سياسة ترامب مرعبة جدا وغير عقلانية - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 25 أبريل 2025 7:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

سياسة ترامب مرعبة جدا وغير عقلانية

نشر فى : السبت 19 أبريل 2025 - 7:00 م | آخر تحديث : السبت 19 أبريل 2025 - 7:00 م

ستمنح جائزة نوبل فى الاقتصاد هذا العام لمن يتمكن من فك شيفرة نظام الرسوم الجمركية على الواردات إلى أمريكا، والتى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ثم ألغاها، ثم أعاد فرضها، ثم ألغاها مجددا، ثم شددها، وأحكمها، وعقَّدها حتى الإرهاق. حاولت وسائل إعلام اقتصادية رائدة القيام بهذه المهمة، لكنها فشلت؛ إذ إن العشوائية والتصرفات الارتجالية لترامب أربكتها هى أيضا، وخصوصا أن كلّ تصريح يعلنه ترامب فى الصباح، يرافقه تفسير معاكس يصدر عن كبار مسئولى إدارته بعد الظهر؛ فكيف لك أن تعرف ما هو الصحيح لدى رئيس دولة بهذا القدر من اللاعقلانية؟

 


فى ظل لعبة الظلال هذه، يتضح أن الوعد الذى قطعه رئيس الوزراء نتنياهو لترامب خلال المؤتمر الصحافى «المشترك» (الذى لم يكن مشتركا فعليا؛ إذ إن ترامب هو مَن تحدث وهدد طوال الوقت) فى البيت الأبيض، لم يعد ضروريا. لم تعد إسرائيل بحاجة إلى تصفير الفائض فى تجارتها الخارجية مع الولايات المتحدة، والذى يبلغ 9 مليارات دولار سنويا، من أجل نيل تخفيض فى نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على المنتوجات الإسرائيلية المُصدّرة إلى الولايات المتحدة إلى 10%، وتأجيل فرضها أشهر عديدة إضافية. فترامب، كما هو معروف، غيّر رأيه فى مسألة الرسوم الجمركية بين ليلة وضحاها، ومنح هذه التسهيلات لكافة الواردات الأمريكية من أنحاء العالم، باستثناء الصين. وحتى فيما يخص الصين، فإن مبادئ ترامب تُثبت أنها مرنة، وهشة، وعرضة للتغيير المفاجئ.
إن التقلب غير المبرر لترامب هو ما يخلق حالة عدم اليقين الاقتصادى العالمى التى تهزّ الأسواق المالية وتُربكها. والأهم من ذلك، أنه يعرقل الاستثمارات الإنتاجية الكبرى، التى تُقدّر بعشرات ومئات المليارات من الدولارات. هذه الاستثمارات تحتاج إلى قدر معقول من اليقين، وإلى قرارات حكومية تُتخذ على أساس منطق واتساق، وليس من خلال الجهل والنزوات. اللاعقلانية هى مصدر ازدياد الخوف من ركود اقتصادى قد يبدأ فى الولايات المتحدة ويمتد، كحال الأوبئة، إلى بقية مكونات الاقتصاد العالمى. ولا تقلقوا، فسيصل إلينا أيضا.
فى بعض الأحيان، يبدو كأن ترامب قرأ كتاب البروفيسور دان أرئيلى عن اللاعقلانية بعمق («غير عقلانى، لكن لا بأس») ويتصرف بموجبه،لكن ترامب لا يقرأ الكتب، والبروفيسور أرئيلى يتناول فى كتبه اللاعقلانية فى شئون الحياة اليومية، لا فى قرارات مصيرية تؤثر فى حياة الملايين، بل مئات الملايين. أمّا الرئيس ترامب، بعكس ذلك، فإنه يُظهر انعداما فى المنطق وتناقضا فى السلوك، إلى جانب ثقة مفرطة بالنفس وجهل مذهل بالوقائع، وتحديدا فى قرارات على مستوى رئاسى - إمبراطورى.
لا توجد ذرة من العقلانية فى المطالب التى وجهها ترامب إلى أوكرانيا التى تقاتل بشجاعة، وفى حالة إنهاك ضد المعتدى الروسى. عبثا نبحث عن منطق فى موقفه من مشروع إيران النووى؛ فهو ضده، لكنه فى الحقيقة يؤيده، أو بالعكس، إذ يكتفى بإطلاق تهديدات رنانة لا تُرعب عضوا واحدا فى الحرس الثورى فى طهران. تلك التهديدات الجوفاء لم تُحرّك «حماس» عن مواقفها أيضاً؛ فالوساطة انتقلت من أمريكيين عاجزين إلى مصريين حازمين.
الحقيقة أنه كان لترامب ومبعوثيه تأثير عملى ضئيل للغاية فى الصفقة الأخيرة بشأن الإفراج عن الرهائن، لقد تم التوصل إلى 98% من تفاصيلها وإغلاقها خلال فترة رئاسة جو بايدن، بفضل جهود الوساطة التى بذلها وزير الخارجية، آنذاك، أنتونى بلينكن، ومنذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لم يُفرَج عن رهينة إضافية واحدة. ومع ذلك، يفاخر ترامب بقدراته الخارقة على إتمام صفقة الرهائن؛ يتباهى بالقول «فقط أنا كنت قادرا على القيام بذلك»، من دون أدلة.
فى غضون الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته، تفاقمت الحربان فى غزة وأوكرانيا، واليوم، يقف على رأس القوة العظمى التى يتوقف عليها مستقبل الحضارة، رئيس غير متوقع، ومتقلب، وأنانى، ومتردد باستمرار، ويفتقر إلى المعرفة والمعلومات، لكنه واثق بنفسه وبعظمته إلى حد لا نهائى. إنه غير عقلانى إلى درجة كبيرة، وهذا أمر مرعب جدا.

 

 

سفير بلوتسكر
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات