حينما بدأنا الإعداد لصفحة صحة وتغذية مع صدور أول عدد من أعداد جريدة «الشروق» اجتزنا أوقاتا بالفعل عصيبة. كانت الأفكار كثيرة متعددة والشكل متباين الأوصاف ماذا نختار؟
أذكر باعتزاز شديد أن تلك الصفحة كانت مثار اهتمام الجميع من هيئة التحرير سواء من الكتاب الكبار والصحفيين الشبان وأصحاب الرؤية الفنية وفنون التحرير مما ضاعف من توترى فى البداية، فألمت بى حيرة جعلتنى دائمة التفكير فى كل الاحتمالات. كنت أسأل نفسى وأحاور كل من حولى فى محاولة للاستقرار على شكل يستهدى القارئ وفكرة تفيده ومحتوى علمى محترم لا يجنح على الإطلاق للمبالغة بغرض الإثارة الصحفية ولا يلون الحقائق العلمية ولا يشير من بعيد أو قريب إلى اسم طبيب بغرض الإعلان، كيف يمكن أن تحقق طرفى تلك المعادلة الصعبة وننال فى ذات الوقت ثقة القارئ ورضاه الأمر الذى يدفعه للتواصل المستمر معنا؟
الاختيار الذى لم ينله حظ من الحيرة كان عنوان عمود المحرر الذى لم أتردد فى اختياره إنما فرض نفسه واستقر فى مكانه «صباح الصحة والسعادة»، فقد كان مرادفه فى وجدانى أن الصحة والسعادة إنما هما وجهان لعملة واحدة فى حياة الإنسان.
أحد الأبحاث العلمية الفريدة أعاد لنفسى ذكريات تلك الأيام حينما طالعت ما نشرته وكالة CNN من نتائج لدراسة قامت بها لورا كابنزسكى أستاذ العلوم الاجتماعية والسلوكية بجامعة هارفارد (Laura Kubyansky). تشير الدراسة التى شمل العمل فيها تقييم عدد كبير من الدراسات التى أجريت فى مراكز مختلفة فى العالم إلى أن السعادة أمر مطلوب للصحة.
قد تختلف رؤيتنا للسعادة إذا ما نظرنا إليها من زوايا مختلفة:
راحلة البال وتوازن النفس وهى الإحساس بالأمان النفسى وربما هى المال أو النجاح فى العمل وتحقق الطموح ولكن مهما اختلف تعريف السعادة لدى الإنسان فإنها فى النهاية أمر نسبى ولا يخضع كلية لإرادة الإنسان.
هناك بلا شك دور تلعبه الموروثات الجينية والبيئة المحيطة بالإنسان وهو دور للأسف هام ومؤثر. ليس من الطبيعى أن تقنع نفسك بأهمية السعادة فتنهض لتفتح ذراعيك للدنيا منتشيا.
هل طول الأجل يجلب السعادة؟ تشير الدراسة إلى أنه مع التقدم فى السن يتعمق الشعور بالسعادة فالكبار ينفعلون بصورة أقل من الشباب ويقدرون ولا يعرضون أنفسهم لتجارب قد تترك ندوبا فى ذاكرتهم! لكنهم أيضا يعرفون أنهم موغلون فى سكة النهاية!
إذا كانت السعادة مفتاح الصحة وهى فى الوقت ذاته أمر لا يملك الإنسان شأنه كاملا فما العمل؟ كيف يواجه تدخل موروثاته الجينية وما يحيط به من بيئة محبطة؟ كيف يدافع عن سعادته؟ تخلص الدراسة إلى أن المثابرة مطلوبة فليس من الواجب أن يستسلم الإنسان فى مواجهة ما يسلبه سعادته. تقترح الدراسة أن يلجأ الإنسان إلى البحث عن سعادته فى اللحظة الراهنة التى يعيشها بالتركيز عليها والتركيز فيها فيما يعرف بالرياضات الذهنية المعروفة فى البوذية كالتأمل (Meditation). تلك نصيحة تأتى من الغرب للعودة إلى ثقافة الشرق بحثا عن السعادة أظنها صادقة.