سبتمبر - شريف عامر - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سبتمبر

نشر فى : الثلاثاء 19 سبتمبر 2023 - 7:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 سبتمبر 2023 - 7:50 م

لشهر سبتمبر فى ذاكرتى صور تختلف عن بقية الشهور. منها مثلا ما كرهته طفلا من قيود يفرضها فصل الشتاء مع بدء عام مدرسى.
منها، ما أشعل فضولى شابا، أهتم بالشأن العام، وقيل له لو قرأت الصحف، ومقالات الرأى للكبار، ستعرف كثيرا عن العالم الذى تريد أن تنتمى له. ومن صور سبتمبر، عناوين عن رحيل رجل اسمه جمال عبدالناصر. أمتلك من الأحلام الصادقة ما عجز عن تحقيقه، فانكسر، وكسر معه بلدا بأكمله عندما ارتضى أهله بالاختزال الكامل فى شخصه. هذه صور عناوين تقدسه، وأخرى تلعنه. وفى نفس الشهر، صور أخرى لوجوه وأسماء تتحلق حول من يشيرون له بالأستاذ.
احتفال سنوى فى عيد ميلاده، صور تملأ الصحف، ومقالات وآراء عن الرجل الذى صار مرادفا للتأثير، بما صاغ وعرض وكشف ضعف سنوات عمرى عندما تعرفت على كلماته قارئا للمرة الأولى. هو نفس الرجل الذى أصبحت تجربته نموذجا مستحيلا، فتحول هاجسا يطارد كل من سعى لتكراره وفشل.
مر سبتمبر وتكرر حتى جاء ٢٠٢٣، ليعلن تمام مائة سنة على ذكرى ميلاده هذه الأيام.
لى فى عقود عمره وتأثيره سنوات كقارئ ضمن ملايين، وصحفى من صفوف وأجيال توالت.
لى فى عقود عمره بضع سنوات كان عمق أثرها الشخصى أكثر وأعمق من المهنى.
أذهلتنى دائما قدرته على استقبال هؤلاء الوافدين الجدد من عمر أبناء أو أحفاد.
إذا وثق، بدأ يناقش ويعرض، يحكى ويحمى، بدرس أو لفتة يلتقطها الجالس أمامه رقيقة مطوية بين الكلمات، أو صريحة مباشرة فى لحظات استثناء.
تمرس على مواجهة هذه اللحظات وقد شهد منها الكثير متكررة أمامه، وشهدنا نحن منها نصيبا مكدسا مكثفا فى عشر سنوات ما ظنناه دهرا كاملا.
يتجدد هو بالاشتباك مع هذا الجديد القادم، ويحاول فى ذات الوقت تحسس بعض الطمأنينة على مهنته الوحيدة، التى توحد معها، فصار لها نقشا غائرا على حائط أعمدة معبد قديم يعاند الزمن.
هذا العام، تحتفى أسرته ومؤسسته بذكرى ميلاده المئوية، ومعهم أنا وكثيرون غيرى. ترسم الفاعليات صورة تحاول تحقيق ما كان يوصى به دائما. حتمية التجدد ورفض الجمود.
يعلن التاريخ ذكرى ميلاده المائة، ومعها تتجدد أسئلة حث من حوله على سؤالها فى حضوره، وشجع على طرحها حتى فى غيابه من خلال سطوره المكتوبة والمنطوقة والحاضرة اليوم وغدا.
فى سبتمبر ٢٠٢٣، تستدعى الذاكرة صورا بعيدة لأسماء كبيرة تتحلق حوله على الصفحات القديمة، لكنى أستأنس بصور قريبة لم تبعد ولم تبهت بصدق مودته ودفء رعايته.
أستأنس باستدعاء كل ما فى الصورة، من دقة الموعد، إلى عمق المودة، وصدق الرعاية، ووضوح الفكرة، حتى رائحة القهوة.
الأسئلة مازالت معلقة يا أستاذ هيكل، وكأنك انصرفت متعمدا، لعل الأجيال الجديدة تملك إجابات أفضل وأكثر اتساقا مع زمن تنتمى له.
عموما، شجرة الافتقاد تكبر وتتكاثر أوراقها كما السنوات، ولا بديل عن اللقاء فى يوم يقدره الله.
سأنتظر سماع «أهلا أهلا أهلا» القصيرة المتكررة والمنغمة بالمودة منك، و«أهلاااااا» الطويلة الممدودة بنفس عميق من المحبة الخالصة من أبى.

التعليقات