الدخول بالملابس الرسمية - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدخول بالملابس الرسمية

نشر فى : الأحد 19 أكتوبر 2014 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأحد 19 أكتوبر 2014 - 9:38 ص

أغضبت فكرة التوجه إلى «الأهل والعشيرة» الكثيرين، وأثارت حفيظة البعض وسخريتهم، قطعا لأن المتحدث كان يشغل وقتها منصب رئيس الجمهورية وبالتالى عليه أن يتكلم مع جموع الشعب ولأن انتقاء الألفاظ جاء على غير ما اعتدنا. لكن فى واقع الأمر نحن نعيش وسط مجموعات تخاطب نفسها، ولكلٍّ أهله وعشيرته... مجموعات مغلقة كتلك التى ننشئها على الفيسبوك أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعى، لا يدخلها سوى من يسمح له بذلك. عندما يكتب أفرادها يستهدفون زملاءهم فى الفكر أو التوجه، وعندما يتكلمون أو يتناقشون فلديهم شفرتهم الخاصة التى يفهمها أكثر من هم على شاكلتهم، وعندما يلجأون لمن يساعدهم فى العمل يفضلون من يعتنق الفكر نفسه ويجىء ذلك غالبا على حساب المهنية المهدرة حقوقها على الدوام، وعندما يحتفون يرفعون كاتبا أو مغنيا معينا إلى عنان السماء لأنه يمثلهم أو ينتمى إلى فريق الأصدقاء... فنحن نعيش إلى جوار بعضنا البعض، وليس مع بعضنا البعض.

الميدان جمع يوما اليساريين والليبراليين والأناركيين والإخوان والسلفيين والمحافظين ــ التقليديين والهامشيين وغيرهم، جلسوا وناموا جنبا إلى جنب، وحدثت بعض التغيرات أو التطورات لأفراد من هذه المجموعات بفضل احتكاك الأفكار. بعدها تفرقت الطرق. وفى ظل الأزمات المتكررة رجع كلٌ إلى فريقه واحتمى بسقف أيديولوجى وعقائدى، بالتالى لا معنى لما يقال منذ سنوات عن تهاوى الأيديولوجيات، فهى حية ترزق على اختلافها ويلوذ بها كل فريق لكى يقرأ من خلالها ما يدور حوله ويأخذ موقفا بناء على ذلك. وغالبا ما توفر هذه الأيديولوجيات نظرة قاصرة أو مغلوطة للأمور، نظرة محملة بالأفكار المعدة سلفا والنمطية. يحدث انسداد فى المسام مع مرور الوقت، نلوى ذراع الحقيقة لكى تتوافق مع ما نؤمن به.

الموضوع ليس مقصورا إذا على الإسلاميين الذين حولوا الدين إلى أيديولوجيا يعتصمون بها، لكن يمتد إلى سواهم من الفرق، فالأيديولوجيا توصف أحيانا بأنها «ديانات دنيوية» إذا جاز التعبير. ونحن فى مجتمعات تضع الأيديولوجية فوق الديمقراطية، ربما كان السبب وراء إعلاء قيمة «اختيار الشلة» أو «الأهل والعشيرة» هو أنه لا توجد أحزاب حقيقية ولا مجتمع مدنى حقيقى، بل مجموعات شخصية. ربما لأن بعض هذه المجتمعات لم تصل إلى النضج اللازم. عانت طويلا من الفقر والاستعمار وقرر بعضها الرجوع إلى الماضى، إلى ما قبل عصور الاستعمار والتمسك بهوية ما. مفهوم الدولة الذى فرض عليها من أعلى ظل هشا، تتهدده النزعات القبلية أو القوميات بما يتناسب مع طبيعة تكوينها أو تركيبتها الاجتماعية.

ينهار فجأة كل شىء، وهو ما نلاحظه من خلال الهويات المتصارعة فى بلدان مختلفة: بشر يجمعهم سقف واحد لفترات طويلة ويظل كل طرف ممسكا بهويته، ثم ما إن تتاح الفرصة ينقض على الآخر أو يطالب بالانفصال والتشظى. يظهر من يسعى لإبادة الآخر وقطع رأسه إن أمكن. لم ير نفسه قط على أنه خليط من هويات متعددة وأحيانا متناقضة، وأنه يحمل فى طيات نفسه أجزاء من ذلك الآخر الذى يصير غريبا أو عدوا بين ليلة وضحاها. فى مثل هذه المجتمعات تختلط الأوراق، لا مكان للأغراب أو المغايرين فى عالم الأيديولوجيات الضيقة وصراع الهويات. غير مسموح بدخول من يرتدون زيا مختلفا لأنهم يذكرون بتعددية مكروهة لدى البعض. وينفجر الموقف.. تطرد مجموعة من «الملعب» لصالح مجموعة أخرى، وتظل هذه الأخيرة تتحدث مع نفسها، بما يوافق شرائعها.

التعليقات