من أرشيف الكون - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أرشيف الكون

نشر فى : السبت 20 أغسطس 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 20 أغسطس 2022 - 8:40 م

صارت الأرض فرعا من فروع الجحيم. ربما سيكون علينا استبدال الكوكب. لم ننجح فى مكافحة الكارثة المناخية، ولم نستطع اختراع أساليب جديدة للقضاء على سخونة الجو ولعنات أخرى. شبت الحرائق فى أماكن متفرقة من العالم. غابات وبيوت ودور عبادة تحترق، وترتفع حصيلة الضحايا هنا وهناك بسبب غضب الطبيعة تجاه الإهمال وسوء التصرف والتجبر.
منذ زمن بعيد جاءت النار، ومنذ ذلك الحين صارت تحمينا من الظلام والبرد. تشع نورا وحرارة لا يخلوان من السحر، لكنها تخيفنا عندما يطالعنا حريق يدمر مكانا فلا يبقى منه سوى كومة حديد يتصاعد منها دخان أسود كثيف نفقد معه الرؤية ولا نتحسس طريقنا وسط الركام.
قديما كان يرمز للنار على أنها نوع من التطهر، ظهر هذا المعنى فى المعتقدات الدينية كما فى التقاليد الزراعية، فالفلاح يحرق الأرض لكى تصبح أكثر خصوبة والمذنب يعاقب بالحرق قصاصا.
• • •
الأرض تتجدد بلا توقف، من زمن إلى زمن، ومن يد إلى يد. تهتز غضبا بسبب زلزال، لأنها تعرف ما حدث وما سيحدث. تتحول المياه العذبة إلى مالحة. نرى أنهارا تستجدى الماء من الرمال ومدنا تنتحب طوال الليل. نرى شعوبا معصوبة العيون تنتظر لحظة إعدامها ويتأخر جلادوها فى التنفيذ. تفيض المياه فتغرق الأخضر واليابس، وفى مناطق أخرى تثور البراكين وتندفع منها الحمم.. تبصق لهبا متطايرا أو تزمجر وتكشر عن أنيابها وتسفر عن زلازل متتالية.. والرسالة مفادها أن كل عناصر الطبيعة غاضبة: الأرض والهواء والماء والنار، كما لو كنا فى أسطورة من أساطير الأولين تتناول الكوارث الكونية التى كادت فى السابق تطيح بالعالم، فالحضارات القديمة المختلفة تعج بمثل هذه الروايات التى تحكى عن لحظات هدم لكل ما هو قائم حتى يتسنى بناء حيوات أخرى ببشر مختلفين لأنهم تعلموا الدرس أو نجوا بمعجزة.
سخمت إلهة الحرب القوية لدى المصريين القدماء، التى تمثل بهيئة لبؤة أو سيدة لها رأس لبؤة، كانت تنتقم من الطغاة والظالمين، تصيبهم بالأوبئة الفتاكة وتنزل بهم أشد العقاب، فكان الملك يأمر بصنع تمثال لها كل يوم خوفا من تفشى الأمراض. أما فى أسطورة جلجامش، ملحمة بلاد الرافدين، فقد جاءت فى بعض نسخها قصة الطوفان العظيم الذى أغرق الأرض لعدم رضاء الآلهة، نزل مطر مدرار لمدة ست ليالٍ وسبعة أيام ليفنى الأرض ومن عليها.
• • •
الكثير من النصوص القديمة احتوت على الحكمة نفسها: حين يشتد تدهور العالم وتزداد خطايا البشر فلابد من تدخل قوى طبيعية أو إلهية لحسم الموقف، إيذانا برحيل شىء وبداية شىء آخر. الطبيعة تتمرد على عجرفة غزاة الكوكب الطامعين، وتذكرهم أنهم ليسوا أصحاب الكلمة الأخيرة. ونسمع نحن كما هو الحال الآن صرخات عويل فى مدن تعبق برائحة الموت. نسير معا فى الأرض وتلاحقنا الصيحات المستغيثة. يصيح الديك، معلنا عن نهار جديد، وهو يتثاءب، فقد تكرر هذا السيناريو فى كتب التاريخ من قبل.

التعليقات