الأمهات يهزمن الديكتاتورية.. دائمًا - رباب المهدى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمهات يهزمن الديكتاتورية.. دائمًا

نشر فى : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:25 ص

خلال سنوات الحكم العسكرى للأرجنتين (1976 ــ 1983) شن النظام ما سمى «الحرب القذرة» ضد المعارضين. اختفى الآلاف من الشباب المناهضين بالفعل أو القول للديكتاتورية العسكرية. وكان النظام يستخدم مصطلحات الحفاظ على «الأمن» و«القيم الاجتماعية» و«الاستقرار» كذريعة لهذة الحرب على المعارضين. ومع الاختفاء القسرى للآلاف ــ الذى كان يعقبه تعذيب وقتل ــ صمت المجتمع تحت وطأة القهر أو الخوف من «الفوضى».

 

ولكن فى يوم الخميس من عام 1977 ظهرت مجموعة من النساء كبيرات السن، يطفن حول ميدان «مايو» أمام قصر الرئاسة فى العاصمة بونس اّيريس. كل منهن تضع منديلا أبيض نقش عليه اسم ابن أو ابنة اختطفهم العسكر.  كانت هذة هى بداية ما عرف بعد ذلك باسم حركة «أمهات ميدان مايو» والتى أخذت تكبر على الرغم من اختطاف واختفاء ثلاثة من الأمهات مؤسسيها. فكلما اختفى شاب أو فتاة، ظهرت له أو لها أم أو جدة أو أخت تطالب بمعرفة مصيره. كانت هذة الحركة هى بداية تحرك واسع للمجتمع ككل وليس فقط النشطاء السياسيين ضد الحكم العسكرى. وحتى بعد انتهاء الحكم العسكرى فى عام 1983، ظلت هذه الحركة وبانضمام أجيال جديدة من النساء تتظاهر كل يوم خميس لتذكر المجتمع بعدالة القضية ولتجبر السلطة الجديدة على الاعتراف بجرائم العسكر ومحاسبتهم عليها. حتى نجحت فى عام 2006 فى إسقاط قانون العفو عن أفراد الجيش المتورطين فى هذة الانتهاكات وأجبرت السلطة على تقديم اعتذار وتعويضات لأهالى الضحايا.

 

●●●

 

تذكرت هذة القصة وأنا أرى ليلى سويف ــ والدة علاء سيف الذى يحاكم أمام القضاء العسكرى ــ تبدأ إضرابا عن الطعام منذ أكثر من أسبوع. ثم تخرج سميرة إبراهيم لتتحدث وتعلن عن شكواها الرسمية ضد الشرطة العسكرية التى عذبتها فى اعتصام مارس الماضى. وتذكرت صورة والدة خالد سعيد وهى تعزى والدة مينا دانيال لتذكرنا أن الممارسات القمعية ضد المعارضيين مازالت مستمرة. ما بدأته ليلى سويف وأم خالد سعيد وسميرة إبراهيم ومارى أخت مينا دانيال هو بداية لتحرك أكثر من 15000 امرأة تتعرض للظلم بسبب انتهاكات العسكر لها أو لأخ أو ابن أو زوج محال للمحاكم العسكرية. وهو ليس فقط نضال من أجل حقوقهن وحقوق ذويهم وإن بدا كذلك، ولكنه نضال من أجل «تأنيث الدولة». بمعنى، صبغ سلطة الدولة ومكوناتها بصفات «العدل» و«الحماية» و«العطاء» وهى الصفات التى تجعل من الأنوثة والأمومة قيم كبرى.

 

هناك سلطة معنوية لهذه القيم التى تمثلها النساء/الأمهات (وإن لم تكن حكرا عليهن) تفوق سلطة السلاح. ولننظر لقرار نقابة الصحفيين بمنع أعضائها من المثول أما القضاء العسكرى، والذى صدر بعد أسبوع من بدء ليلى سويف إضرابها عن الطعام. ثم دخول نشطاء آخرين رجالا ونساءً فى إضراب تضامنى معها. وكأنها كرة جليد تحركت بتحرك أم واحدة فأخذت تكبر يوما بعد يوم.

 

●●●

 

إن معركة ليلى سويف وسميرة إبراهيم وأخواتهن ممن لهن قريب فى السجون العسكرية أو ممن تعرضن للإهانة على يد الشرطة العسكرية إنما هى معركة مجتمع ليس فقط ضد سلطة العسكر التى يساء استخدامها، ولكنها أيضا معركة لتغيير شكل السلطة فى مصر والقيم التى تحكمها. انتصار حركة «الأمهات» فى الأرجنتين كما هو فى مصر، هو انتصار لمنطق الحق فى مقابل منطق القوة. وإذا كانت النساء اللأرجنتينيات انتصرن فى معركة شبيهة ــ حتى وإن اختلفت الأدوات ــ فإن النساء المصريات لا يمكن إلا أن ينتصرن. هكذا علمنا التاريخ وهكذا تكون معارك النساء فى تغيير وجهه المجتمعات لتصبح أكثر عدلا واحتراما للإنسانية. تحية لليلى ومارى وسميرة وكل من ترينا كيف يكون نضال النساء على الأرض وليس فى المؤتمرات أو داخل القاعات المغلقة.

التعليقات