دواعى التفاؤل والتشاؤم بمستقبل مصر - جلال أمين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دواعى التفاؤل والتشاؤم بمستقبل مصر

نشر فى : الثلاثاء 18 فبراير 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2014 - 6:10 ص

منذ بدأ وعيى بأى حادث سياسى فى مصر على الإطلاق (وكان ذلك منذ أكثر من ستين عاما)، يمكننى أن أتذكر أحداثا كثيرة مفرحة (كقيام ثورة 23 يوليو 1952 مثلا، أو تأميم قناة السويس فى 1956)، وأحداثا كثيرة محزنة (كالهزيمة العسكرية فى 1967، أو ذهاب السادات للقدس فى 1977)، ولكننى لا أستطيع أن أتذكر أن المصريين قد ساد بينهم، فى أى وقت من الأوقات، حيرة شديدة بما يمكن أن يأتى به المستقبل، مثلما يسودهم اليوم.

السؤال: «إلى أين تسير مصر؟»، تسمعه اليوم من كل من يقابلك، ويوجهه كل مذيع للمشاركين فى الحوارات التليفزيونية، والمصريون منقسمون بين متفائل ومتشائم، ولكن سواء كان المصرى متفائلا أو متشائما اليوم، فهو يبدو مستعدا لقبول أى تحفظ على تفاؤله أو تشاؤمه، أو أى شك فى صحة هذا التفاؤل أو التشاؤم.

هناك أولا المتفائلون الذين يؤكدون على أن الذى حدث فى 25 يناير 2011 والأسابيع التالية حتى سقوط حسنى مبارك، شىء رائع ونادر المثيل فى التاريخ المصرى، ولا يمكن ان تعود مصر إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير، هؤلاء يرون فيما حدث خطوة جبارة فى طريق الديمقراطية، كسر بها المصريون حاجز الخوف (والبعض يقول: لأول مرة فى تاريخهم الطويل) فلم يعد من الممكن التعويل على قبولهم للظلم بعد اليوم، وها قد انتهى المصريون منذ قليل من وضع دستور جديد، وافق عليه المصريون بأغلبية ساحقة. وحتى إذا أبدى هؤلاء المتفائلون استعدادا للاعتراف بوجود بعض النقائص فى الدستور الجديد، فإنهم يقولون إنه، إذا أخذ ككل، أفضل دستور فى التاريخ المصرى، وما فيه من نقائص يمكن تداركه فى المستقبل.

على الطرف الآخر هناك المتشائمون الذين لا يثقون بأن نظام حسنى مبارك قد انتهى إلى غير رجعة، ويلاحظون بقلق أن بعض وجوه النظام القديم قد بدأت تعود إلى السطح. كما يلاحظون أن هناك اتجاها، يفسح له الإعلام مساحة تزداد اتساعا، نحو انتقاد ثورة 25 يناير، التلميح (بل وحتى التصريح أحيانا) بأن هذه الثورة قد تكون نتيجة مؤامرة أمريكية لا تعرف أهدافها النهائية بالضبط. ويلاحظون أيضا الهجوم على بعض شباب هذه الثورة وتشويه سمعتهم، إلى حد توجيه اتهامات غير مقنعة لتبرير اعتقالهم، واعتقال الكثيرين منهم بل وتعذيب بعضهم. لا يستبعد هذا الفريق من المتشائمين النكص التام عن الثورة والعودة إلى ما كنا عليه قبل 25 يناير.

بين هذين الموقفين، المتطرفون فى التفاؤل أو التشاؤم، هناك مواقف أخرى تتباين فى قربها أو بعدها عن هذا الطرف أو ذاك. هناك مثلا المتخوفون، لا من عودة حكم مبارك بل من عودة حكم العسكر. وهؤلاء يتوجسون من سيطرة بعض العسكريين على الحكومة الحالية، وما تتخذه من قرارات، ومن تزايد الدعاية لواحد منهم بالذات، وهو المشير السيسى، وكذلك من بعض مواد الدستور التى تسمح بزيادة نفوذ العسكريين، ويخشون أن يكون هذا تمهيدا للعودة إلى حكم العسكريين الذى بدأ فى مصر بقيام ثورة 1952، وما لابد أن يعنيه هذا من فقدان الديمقراطية التى قامت ثورة 25 يناير 2011 من أجلها.

على النقيض من هذا الفريق الآخير، هناك من يرحب بشدة بحكم العسكر، وعلى الأخص بحكم المشير السيسى، ويلحون على ترشحه لرئاسة الجمهورية، ويبررون ذلك على الأخص بأنه هو الذى حررنا من حكم الإخوان فى 30 يونيو، وأنه تحدى فى ذلك إدارة الأمريكيين والأوروبيين وما مارسوه من ضغوط، ويرون فى ذلك (خاصة بعد الزيارة الأخيرة لموسكو) شبها بينه وبين جمال عبدالناصر الذى تحدى القوى العظمى عندما تعارضت إرادتها مع الإرادة الوطنية.

اننى لم أذكر من بين ما ذكرت موقف الإخوان المسلمين، والسبب أنهم يبدون لى وكأن معيار التفاؤل والتشاؤم لديهم مختلف عنه عند الآخرين. إذ يبدو أن معيارهم الأساسى ليس مدى التقدم نحو الديمقراطية، بل ولا حتى القضاء على الفساد، ولا التخلص من التبعية لقوى خارجية، بل معيار التفاؤل والتشاؤم لديهم هو مدى النجاح أو الفشل فى تمكين الإخوان من الحكم. هذا هو ما أتصوره على الأقل فيما يتعلق بقادتهم وزعمائهم.

•••

عندما أسأل نفسى عن مدى اقترابى أو بعدى عن هذا الموقف أو ذاك من هذه المواقف الأربعة، أجد لدىّ بعض التعاطف مع كل منها، ولكن أيضا بعض التحفظات المهمة.

لابد أن اعترف فى البداية بأننى رغم فرحى بقيام ثورة 25 يناير كان حماسى لها أقل من حماس كثيرين. وقد ذكرنى هذا بما لاحظته فى أسرتى منذ ستين عاما، عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وكان عمرى وقتها سبعة عشر عاما، كنت أنا وأختى نكاد نطير فرحا وشديدى الحماس لسقوط ملك فاسد ونظام ظالم، ولكن أبى، الذى كان عمره قد قارب السبعين، وان كان قد اغتبط بقيام الثورة، بدا لنا أقل حماسا منا بكثير. وقد كنت أظن وقتها أن قلة حماسه ترجع إلى مجرد الشيخوخة، ولكننى الآن استطيع أن أفهمه أكثر لابد أن أبى، وقد عاش أكثر منا، قد شهد فى حياته ما يجعله لا يستغرب أن يأتى المستقبل بما يحقق بعض آماله ويخيب بعضها. ولابد أنه سأل نفسه عما يمكن أن تفعله مجموعة من الضباط الشبان المتحمسين، فى مواجهة عالم به هذه الدرجة من الشراسة؟ مع مرور الأيام الأولى على ثورة 25 يناير 2011 أصبح فرحى بما كشفت عنه الثورة أكبر من فرحى بما يمكن أن تؤدى إليه من نتائج. لقد كشفت ثورة يناير عن أشياء رائعة لابد أنها تكونت بالتدريج عبر العقود الستة التى تلت ثورة 1952. لقد ظهر لنا أن الشباب المصرى أكثر وطنية فى الحقيقة، وأكثر استعدادا للقيام بعمل ايجابى من أجل وطنه مما كنا نظن قبل 25 يناير. وظهر لنا أن النساء والفتيات المصريات قد أصبحن أكثر تحررا عقليا ونفسيا، مما كنا نظن أيضا، وان المسلمين والأقباط أكثر استعدادا لتبادل المودة وللاشتراك فى عمل واحد من أجل الوطن، وان سكان الأقاليم (أى خارج القاهرة والإسكندرية) أكثر وعيا ودراية بما يحدث فى مصر والعالم مما كانوا منذ ستين عاما. نعم، لقد كانت ستون عاما مليئة بالأخطاء والفساد، ولكن كل هذا لم يمنع من حدوث تطورات كثيرة رائعة تحت السطح، ثم ظهرت لنا فجأة فى 25 يناير والأيام القليلة التالية.

ومع هذا فإنه لم تمض أيام كثيرة على سقوط حسنى مبارك حتى بدأنا نرى أشياء مزعجة للغاية، الواحد بعد الآخر، وسبب جديد للإحباط بعد الأسباب القديمة حتى سمعنا لواحد من أكبر محللينا السياسيين منذ أيام قليلة، قولا مؤداه إننا لا نستطيع الان، ولأن مجرد التنبؤ بما يمكن أن يأتى به المستقبل، إذ إن حالة مصر الآن كحالة السيارة التى تعطل كل شىء فيها، وانغرزت عجلاتها فى الرمل بعيدا عن الطريق. فكيف نتكلم عن السير نحو المستقبل ونحن لا نقف أصلا فى بداية الطريق؟ لا أظن أن المفيد أن نذهب فى التشاؤم إلى هذه الدرجة. نعم، المستقبل ملىء بالمجهول، بل وكثير منه يجرى إخفاؤه عمدا، ولكننى أظن أن هذا المجهول ليس كله سيئا، بل من شبه المؤكد أنه سيأتى بمفاجآت مفرحة وأخرى محزنة، مما أرجو أن أتناوله فى مقالات قادمة، ولكننى واثق من أن الدواعى الحقيقية للتفاؤل والتشاؤم تختلف كثيرا عن الأسباب التى يتكرر ذكرها فى هذه الأيام.

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات