ما يشبه غضبًا - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما يشبه غضبًا

نشر فى : الجمعة 23 يونيو 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 23 يونيو 2017 - 10:10 م
هاتفت صديقًا منذ بضعة أيام أسأله نصحًا ومشورة فى شأن من شئون العمل، استهللنا المكالمة بعبارات قصيرة متبادلة تتقفى الصحة والأحوال، ثم حاد بنا الكلام بعد أقل من دقيقة عن مقصده، وتطرق بنا إلى نقاش حول «الغضب».
قال إن صوتى يحمل غضبًا كامنًا، وجادلته محاولة أن أدفع عن نفسى التهمة؛ لست غاضبة.. أبدا، أنا هادئة مستريحة النفس والدليل أننى رفعت المحمول وطلبت الرقم وحوارنا يسير على خير ولا أثر فيه لشىء مختلف عما اعتدنا. أصر على ما استشعر من حديثى ومن نبرة الصوت الخشنة التى فرضت نفسها علي، ومع إصراره بدأت أدرك تدريجيا أن صدرى ضيق وأنفاسى سريعة وثقيلة فى آن، وأن ألم الرأس الذى لم يزاولنى منذ أيام، ربما هو ذاك الصداع الناتج عن فرط التوتر الذى يصفه الأطباء؛ حيث تتقلص عضلات الصدغ ويصيبها التشنج ويمتد، وتضغط الرأس بعنف وتورث صاحبها وجعا سخيفا لا يطاق.
تراجعت قليلا عن محاولاتى الدفاعية، وفكرت إن كان ما بى هو حقا شىء من الغضب.
***
الغضب شعور إنسانى أصيل، لا يوجد شخص واحد على وجه الأرض لم يجربه ويختبره مرارا وتكرارا، بعضه صحى وضرورى وبعضه مرضى يستوجب التروى والتقييم وربما المعالجة.
يكون الغضب صحيا حين يأتى فى موضعه فيدفع الناس إلى فعل، وإلى ثورة ضد ظلم وضيم، وإلى انتزاع حق أو رد إهانة ومذلة. دون وجود الغضب مكونا رئيسا من مكونات نفوس البشر، ما تعدل مسار ولا قوم اعوجاج ولا تحرر عبيد ولا استقلت أمم، وما ثار أناس لكرامتهم وكبريائهم وانتفضوا.
***
الغضب طاقة هائلة تخرج فى أشكال عدة؛ علو الصوت، إشارات الذراعين، لمعة العينين وعبوس الوجه وجهامته وتقطيبة الحاجبين. قد تتبدى أيضا فى سلوك أكثر عنفا وأمضى تأثيرا فى محيط الغاضب؛ كثير من الناس ما إن غضبوا تناولوا أقرب جماد إلى أيديهم فقذفوا به وهشموه تهشيما. البعض يضرب بقبضته الحائط أو يصفع بكفه مائدة أو مكتب أو أى سطح يطاله. كثيرون أيضا يسبون ويطلقون اللعنات فى الهواء وأحيانا يبصقون على الأرض. آخرون يوجهون لغة الغضب؛ جسدية وبلاغية على السواء، إلى هدف حى فيصبح الإيذاء أشد وأعظم.
لم أجد فى نفسى ميلا لانتهاج أى مما ذكرت. كان غضبى مكتوما داكنا، تكفنه مشاعر قهر وهوان. غضب يأبى الخروج؛ يرعى فى الأحشاء ويتفرع ويمد أشواكه هنا وهناك. غضب راكد كثيف لا يعبر عن وجوده فى شكل تقليدي؛ غضب لا يشبه الغضب.
***
فى فيلم جاك نيكلسون وآدم ساندلر Anger mangement أو ما ترجم إلى العربية تحت عنوان «إدارة الغضب»، شخص غاضب دوما، حانق على الأشياء كلها، لا يتقدم خطوة ولا يفلح فى إنجاز هدف. غاضب بلا سبب واضح يدعو إلى الغضب. بمرور الأحداث تتكشف الأسباب ويصبح التعامل مع المسألة ممكنا. فكرت لثانيتين لا أكثر فى أسباب غضبى ووجدتنى أضع قائمة تضم عشرات الدوافع والأسباب. بدت القائمة عامرة ومحتوياتها كثيرة ومتباينة، مع ذلك كان منبعها واحدا ظاهرا.
تذكرت وأنا أراجع القائمة، الحارس الواقف بباب النادى، أعرفه ويعرفنى ولا أمر به دون أن نتبادل كلمات المودة. استقبل تحيتى قبل أيام قليلة بقوله: «كل سنة وأنتم طيبين والله أيام سودة الواحد مش عارف يروح م البلد دى فين». هكذا دون مقدمات ولا إرهاصات، أعلن عن غضبه الكامن فى وجهى ثم سكت، ومثله فعلت امرأة تبيع الخضار فى إحدى أسواق مصر الجديدة. باغتتنى حين علقت على أعواد الجرجير والبقدونس الذابلة وقالت: «كل حاجة دبلانه كله زى بعضه.. اللى بيبيع أرضه يبقى باع نفسه».
***
الغلالة التى تكبلنا ستتبدد بطبيعة الحال، والغضب المكتوم سيجد طريقه للجهر والعلن آجلا أو عاجلا.

 

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات