الدلتا ونهاية العالم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 7:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدلتا ونهاية العالم

نشر فى : الأحد 20 ديسمبر 2009 - 11:36 ص | آخر تحديث : الأحد 20 ديسمبر 2009 - 11:36 ص

 عام 986 قام «إيريك الأحمر» باحتلال «جرينلاند» (التى تعنى الأرض الخضراء)، ورفع علم الفايكنج عاليا على أراضيها. نجد تفاصيل احتلال الفايكنج الأراضى الخضراء فى ملحمة «إريك الأحمر» التى كتبت فى القرن الثالث عشر ونجاح الفايكنج فى تأسيس أول مستعمرة لهم هناك بعد معارك عنيفة مع سكان الجزيرة.

ومن هذه الملحمة تطايرت هذه الأيام كسحب الغيم إشاعة أن أراضى جرينلاند كانت منذ ألف عام مروجا خضراء تلهو فى أرجائها الغزلان مع عمالقة الفايكنج. وتطاير الدمع على ما وصل إليه العالم من تدهور فى الأحوال المناخية حتى تحول الأخضر فى هذه الجزيرة إلى أبيض ناصع يغطى اليوم معظم أراضيها.

ولكن أثبتت الدراسات العلمية أن جرينلاند كانت أحوالها المناخية منذ ألف عام كأحوالها اليوم. فاللون الأبيض كان ومازال هو اللون السائد، والمعارك العنيفة التى خاضها السيد إريك كانت مع عدد لا يتعدى بضع مئات كانوا يشكلون أغلبية السكان. أما اسم الأراضى الخضراء فقد أطلقه السكان كحلم غابر من أحلام يقظتهم أن يعيشوا ولو بالاسم فى أراض خضراء.

ولكن لا يعنى هذا التأكيد العلمى للأسف أن الأحوال المناخية لم تتدهور بشدة خلال العقود القليلة السابقة. ففى خلال القرن الماضى ارتفع منسوب البحار 17 سم، وارتفع متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية فى نفس الفترة 0.7 درجة مئوية.

ومن المتوقع أن يرتفع منسوب البحار فى نهاية القرن الحالى من 18 إلى 59 سم وفقا للدراسة التى تم نشرها فى فبراير2007 من اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للمنظمة العالمية لقياس المناخ وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. ولكن هيئة العلماء التى نشرت هذا التقرير العلمى اعترفت أنها لم تضع فى حساباتها ظاهرة فى منتهى الأهمية تم بدء قياسها بصورة منهجية علمية عام2000، وهى ظاهرة انهيار الكتل الجليدية داخل المحيط.

متابعة هذه الظاهرة وتطورها بدأ فى جرينلاند البيضاء دائما ثم فى أنتاركتيكا. اليوم ومن خلال أحدث الدراسات ومراكز قياس المناخ داخل الأقمار الصناعية اعترفت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن هذه الظاهرة فى تنامى وهى تمثل نحو 500 مليار طن من الجليد تنزلق كل عام داخل المحيطات. وعلى العلماء اليوم دراسة ما إذا كانت التوقعات المنشورة والخاصة بارتفاع منسوب البحار خلال القرن المقبل كانت متفائلة أكثر من اللازم.

بدأ الحديث عن نهاية العالم. وارتفعت أصوات رجال الدين فى بعض الكنائس تطلب الغفران قبل يوم الساعة القريب. ونشطت جمعيات خضراء فى كل أنحاء العالم تطالب زعماء الدول الكبرى باتخاذ خطوات إيجابية بعد أن تقاعسوا عن التزاماتهم المحددة فى قمة الأرض عام 1992 فى ريو دى جانيرو، وفى بروتوكول كيوتو عام1997.

وتجمهر أكثر من ثلاثين ألفا من المواطنين فى كوبنهاجن منذ أيام ينددون بالرأسمالية وسيطرة رجال الأعمال على رجال السياسة فى مظاهرة لم تشهد كوبنهاجن مثيلها من حيث العدد فى تاريخها كله.

هل سوف تصبح قمة كوبنهاجن واحدة من سلسلة قمم الأرض للجعجعة المناخية دون نتائج حقيقية؟ يبدو أن هناك عوائق دون حل، وأن ما يطلبه العلماء لإنقاذ الأرض أبعد كثيرا مما يمكن أن يلتزم به الساسة. ولنا فى كيوتو عظة، فلم تلتزم الدول الكبرى بما وقعت عليه منذ أكثر من عشرة أعوام. فقد كان المطلب الرئيسى هو تقليل الانبعاثات الحرارية العالمية بواقع 5% عن عام1990، وما حدث هو زيادة مطردة فى الانبعاثات العالمية منذ عام 2000 بواقع 3.4% زيادة سنوية. وبدأت ماكينات الرأسمالية تشكك فى الحقائق.

وظهرت على الانترنت آلاف الدراسات التى تقوم بدراسة مقارنة بين عامى 1998و2008 وتؤكد هذه الدراسات أنه لا يوجد بالفعل تدهور فى درجة حرارة الأرض أو فى الانبعاثات العالمية. والدراسة حقيقية ومغلوطة تماما فى الوقت نفسه.

وبدون الدخول فى التفاصيل فالمقارنة هنا بين عامين فقط. وعام 1998 كان عاما استثنائيا فى ارتفاع درجة الحرارة وعام 2008 بالعكس كان عام استثنائيا فى انخفاض درجة الحرارة. وبدأت الرأسمالية تعزف لحن نموها الجنائزى الذى سوف يؤتى عليها وعلى الأخضر واليابس.

منذ أيام اجتمع مجلس وزراء دولة نيبال على قمة جبل بارتفاع 5242 متر لجذب انتباه العالم للآثار الكارثية للتغيرات المناخية على الهيمالايا. أما رئيس جمهورية المالديف فقد اجتمع مع أعضاء حكومته وهم يرتدون جميعهم ملابس الغوص وأنابيب الأكسجين للصراخ فى وجه البشرية معلنين عن قلقهم البالغ من الارتفاع فى منسوب مياه البحار. أما أنا فأقف الآن مكتوف اليد، مكمم الفم فى رأس البر ظهرى إلى البحر ووجهى يطل على الدلتا وأصرخ والصوت لا يخرج من فمى: ما العمل والدلتا تضيع؟.


خالد الخميسي  كاتب مصري