الماضى الحاضر - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الماضى الحاضر

نشر فى : الأحد 22 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 22 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

أغنية حماسية لعبدالحليم حافظ تنطلق من الراديو وسط أبواق السيارات وضجيج الباعة، وكأنها صوت صديق قديم ينادى: «ثورتنا المصرية، أهدافها الحرية وعدالة اجتماعية ونزاهة ووطنية. (...)، جيوشنا نسلحها لحماية الحرية، لا لكتلة شرقية، ولا كتلة غربية»... ما أشبه الليل بالبارحة، والحاضر بالماضى... الحلم مستمر ولم يتحقق بعد... فى الخمسينيات كان هناك 2.6 مليون مالك يستحوذون على 2.1 مليون فدان، فى مقابل 159.722 يمتلكون 3.6 مليون فدان، أى 94% من مجموع الملاك لديهم 35% من الأراضى الزراعية، والنسبة المتبقية وهى 65% بين يدى 6% فقط من كبار الملاك. وحاليا يوجد نسبة لا تتعدى 1% من المجتمع المصرى كونوا ثروات فى آخر عشرين سنة تفوق قيمتها 50 مليار دولار، بحسب الخبراء، أى أن حجم هذه الثروات يتعدى الاحتياطى النقدى للدولة المصرية ويساوى تقريبا حجم ديون مصر بالعملة الأجنبية، وذلك دون ضرائب دخل تتناسب مع الكسب.

●●●

كذلك فى شهر أغسطس الماضى، تم القبض على مرشد جماعة الإخوان، محمد بديع، بأمر من النائب العام. وفى العام 1954 حكم على المرشد الثانى للجماعة، حسن الهضيبى، بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعد حادث اغتيال المنشية. ودخل الآلاف من أعضاء الجماعة السجن، بل وتم إعدام سيد قطب فى أغسطس 1966، وخلال تلك الفترة ظهر ناصر فى خطابه الذى نتداول حاليا مقطعا شهيرا منه على اليوتيوب، وهو يهاجم الإخوان المسلمين قائلا «كانوا عايزين يلبسونا طرح!»، فى إطار حديثه عن محاولات الحوار التى دارت بينه وبين الجماعة قبل عام.. وكأن الحرب دائرة من وقتها بين فريقين، حتى وصلنا إلى رامى إمام وهو يغنى أهداف عبدالحليم نفسها تقريبا على الجيتار، ثم العديد من السيدات والفتيات يتصدرن المشهد ويوقعن على استمارات تمرد، وكأنهن تلبسن روح هدى شعراوى وهى تخلع الحجاب سنة 1925 على رصيف محطة القطار بالإسكندرية. حتى فكرة التفويض واستمارات «تمرد» استلهمها الشباب من نموذج ثورة 1919،  عندما فوض الشعب زعيم الوفد ــ سعد زغلول ــ فى قضية الحرية والاستقلال.

●●●

الطيارات الحربية وهى تجوب سماء القاهرة، لها وقع يتباين بين الشعور بالحماية والخوف فى آن... لم نألفها قريبة هكذا منذ سنوات، لكن ها هى تحلق فوقنا، والمتظاهرون يرفعون أحيانا صور قائد الجيش عبدالفتاح السيسى، وأحيانا كثيرة بورتريهات جمال عبدالناصر، الذى نحتفل خلال أيام بذكرى وفاته فى 28 سبتمبر 1970. انتهت فترة الستينيات بوفاته، وعادت أم كلثوم من إحدى حفلاتها بروسيا لتغنى له «رسالة إلى الزعيم» من أشعار نزار قبانى وموسيقى رياض السنباطى. وكان هذا الأخير قد لحن لها قبل أربع سنوات قصيدة «الأطلال» لإبراهيم ناجى، أى قبل النكسة بعام واحد... ولم نعد ندرى هل كان الناس يتفاعلون مع آلام وذكريات الحب الضائع الذى شدت به أم كلثوم أو مع دراما الحرب والهزيمة وضياع سيناء والجولان والقدس. كان الجمهور يصفق فى جميع أنحاء العالم، خاصة على مسرح الأوليمبياد بباريس بعد النكسة، حين تصدح: «أعطنى حريتى أطلق يديا... اننى أعطيت ما استبقيت شيئا. آه من قيدك أدمى معصمى... فلم أبقيه وما أبقى عليا»... حلم الحرية مستمر من قبلها ومن بعدها، ولكن لايزال يوجد بيننا من يهوى الشهادة والموت أقصى أمانيه.

●●●

فى مقدمة أغنية لعبدالحليم حافظ نستمع لصوت ناصر «النهارده بعد عشر سنوات من الثورة أقدر أقول إنه هذا الجيل جاء فى موعده...»، عن أى جيل نتحدث؟، والأبناء يكررون غالبا أخطاء الآباء والأجداد ومن سبقوهم، فالجروح والصدمات تتوارثها الأجيال دون أن تدرى، وتؤثر بالتالى على مستقبلها، كما يقول المتخصصون فى علم نفس الأنساب والسلالات (Psychogenealogy)، فهم يؤكدون أن الأشياء والأحداث العضال التى تمر بالأفراد وتظل تتناقلها أجيال العائلة الواحدة أو الشعب الواحد، تجعلهم يعيشون سيناريوهات متشابهة فى بعض الأوقات أو يتخذون القرارات نفسها. وما لا نستطيع التعبير عنه بالكلمات يتحول إلى أوجاع، تصبح ضمن المسكوت عنه فى الجيل الأول، ثم تتحول إلى «سر عائلى» مع الجيل الثانى، أما الجيل الثالث فيجد نفسه يتصرف هكذا، فى نسق معين، دون أن يعرف السبب، لكن فى الواقع هو يتصرف وفق تاريخ عائلى مدفون فى اللاوعى أو فى العقل الجمعى للشعوب، وهو ما قد يفسر مثلا موقف بعض دول أوروبا من اليهود وإسرائيل... نحن نتوارث الصراعات التى لم تحسمها الأيام، تظهر وتختفى كالأشباح. وإذا لم نفتش عن أماكن العطب فى ذاكرتنا الوراثية سيظل الماضى موجودا بشدة وأشباحه تطاردنا.

التعليقات