر لأن تعزيز القوى العسكرية المرتبطة بالولايات المتحدة يستنفد وسيستنزف الأرصدة، وفق مفهوم إقليمى للأمن، بعد أن تداعى مفهوم الأمن القومى العربى. وعلى مصر أن تبحث عن بدائل لتدبير الموارد اللازمة لتأمين انطلاقتها الاقتصادية، وحماية أمنها الذى تعرض لمستجدات نرجو أن تتفرغ لمواجهتها قواتها المسلحة الأبية.

 

التاريخ لا يعيد نفسه وإن تشابهت مفردات الأحداث.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات