حكومة الببلاوى.. الأداء والأمل - محمد تيمور - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 12:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة الببلاوى.. الأداء والأمل

نشر فى : السبت 21 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 21 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

أهم المشكلات المعوقة للاقتصاد

 تزايد أعداد العاطلين عن العمل.. الزيادة الرهيبة فى مخصصات الدعم «خاصة الطاقة».. تدهور التعليم والخدمات الصحية.. انخفاض معدلات الاستثمار.. الشلل الذى اعترى مراكز اتخاذ القرار داخل البيروقراطية المصرية فى الآونة الأخيرة

تتعرض حكومة د.ببلاوى حاليا الى ما يمكن أن نطلق عليه مناوشات فى أجهزة الأعلام، سواء المكتوبة أو المرئية، بخصوص أدائها فى المجال الاقتصادى، فمن قائل ان الحكومة لم تفعل شيئا أو أنها متباطئة أو أنها لم تستطع أن تنفذ قرارات جريئة تثبت أنها حكومة قوية قادرة على أن  تقود البلاد نحو نهضة تخرجنا من الوضع المتردى للاقتصاد. وحتى يمكننا ان نناقش تلك الآراء فقد يكون مناسبا إن نحاول الرد على ثلاثة أسئلة.

الاول هو: هل هناك سياسة اقتصادية عامة على المستوى الاعلى (MACRO ) تنتهجها الحكومة؟ وما هى هذه السياسة؟ وهل بدأت تظهر اية نتائج لها؟ 

اما السؤال الثانى: فهو هل هناك خطة تنفيذية للتعامل مع المشكلات الرئيسية التى تواجهه الاقتصاد؟ وهل بدأ تنفيذ هذه الخطة؟ 

اما السؤال الثالث: فهو هل نجحت الحكومة فى إفهام الجمهور ملامح خططها على المستويين العام والتنفيذى؟ وهل أشركت المجتمع فى وضع هذه الخطط؟

أعتقد ان الإجابة على تلك الموضوعات الثلاثة يمكن ان تمثل مؤشرا يمكن من خلاله ان نحكم على أداء الحكومة. على أننا قبل إن نشرع فى ذلك فيجب ان نتذكر ان الحكومة الحالية لم يمر سوى شهرين على توليها مقاليد الحكم وانها بدأت عهدها فى فترة من أصعب الفترات التى مرت بها البلاد فى تاريخها الطويل تتسم بالتوتر السياسى الشديد وتدهور الأمن وانقسام الآراء و كل ذلك يعيق بدون شك قدرة  الحكومة على الحركة.

فاذا انتقلنا الى السؤال الاول عن السياسة العامة للحكومة فاننى أدعى ان الحكومة، بالتعاون مع البنك المركزى، بدأت فى تطبيق ما يمكن ان نسميه النموذج الماليزى فى التعامل مع الأزمة المالية والتى لجأت إليه حكومة مهاتير محمد  فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى ونجحت بواسطته فى التعامل مع تداعيات الأزمة المالية التى عصفت باقتصاديات دول جنوب شرق آسيا.  وتتلخص هذه السياسة فى وضع قيود على التحويلات الرأسمالية وتثبيت سعر العملة وتخفيض سعر الفائدة وإتباع سياسة مالية توسعية. ويلاحظ اى مراقب ان حكومة د.ببلاوى تطبق هذه السياسة بحذافيرها وقد بدأت تباشيرها  فعلا فى تحسن وضع الجنيه المصرى وانخفاض أسعار الفائدة، واتجاه مؤشر التضخم الى الانخفاض، بالإضافة الى حزمة التحفيز الاقتصادى الذى أعلنته والبالغ حوالى 22 مليار جنيه يتم إنفاقها على مشروعات بنية تحتية كثيفة  العمالة خلال العام المالى الحالى.

إن تلك الخطة لابد ان ينتج عنها تسارع فى معدلات النمو كما انها تتعامل مع أهم مشكلة تواجه الاقتصاد وهى تزايد البطالة خاصة بين الشباب والتى تهدد بخلخلة النظام الاجتماعى بأكمله.  ومن ناحية اخرى فأن تخفيض أسعار الفائدة سيكون له تأثير مباشر على خفض تكاليف خدمة الدين القومى وبالتالى تخفيض عجز الموازنة وعلى اتجاه البنوك لتمويل القطاع الخاص.

إذن فإن الإجابة على السؤال الاول توضح ان الحكومة لديها سياسة اقتصادية وأنها سياسة سبق تجربتها بنجاح وان المؤشرات توضح ان تطبيقها فى مصر يسير فى الاتجاه الصحيح.  إلا اننى أرى أن المبلغ المخصص لحزمة التحفيز الاقتصادى قد تكون غير كافية حيث انها تبلغ حوالى 5.1% من الدخل القومى بينما تجارب الدول الأخرى فى هذا الصدد تبين ان هذة النسبة بلغت من 3% - 5%.  ويمكن ان نفهم ان الحكومة اكتفت بهذا القدر خوفا من تأثير ذلك على عجز الموازنة وما يتبع ذلك من زيادة فى التضخم.  وفى رأيى ان ذلك الخوف لا مبرر له حيث ان حجم الطلب العام فى الاقتصاد قد تأثر سلبا بشدة نتيجة لتزايد البطالة  مما يقلل من تأثير عجز ا لموازنة على التضخم.

اما السؤال الثانى عن خطط الحكومة فى التعامل مع المشكلات الرئيسية التى تعوق الاقتصاد فمن المفيد ان نحدد أهم هذه المشكلات وهى فى رأيى: تزايد أعداد العاطلين عن العمل، الزيادة الرهيبة فى مخصصات الدعم (خاصة الطاقة)، تدهور التعليم والخدمات الصحية، انخفاض معدلات الاستثمار، وأخيرا وليس آخرا الشلل الذى أعترى مراكز اتخاذ القرار داخل البيروقراطية المصرية فى الآونة الأخيرة.

وبالطبع فإن هذه المشكلات من الصعب ان نتوقع حلها خلال فترة قصيرة ولكننا نستطيع تقييم ما إذا كانت الحكومة قد بدأت التعامل معها ومدى جدية هذا التعامل علما بأن عددا من هذه المشاكل متشابكة وان التعامل معها لابد وان يتم كمجموعة واحدة.

وقبل أن نناقش هذه المشكلات فيجب ان نشير إلى الأداء التنفيذى للحكومة خلال فترة الشهرين الأخيرين قد استطاع ان يعيد أجهزة الدولة للعمل بعد أن شهدت أغلبها حالة من الفوضى بل الانهيار استمرت شهورا نتيجة للإطاحة بالعديد من القيادات ذات الخبرة وإحلال مجموعات لا ميزة لها إلا اتجاهاتها السياسية المرتبطة بالنظام السابق مع خلوها من المهارات السياسية اللازمة لتسيير العمل. ولم يكن نجاح الحكومة فى ذلك بالأمر السهل بل إنه استنزف الكثير من الجهد والمثابرة التى كان يمكن أن توجه لعمليات التخطيط والبناء للمستقبل.

بالنسبة لمشكلة البطالة فان التعامل معها فى الأمد القصير قد بدأ من خلال حزمة التحفيز الاقتصادى التى يتوقع ان تؤدى لخلق حوالى 100 الف فرصة عمل إضافية. اما فى المدى الطويل فأن التعامل معها يتطلب زيادة حجم الاستثمارات لإنشاء مشروعات توفر فرص عمل ليس فقط لأعداد الشباب التى تدخل سوق العمل ولكن لاستيعاب الأعداد الكبيرة المتعطلة عن العمل حاليا.  وهنا يواجهنا القصور الكبير فى حجم الاستثمار الذى انخفض بشدة منذ بدء ثورة 25 يناير 2011، وعجز الجهاز الحكومى على التعامل بكفاءة مع المستثمرين، إضافة الى وجود العديد من المشاكل مع العديد من المستثمرين الذين فوجئوا فى الفترة الأخيرة بتحويلهم إلى المحاكم بتهم متعددة أغلبها لا اساس لها.

ولا ننكر ان الحكومة تقوم بمجهودات كبيرة للترويج للاستثمار فى مصر نرجو ان تكلل بالنجاح الا اننا نرى ضرورة التعامل مع مشكلة الايدى المرتعشة فى الجهاز الحكومى والتى نشأت عن جو المحاكمات التى تلت الثورة خلال عامى 2011 و 2012،  كما ان مشكلات المستثمرين العرب وإدخالهم فى قضايا جنائية مازالت قائمة رغم المجهودات التى تتم لتسويتها.

وفى رأيى ان الأمر يحتاج الى تركيز كبير اكبر من الحكومة لحل هذه المشاكل حلا جذريا.  وقد يكون ذلك عن طريق إصدار  قانون لحماية متخذى القرارا فى الدولة من الملاحقة القضائية نتيجة لقرارات اتخذوها بحسن نية ما داموا لم يشوب قراراتهم رشوة او تربحا شخصيا، وفى الوقت نفسه ان تكثف الحكومة جهودها للتوصل إلى مصالحات مع المستثمرين خلال فترة زمنية محددة.

وتركز الحكومة حالياً على سياسة الأجور مع إعلان نيتها على تحديد حدا أدنى وحد أعلى للأجور بحيث يطبق الحد الأدنى على كل العاملين سواء كانوا بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص بينما يطبق الحد الأقصى على القطاع الحكومى والقطاع العام فقط. وبالرغم من أن هذا المقال يكتب قبل الإعلان عن المبالغ المقررة لهذين الحدين ففى رأيى أن التركيز على هذا الموضوع فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة بطالة طاحنة يستوجب التأنى فى دراسة آثار القرار. أنى أؤيد تحديد حد أدنى للأجور يكفل حياة كريمة العاملين إلا أن تأثير ذلك على أعداد فرص العمل المطروحة بالسوق يجب أن يدرس بدقة وكذلك ضرورة وضع طريقة للتعامل مع العمال المعينيين كمتدربين لفترات محددة حتى لا تتأثر برامج التدريب التى تقوم بها العديد من مؤسسات القطاع الخاص. أما بالنسبة للحد الأقصى فيمكن تصور تطبيقه على القطاع الحكومى أما تطبيقه على القطاع العام فهو فى رأيى سياسة خاطئة تماماً ستؤدى إلى هجرة الكفاءات الإدارية والهندسية من القطاع العام إلى القطاع الخاص بل وإلى هجرتها إلى الخارج، خاصة إلى دول الخليج، ومايلى ذلك من تأثير مدمر على شركات القطاع العام.

أما سياسة الدعم التى تتبع فى مصر منذ عقود طويلة  فلا أحد ينكر أنها سياسة كارثية أدت الى إهدار أموال لو وجهت للاستثمار خلال سنوات الخمس السابقة لاختفت مشكلة البطالة فى مصر. وهى سياسة أفادت الأغنياء قبل الفقراء ونتج عنها إدمان الجميع حالة من الاعتماد المخل على الدولة فى توفير كل شىء والاستهلاك غير المنضبط لموارد الدولة.  ورغم ان بعض بنود الدعم يمكن تبريرها، كدعم المواد الغذائية الرئيسية، فان اغلبها لا يمكن تبريره سواء لانه لا يذهب أساسا للطبقات الكادحة او لان المبالغ التى وصل إليها لا يمكن ان تتحملها الدولة لفترات إضافية قادمة. فدعم الطاقة مثلا سيبلغ فى العام المالى الحالى ما يزيد عاى 150 مليار جنيه.  ولنا ان نتصور ما يمكن ان يعود على الدولة لو انه تم توفير نصف هذا المبلغ وتوجيهه الى استثمارات توفر فرص جديـدة للعمل.

مشكلة الدعم اذن مشكلة عاجلة لا يمكن تأجيل التعامل معها وتتطلب حنكة سياسية فى اقناع الجمهور بضرورة التعامل معها.  فماذا فعلت الحكومة الحالية فى هذا الصدد؟  لا شك ان هناك دراسات تجرى للتعامل مع هذا الموضوع ولكن من الواضح ان الحكومة لا تريد فى الوقت الحالى ان تضع الدعم فى صدر قائمة أولوياتها  نظرا لحساسيته خاصة وان البلاد تمر بفترة حرجة سوف تتضمن استفتاء على الدستور و انتخابات برلمانية ورئاسية. واخشى ما أخشاه ان تطول تلك الفترة وان يستمر تأجيل التعامل مع هذا الموضوع وبالتالى يستمر إهدار أموال طائلة يمكن ان توجه الى قطاعات مهمة كالتعليم والصحة والاستثمار.  وفى رأيى انه يمكن من الآن طرح الموضوع لمناقشات مجتمعية  يتم فيها بيان مدها يخسره الاقتصاد ومدى فساد منظومة الدعم ودعوة الخبراء والسياسيين للادلاء بدورهم فى كيفية التعامل معه ومحاولة الوصول الى توافق  مجتمعى على حلول يمكن تطبيقها بعد التمهيد لها.

فإذا انتقلنا الى مشاكل التعليم والصحة فلا يمكن إنكار أن التعامل مع هذين الموضوعين ووضع خطط لتطويرهما وتحديد كيفية تمويل تلك الخطط هو أمر يحتاج الى وقت أطول كثيرا من شهرين هما عمر الحكومة الحالية.  لكن هناك بوادرتيين أن جهودا تبذل فى هذا الاتجاه وأن الوزراء المسئولين عن هذين القطاعين لديهما الكفاءة والمصداقية التى تعطينا بعضا من الاطمئنان. ولكن الأمر يحتاج إلى إعداد مذكرات وافية توضح هذه الخطط،  متى تم الانتهاء منها، وعرضها لمناقشات مجتمعية.

ولا يفوتنا التنويه بما يحدث الآن للتعامل مع قطاع الصناعة التى عانت بشدة خلال السنتين الماضيتين.  فقد بدأت الحكومة فى وضع وتنفيذ خطط طموحة للتعامل مع المصانع المتعثرة والتدخل بقوة لحل مشاكلها.  كما أنها وضعت سياسة عامة لتوجيه الصناعة Industrial Policy وتحفيز الصناعات عالية التقنية وتلك كثيفة العمالة.  كما أصدرت تعديلات على قانون المزايدات (رقم 89 ) تكفل حرية الحركة لشركات القطاع العام وتعاملت بسرعة وحسم مع مشكلة الأراضى اللازمة للشركات الصناعية.  وينطبق الرأى على أداء وزارة السياحة التى تقوم بمجهودات نشطة فى إعادة وضع مصر على خارطة السياحة العالمية بعد أن أدت الأحداث الأخيرة الى انخفاض أعداد السياح الى مستويات منخفضة للغاية.

فإذا انتقلنا إلى السؤال الثالث عن مدى تواصل الوزارة مع جماهير الشعب سواء النخبة أو الجماهير العريضة فإننا يجب أن نعترف أن هناك قصوراً واضحاً. فرغم اقتناعى أن أداء الحكومة، رغم قصر مدة توليها الحكم، هو جيد بل ممتاز فى بعض نواحيه (السياسة الاقتصادية العامة ) فإنها فشلت فى إيصال رسالة واضحة عن سياساتها وخططها إلى الجمهور.

فالأمر يحتاج ليس فقط لبيانات وأرقام بل يجب أن يتخطى إلى بيان التأثير المتوقع لتلك الخطط على النمو الاقتصادى ودخل الفرد ومكافحة البطالة ورفع مستوى التعليم والصحة. إن رسم صورة للمستقبل الذى نتوقعه وطريقنا للوصول إليه ومراحل هذا الطريق هو ما سيترجم الخطط والأرقام إلى شىء محسوس يمكن للجمهور أن يفهمه ويتفاعل معه ومن ثم يؤيده ويزيد من فرص نجاحه. وقد يكون من المناسب أن يكون هناك متحدثاً اقتصاديا باسم الحكومة تكون لديه المعرفة بتلك الخطط والموهبة على شرحها. ولعل ما يقوم به كل من مستشار رئيس الجمهورية (د.مصطفى حجازى) والمتحدث باسم القوات المسلحة (العميد / احمد على ) يمثل نموذجاً يحتذى فى هذا المجال. وفى الوقت نفسه فإن التواصل مع الجهات البحثية والأكاديمية والجمعيات المهنية عن طريق ندوات يحضرها الوزراء المختصون هو أمر ضرورى ليس فقط لبيان وشرح خطط الحكومة ولكن لتلقى تعليقات ومقترحات يمكن أن يكون لها تأثير إيجابـى. إنى أعرف أن ذلك سيزيد من أعباء الحكومة، التى لا يمكن إنكار أنها تحمل عبئاً كبيراً، ولكنه أمر ضرورى إذا كنا نبغى أن يتفاعل معها الشعب وأن تكلل جهودها بالنجاح.

وأخيرا إذا أردنا نلخص الرأى فى أداء الحكومة فأننى متفائل ولكنه تفاؤلا حذرا. فالحكومة تسير فى اتجاه عام سليم وتبذل جهدا مميزا فى التخطيط ومتابعة التنفيذ، ولكنها تحتاج، برغم الجو السياسى المتوتر، ان تكون أكثر جرأة فى التعامل مع عدد من المشكلات الأساسية. ولن يكون لديها القدرة على ذلك إذا لم تكن أكثر انفتاحا على الجمهور ليصبح أكثر وعيا بما تفعله وما تخططه وبالتالى يصبح أكثر تفهما لقراراتها.

حكومة الببلاوى.. الأداء والأمل
 بدايتها كانت فى فترة صعبة مليئة بالتوتر السياسى والتدهور الأمنى وانقسام الآراء
   اختارت بالتعاون مع البنك المركزى تطبيق ما يمكن تسميته بالنموذج الماليزى فى التعامل مع الأزمة المالية  
   تحسن وضع الجنيه وانخفاض أسعار الفائدة واتجاه مؤشر التضخم
 الى الانخفاض
  أعادت أجهزة الدولة للعمل بعد أن شهدت أغلبها حالة من الفوضى والانهيار بسبب الإطاحة بالقيادات ذات الخبرة
  تسير فى اتجاه عام سليم
.. وتحتاج إلى مزيد من الجرأة
   حزمة تحفيز الاقتصاد بحوالى 22 مليار جنيه يتم إنفاقها خلال العام المالى الحالى
أهم المشكلات المعوقة للاقتصاد
 تزايد أعداد العاطلين عن العمل.. الزيادة الرهيبة فى مخصصات الدعم «خاصة الطاقة».. تدهور التعليم والخدمات الصحية.. انخفاض معدلات الاستثمار.. الشلل الذى اعترى مراكز اتخاذ القرار داخل البيروقراطية المصرية فى الآونة الأخيرة
تتعرض حكومة د.ببلاوى حاليا الى ما يمكن أن نطلق عليه مناوشات فى أجهزة الأعلام، سواء المكتوبة أو المرئية، بخصوص أدائها فى المجال الاقتصادى، فمن قائل ان الحكومة لم تفعل شيئا أو أنها متباطئة أو أنها لم تستطع أن تنفذ قرارات جريئة تثبت أنها حكومة قوية قادرة على أن  تقود البلاد نحو نهضة تخرجنا من الوضع المتردى للاقتصاد. وحتى يمكننا ان نناقش تلك الآراء فقد يكون مناسبا إن نحاول الرد على ثلاثة أسئلة.
الاول هو: هل هناك سياسة اقتصادية عامة على المستوى الاعلى (MACRO ) تنتهجها الحكومة؟ وما هى هذه السياسة؟ وهل بدأت تظهر اية نتائج لها؟  
اما السؤال الثانى: فهو هل هناك خطة تنفيذية للتعامل مع المشكلات الرئيسية التى تواجهه الاقتصاد؟ وهل بدأ تنفيذ هذه الخطة؟  
اما السؤال الثالث: فهو هل نجحت الحكومة فى إفهام الجمهور ملامح خططها على المستويين العام والتنفيذى؟ وهل أشركت المجتمع فى وضع هذه الخطط؟
أعتقد ان الإجابة على تلك الموضوعات الثلاثة يمكن ان تمثل مؤشرا يمكن من خلاله ان نحكم على أداء الحكومة. على أننا قبل إن نشرع فى ذلك فيجب ان نتذكر ان الحكومة الحالية لم يمر سوى شهرين على توليها مقاليد الحكم وانها بدأت عهدها فى فترة من أصعب الفترات التى مرت بها البلاد فى تاريخها الطويل تتسم بالتوتر السياسى الشديد وتدهور الأمن وانقسام الآراء و كل ذلك يعيق بدون شك قدرة  الحكومة على الحركة.
فاذا انتقلنا الى السؤال الاول عن السياسة العامة للحكومة فاننى أدعى ان الحكومة، بالتعاون مع البنك المركزى، بدأت فى تطبيق ما يمكن ان نسميه النموذج الماليزى فى التعامل مع الأزمة المالية والتى لجأت إليه حكومة مهاتير محمد  فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى ونجحت بواسطته فى التعامل مع تداعيات الأزمة المالية التى عصفت باقتصاديات دول جنوب شرق آسيا.  وتتلخص هذه السياسة فى وضع قيود على التحويلات الرأسمالية وتثبيت سعر العملة وتخفيض سعر الفائدة وإتباع سياسة مالية توسعية. ويلاحظ اى مراقب ان حكومة د.ببلاوى تطبق هذه السياسة بحذافيرها وقد بدأت تباشيرها  فعلا فى تحسن وضع الجنيه المصرى وانخفاض أسعار الفائدة، واتجاه مؤشر التضخم الى الانخفاض، بالإضافة الى حزمة التحفيز الاقتصادى الذى أعلنته والبالغ حوالى 22 مليار جنيه يتم إنفاقها على مشروعات بنية تحتية كثيفة  العمالة خلال العام المالى الحالى.
إن تلك الخطة لابد ان ينتج عنها تسارع فى معدلات النمو كما انها تتعامل مع أهم مشكلة تواجه الاقتصاد وهى تزايد البطالة خاصة بين الشباب والتى تهدد بخلخلة النظام الاجتماعى بأكمله.  ومن ناحية اخرى فأن تخفيض أسعار الفائدة سيكون له تأثير مباشر على خفض تكاليف خدمة الدين القومى وبالتالى تخفيض عجز الموازنة وعلى اتجاه البنوك لتمويل القطاع الخاص.
إذن فإن الإجابة على السؤال الاول توضح ان الحكومة لديها سياسة اقتصادية وأنها سياسة سبق تجربتها بنجاح وان المؤشرات توضح ان تطبيقها فى مصر يسير فى الاتجاه الصحيح.  إلا اننى أرى أن المبلغ المخصص لحزمة التحفيز الاقتصادى قد تكون غير كافية حيث انها تبلغ حوالى 5.1% من الدخل القومى بينما تجارب الدول الأخرى فى هذا الصدد تبين ان هذة النسبة بلغت من 3% - 5%.  ويمكن ان نفهم ان الحكومة اكتفت بهذا القدر خوفا من تأثير ذلك على عجز الموازنة وما يتبع ذلك من زيادة فى التضخم.  وفى رأيى ان ذلك الخوف لا مبرر له حيث ان حجم الطلب العام فى الاقتصاد قد تأثر سلبا بشدة نتيجة لتزايد البطالة  مما يقلل من تأثير عجز ا لموازنة على التضخم.
اما السؤال الثانى عن خطط الحكومة فى التعامل مع المشكلات الرئيسية التى تعوق الاقتصاد فمن المفيد ان نحدد أهم هذه المشكلات وهى فى رأيى: تزايد أعداد العاطلين عن العمل، الزيادة الرهيبة فى مخصصات الدعم (خاصة الطاقة)، تدهور التعليم والخدمات الصحية، انخفاض معدلات الاستثمار، وأخيرا وليس آخرا الشلل الذى أعترى مراكز اتخاذ القرار داخل البيروقراطية المصرية فى الآونة الأخيرة.
وبالطبع فإن هذه المشكلات من الصعب ان نتوقع حلها خلال فترة قصيرة ولكننا نستطيع تقييم ما إذا كانت الحكومة قد بدأت التعامل معها ومدى جدية هذا التعامل علما بأن عددا من هذه المشاكل متشابكة وان التعامل معها لابد وان يتم كمجموعة واحدة.
وقبل أن نناقش هذه المشكلات فيجب ان نشير إلى الأداء التنفيذى للحكومة خلال فترة الشهرين الأخيرين قد استطاع ان يعيد أجهزة الدولة للعمل بعد أن شهدت أغلبها حالة من الفوضى بل الانهيار استمرت شهورا نتيجة للإطاحة بالعديد من القيادات ذات الخبرة وإحلال مجموعات لا ميزة لها إلا اتجاهاتها السياسية المرتبطة بالنظام السابق مع خلوها من المهارات السياسية اللازمة لتسيير العمل. ولم يكن نجاح الحكومة فى ذلك بالأمر السهل بل إنه استنزف الكثير من الجهد والمثابرة التى كان يمكن أن توجه لعمليات التخطيط والبناء للمستقبل.
بالنسبة لمشكلة البطالة فان التعامل معها فى الأمد القصير قد بدأ من خلال حزمة التحفيز الاقتصادى التى يتوقع ان تؤدى لخلق حوالى 100 الف فرصة عمل إضافية. اما فى المدى الطويل فأن التعامل معها يتطلب زيادة حجم الاستثمارات لإنشاء مشروعات توفر فرص عمل ليس فقط لأعداد الشباب التى تدخل سوق العمل ولكن لاستيعاب الأعداد الكبيرة المتعطلة عن العمل حاليا.  وهنا يواجهنا القصور الكبير فى حجم الاستثمار الذى انخفض بشدة منذ بدء ثورة 25 يناير 2011، وعجز الجهاز الحكومى على التعامل بكفاءة مع المستثمرين، إضافة الى وجود العديد من المشاكل مع العديد من المستثمرين الذين فوجئوا فى الفترة الأخيرة بتحويلهم إلى المحاكم بتهم متعددة أغلبها لا اساس لها.
ولا ننكر ان الحكومة تقوم بمجهودات كبيرة للترويج للاستثمار فى مصر نرجو ان تكلل بالنجاح الا اننا نرى ضرورة التعامل مع مشكلة الايدى المرتعشة فى الجهاز الحكومى والتى نشأت عن جو المحاكمات التى تلت الثورة خلال عامى 2011 و 2012،  كما ان مشكلات المستثمرين العرب وإدخالهم فى قضايا جنائية مازالت قائمة رغم المجهودات التى تتم لتسويتها.
وفى رأيى ان الأمر يحتاج الى تركيز كبير اكبر من الحكومة لحل هذه المشاكل حلا جذريا.  وقد يكون ذلك عن طريق إصدار  قانون لحماية متخذى القرارا فى الدولة من الملاحقة القضائية نتيجة لقرارات اتخذوها بحسن نية ما داموا لم يشوب قراراتهم رشوة او تربحا شخصيا، وفى الوقت نفسه ان تكثف الحكومة جهودها للتوصل إلى مصالحات مع المستثمرين خلال فترة زمنية محددة.
وتركز الحكومة حالياً على سياسة الأجور مع إعلان نيتها على تحديد حدا أدنى وحد أعلى للأجور بحيث يطبق الحد الأدنى على كل العاملين سواء كانوا بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص بينما يطبق الحد الأقصى على القطاع الحكومى والقطاع العام فقط. وبالرغم من أن هذا المقال يكتب قبل الإعلان عن المبالغ المقررة لهذين الحدين ففى رأيى أن التركيز على هذا الموضوع فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة بطالة طاحنة يستوجب التأنى فى دراسة آثار القرار. أنى أؤيد تحديد حد أدنى للأجور يكفل حياة كريمة العاملين إلا أن تأثير ذلك على أعداد فرص العمل المطروحة بالسوق يجب أن يدرس بدقة وكذلك ضرورة وضع طريقة للتعامل مع العمال المعينيين كمتدربين لفترات محددة حتى لا تتأثر برامج التدريب التى تقوم بها العديد من مؤسسات القطاع الخاص. أما بالنسبة للحد الأقصى فيمكن تصور تطبيقه على القطاع الحكومى أما تطبيقه على القطاع العام فهو فى رأيى سياسة خاطئة تماماً ستؤدى إلى هجرة الكفاءات الإدارية والهندسية من القطاع العام إلى القطاع الخاص بل وإلى هجرتها إلى الخارج، خاصة إلى دول الخليج، ومايلى ذلك من تأثير مدمر على شركات القطاع العام.
أما سياسة الدعم التى تتبع فى مصر منذ عقود طويلة  فلا أحد ينكر أنها سياسة كارثية أدت الى إهدار أموال لو وجهت للاستثمار خلال سنوات الخمس السابقة لاختفت مشكلة البطالة فى مصر. وهى سياسة أفادت الأغنياء قبل الفقراء ونتج عنها إدمان الجميع حالة من الاعتماد المخل على الدولة فى توفير كل شىء والاستهلاك غير المنضبط لموارد الدولة.  ورغم ان بعض بنود الدعم يمكن تبريرها، كدعم المواد الغذائية الرئيسية، فان اغلبها لا يمكن تبريره سواء لانه لا يذهب أساسا للطبقات الكادحة او لان المبالغ التى وصل إليها لا يمكن ان تتحملها الدولة لفترات إضافية قادمة. فدعم الطاقة مثلا سيبلغ فى العام المالى الحالى ما يزيد عاى 150 مليار جنيه.  ولنا ان نتصور ما يمكن ان يعود على الدولة لو انه تم توفير نصف هذا المبلغ وتوجيهه الى استثمارات توفر فرص جديـدة للعمل.
مشكلة الدعم اذن مشكلة عاجلة لا يمكن تأجيل التعامل معها وتتطلب حنكة سياسية فى اقناع الجمهور بضرورة التعامل معها.  فماذا فعلت الحكومة الحالية فى هذا الصدد؟  لا شك ان هناك دراسات تجرى للتعامل مع هذا الموضوع ولكن من الواضح ان الحكومة لا تريد فى الوقت الحالى ان تضع الدعم فى صدر قائمة أولوياتها  نظرا لحساسيته خاصة وان البلاد تمر بفترة حرجة سوف تتضمن استفتاء على الدستور و انتخابات برلمانية ورئاسية. واخشى ما أخشاه ان تطول تلك الفترة وان يستمر تأجيل التعامل مع هذا الموضوع وبالتالى يستمر إهدار أموال طائلة يمكن ان توجه الى قطاعات مهمة كالتعليم والصحة والاستثمار.  وفى رأيى انه يمكن من الآن طرح الموضوع لمناقشات مجتمعية  يتم فيها بيان مدها يخسره الاقتصاد ومدى فساد منظومة الدعم ودعوة الخبراء والسياسيين للادلاء بدورهم فى كيفية التعامل معه ومحاولة الوصول الى توافق  مجتمعى على حلول يمكن تطبيقها بعد التمهيد لها.
فإذا انتقلنا الى مشاكل التعليم والصحة فلا يمكن إنكار أن التعامل مع هذين الموضوعين ووضع خطط لتطويرهما وتحديد كيفية تمويل تلك الخطط هو أمر يحتاج الى وقت أطول كثيرا من شهرين هما عمر الحكومة الحالية.  لكن هناك بوادرتيين أن جهودا تبذل فى هذا الاتجاه وأن الوزراء المسئولين عن هذين القطاعين لديهما الكفاءة والمصداقية التى تعطينا بعضا من الاطمئنان. ولكن الأمر يحتاج إلى إعداد مذكرات وافية توضح هذه الخطط،  متى تم الانتهاء منها، وعرضها لمناقشات مجتمعية.
ولا يفوتنا التنويه بما يحدث الآن للتعامل مع قطاع الصناعة التى عانت بشدة خلال السنتين الماضيتين.  فقد بدأت الحكومة فى وضع وتنفيذ خطط طموحة للتعامل مع المصانع المتعثرة والتدخل بقوة لحل مشاكلها.  كما أنها وضعت سياسة عامة لتوجيه الصناعة Industrial Policy وتحفيز الصناعات عالية التقنية وتلك كثيفة العمالة.  كما أصدرت تعديلات على قانون المزايدات (رقم 89 ) تكفل حرية الحركة لشركات القطاع العام وتعاملت بسرعة وحسم مع مشكلة الأراضى اللازمة للشركات الصناعية.  وينطبق الرأى على أداء وزارة السياحة التى تقوم بمجهودات نشطة فى إعادة وضع مصر على خارطة السياحة العالمية بعد أن أدت الأحداث الأخيرة الى انخفاض أعداد السياح الى مستويات منخفضة للغاية.
فإذا انتقلنا إلى السؤال الثالث عن مدى تواصل الوزارة مع جماهير الشعب سواء النخبة أو الجماهير العريضة فإننا يجب أن نعترف أن هناك قصوراً واضحاً. فرغم اقتناعى أن أداء الحكومة، رغم قصر مدة توليها الحكم، هو جيد بل ممتاز فى بعض نواحيه (السياسة الاقتصادية العامة ) فإنها فشلت فى إيصال رسالة واضحة عن سياساتها وخططها إلى الجمهور.
فالأمر يحتاج ليس فقط لبيانات وأرقام بل يجب أن يتخطى إلى بيان التأثير المتوقع لتلك الخطط على النمو الاقتصادى ودخل الفرد ومكافحة البطالة ورفع مستوى التعليم والصحة. إن رسم صورة للمستقبل الذى نتوقعه وطريقنا للوصول إليه ومراحل هذا الطريق هو ما سيترجم الخطط والأرقام إلى شىء محسوس يمكن للجمهور أن يفهمه ويتفاعل معه ومن ثم يؤيده ويزيد من فرص نجاحه. وقد يكون من المناسب أن يكون هناك متحدثاً اقتصاديا باسم الحكومة تكون لديه المعرفة بتلك الخطط والموهبة على شرحها. ولعل ما يقوم به كل من مستشار رئيس الجمهورية (د.مصطفى حجازى) والمتحدث باسم القوات المسلحة (العميد / احمد على ) يمثل نموذجاً يحتذى فى هذا المجال. وفى الوقت نفسه فإن التواصل مع الجهات البحثية والأكاديمية والجمعيات المهنية عن طريق ندوات يحضرها الوزراء المختصون هو أمر ضرورى ليس فقط لبيان وشرح خطط الحكومة ولكن لتلقى تعليقات ومقترحات يمكن أن يكون لها تأثير إيجابـى. إنى أعرف أن ذلك سيزيد من أعباء الحكومة، التى لا يمكن إنكار أنها تحمل عبئاً كبيراً، ولكنه أمر ضرورى إذا كنا نبغى أن يتفاعل معها الشعب وأن تكلل جهودها بالنجاح.
وأخيرا إذا أردنا نلخص الرأى فى أداء الحكومة فأننى متفائل ولكنه تفاؤلا حذرا. فالحكومة تسير فى اتجاه عام سليم وتبذل جهدا مميزا فى التخطيط ومتابعة التنفيذ، ولكنها تحتاج، برغم الجو السياسى المتوتر، ان تكون أكثر جرأة فى التعامل مع عدد من المشكلات الأساسية. ولن يكون لديها القدرة على ذلك إذا لم تكن أكثر انفتاحا على الجمهور ليصبح أكثر وعيا بما تفعله وما تخططه وبالتالى يصبح أكثر تفهما لقراراتها.

محمد تيمور رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية
التعليقات