حتى لا يرتاح المزورون - أهداف سويف - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 5:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا يرتاح المزورون

نشر فى : السبت 18 سبتمبر 2010 - 12:04 م | آخر تحديث : السبت 18 سبتمبر 2010 - 12:04 م

 ونحن نتحرك صوب انتخابات مجلس الشعب تواجهنا كل يوم شواهد جديدة على المشكلات التى باتت متأصلة فى حياتنا السياسية، فزينت صفحات الجرائد يوم الثلاثاء، مثلا، صورة نائب فوة، محمد عبدالعليم داود، يشهر حذاءه فى وجه الكاميرا ويقول «حذائى أشرف من أى اتهام» كذا «توجهه إلى قيادات الوطنى، وأى مسئول حكومى»، وداود متهم مع 15 آخرين بإهدار مليار و500 مليون جنيه فى قضية العلاج على نفقة الدولة، ويؤكد أن القضية فى الأساس لتلويث سمعته، «لأننى فضحت حاتم الجبلى، وزير الصحة، فى استجواب واجهته به عام 2009 عن إصداره قرارات علاج موجهة لمستشفى دار الفؤاد الذى يمتلكه».

نالت أمثال هذه الأحداث والقصص من هيبة البرلمان، فبرغم أن هناك عددا من النواب الشرفاء يأخذون رسالتهم مأخذ الجد، أصبحت النظرة الغالبة أن مقعدا فى البرلمان يساوى طريقا مفتوحا للفساد، فنجد الأوصاف المقرونة بالنواب اليوم تصف شتى المجالات التى تكسبوا منها بشكل غير مشروع.
نحن، شعب مصر، يمثلنا اليوم «نواب القروض»، و«نواب الأراضى»، و«نواب البودرة»، وغيرهم.

ونحن، شعب مصر، نحتاج إلى التغيير: فى برلماننا، وفى حكومتنا، وفى دستورنا، وفى سياساتنا، وفى اقتصادنا. وهذا التغيير لن يحدث طالما بقى النظام الحالى، والحزب الوطنى الديمقراطى الذى هو أداة النظام. هذا نظام يقبض على البلاد ويمتص دماءها، وتنازله عن هذه القبضة وهذا الامتصاص فيه نهايته، فلن يتناول. ومن هنا يقين الشارع المصرى أن الانتخابات القادمة، التى يمكن أن تكون مجالا سلميا ومشروعا لتداول السلطة، قد حسمت نتائجها مسبقا.

فى آخر دورة للانتخابات البرلمانية، فى عام 2005، جاءت أكثر المنافسات جدية من الإخوان المسلمين، الذين فازوا كمستقلين بثمانية وثمانين من المائة والخمسين مقعدا التى رشحوا لها «من مجموع 444 مقعدا منتخبا» فوعى الحزب الوطنى الدرس واستغل السنوات الخمس الماضية فى تطوير تقنيات السيطرة على المناصب العليا فى مؤسسات المجتمع المدنى. فمن تعديل فى لوائح الجامعات ومجالس المدن، إلى عقد صفقات مع أجزاء من المعارضة على حساب أخرى، إلى عرض خدمات مباشرة لقاء أصوات انتخابية، إلى شطب أسماء أشخاص بعينهم من قوائم الترشيح، «كما حدث فى نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة» إلى أن نجح فى وضع شخصيات لنصفها بالمسالمة فى الكثير من المناصب المؤثرة فى البلاد.

والحزب يستعد الآن لشغل مقاعد مجلس الشعب بالطريقة نفسها. يقول مصدر موثوق به إن قيادة كبيرة فى الحزب الوطنى حذرته أنه لن يصل أحد إلى الترشيح أساسا إلا أن تكون السلطة راضية عنه. مجلس الشعب القادم سيتكون من 518 مقعدا بعد اضافة 64 مقعدا جديدا للنساء فقط، يستطيع الحزب أن يلعب بمائة وسبعين منها، يملؤها بنواب مسالمين من خارج الحزب الوطنى، فيرسم واجهة «ديمقراطية»، دون أن يتخلى عن التحكم فى قرارات المجلس أو حتى فى إمكانية وضع مقترحات جديدة أمامه.

ومع هذا فإن المشهد السياسى العام لم يعد نفس مشهد سنة 2005، فمثلا نرى الأحزاب والحركات الشعبية دخلت فى تجارب ائتلافية لعلها لم توفق تماما لكنها تعبر عن اتجاه إيجابى قد يثمر، وظهر فى الساحة الدكتور محمد البرادعى فبلور مطالب الناس بالتعديلات الدستورية التى تتيح لأى جاد أن يترشح للانتخابات الرئاسية عام 2011، ومع أن الدكتور البرادعى وباعترافه ليس البطل المنقذ الذى أمل فيه البعض، إلا أن شخصيته المحترمة، والمشهود لها بالنزاهة، والمتمتعة بتقدير عالمى، شكلت نقطة التقاء والتفاف للكثيرين، وقد وقع على عريضة مطالبه حتى الآن ثمانمائة ألف مصرى.

أما التطور الأكثر أهمية فى المشهد السياسى فهو انشقاق النظام على نفسه فى غضون محاولاته البحث عن قوالب جديدة يتشكل بها ليتمكن من الاستمرار فى السلطة. فالشق الأصغر سنا من رجال الأعمال الساسة المحيطين بنجل الرئيس يرون فى دفعه إلى كرسى الرئاسة الفرصة الأعظم لهم فى الاستمرار، أما الحرس القديم، المسيطر على البلاد مدة ثلاثة عقود، الذى يدرك رفض المصريين مبدئيا لفكرة التوريث، فيرى الأسلم فى اختيار رئيس جديد بين صفوفه.

وأمام هذه المعطيات الجديدة اضطر الحزب الوطنى أن يكشف عن وجهه الحقيقى، فالوقت لا يسمح الآن باتباع الأساليب التقليدية فى المساومة والترغيب: الآن وقت الترهيب. فمثلا، يوم الثلاثاء الماضى أيضا، اختطف مجهولون الدكتور شادى الغزالى من طابور الجوازات فى مطار القاهرة، حيث كان يستعد للسفر إلى لندن لأداء امتحان الزمالة، فالدكتور شادى مدرس فى كلية الطب، ومتخصص فى جراحة الكبد، إلى جانب كونه من مؤيدى الدكتور البرادعى وناشطا فى حملة ضد التوريث. أكدت مباحث أمن الدولة لعم الدكتور شادى، وهو شخصية ذات مكانة عالية فى الأوساط السياسية والثقافية المصرية، أن ابن أخيه ليس فى حوزتهم. لكن اختطاف الغزالى تم فى منطقة محظورة بالمطار. كما أن اثنين من زملائه الناشطين، وكانوا قد اختطفا وأطلق سبيلهما قبل ذلك بيومين، حكيا عن سيارات معتمة الزجاج، منزوعة الأرقام، وعن تعرية وتغمية واستجواب، وعن إطلاق السراح أخيرا فى موقع على الطريق الزراعى. إن لم يكن أمن الدولة فمن؟ من الذى يقوم باختطاف واستجواب شبابنا؟

على هذه الخلفية من الصفقات والبلطجة، يطالب بعض رموز المعارضة، ومن بينهم الدكتور البرادعى، بمقاطعة الانتخابات. والحجة هنا أن المقاطعة تعرى النظام وتفقده الشرعية. والسؤال هو: فى أى عيون؟ فالنظام فقد شرعيته فى عيون المصريين منذ زمن. مشهد المقاطعة، إذن، موجه إلى الخارج، إلى المجتمع الدولى. ولكن هل من اللائق، أو من الحكمة، أن يعلق شعب دولة ذات سيادة آماله على التدخل الأجنبى؟ ثم إننا قد رأينا رد الفعل الغربى لانتخابات السودان وأفغانستان، فأى أمل يمكن استخلاصه من هذا؟ أضف إلى هذا أن الحالة المصرية يدخل فيها أيضا العامل الإسرائيلى: فمردود الخدمات الكثيرة التى يقدمها النظام المصرى لإسرائيل اليوم وجدت تلخيصا وافيا فى مقولة الصحفى الأمريكى المخضرم، ديفيد أوتاواى فى حديثه فى «صوت أمريكا» إن الرئيس أوباما ربما يرى أن مساندة الديمقراطية فى مصر ستكون لها أثر سلبى على محادثات السلام.

الرأى عند الكثير من المعارضة لا يميل إلى المقاطعة، والقلة من المستقلين الحقيقيين الذين فازوا بمقاعد ونجحوا فى تكوين قاعدة انتخابية لا يرون وجها للتخلى عنها لماذا نسلم البلاد للوطنى «مقشرة»؟

المشاركة والالتحام أصعب وأفيد وأوجب من المقاطعة، ونحن المصريون وجب علينا العمل، العمل بنا ولنا. نعم يستطيع النظام أن يتحكم فى نتيجة الانتخابات، لكنه لا يستطيع أن يتحكم فى العملية الانتخابية برمتها، والعملية لها مدلولها وأهميتها: مرشحون يتقدمون ببرامج يناقشونها مع الناس، ناخبون ينتخبون، معارضة تضع كوادرها فى مقرات الانتخاب، تصر على حق المواطن فى إدلاء صوته فى سرية، تنشر هواتف يمكن الاتصال بها للتبليغ عن الغش أو الترهيب.

فى عام 2005 رأينا النساء يتسلقن الجدران ويدخلن مراكز الاقتراع من النوافذ لتفادى حصار أمن الدولة، ورأينا المسئولين يستقلون تمسكا بصناديق الاقتراع يحتضنونها فيقذفون معها إلى بوكسات الأمن المركزى، رأينا إصرارا حيا على حق الناس فى أن يمثلوا تمثيلا حقيقيا، ومررنا منذ ذلك الوقت فى خمس سنوات من التظاهرات والوقفات والاعتصامات والبلوجات، أليس واجب المعارضة أن تجمع كل هذا الحرام والقلق لتدفع به التوجه الديمقراطى؟

يجب ألا يحصل الحزب الوطنى على البرلمان الأليف الذى يبغيه دون أن يدفع ثمنا لذلك، وجزء من هذا الثمن هو المزيد من فقدان الشرعية، أما الجزء الآخر فهو تفعيل الشعب، فالبلاد، بعد انتخابات مجلس الشعب، يجب ألا تكون منكسرة، بل يجب أن تكون غاضبة، لتفعل قدراتها السياسية الخلاقة والمشروعة فى انتخابات الرئاسة.

التعليقات