«إعدام الأسرى الفلسطينيين».. لماذا الآن؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأحد 23 نوفمبر 2025 10:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

«إعدام الأسرى الفلسطينيين».. لماذا الآن؟

نشر فى : الأحد 23 نوفمبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الأحد 23 نوفمبر 2025 - 7:30 م

فى شبه صمت عربى مطبق مرّت القراءة الأولى لمشروع قانون «إعدام الأسرى الفلسطينيين» فى الكنيست الإسرائيلى. لا احتجاجات مسموعة ولا اعتراضات مؤثرة.

لم تكن هذه المرة هى الأولى التى يصوّت فيها الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين، فقد طُرح المشروع نفسه مرات عديدة سابقة مع إدخال تعديلات عليه فى كل مرة دون أن تمضى الإجراءات إلى آخرها، لفداحة التشريع وخشية ردّات الفعل عليه فى المجتمع الدولى.

الإلحاح على استصداره مرة بعد أخرى لافت بذاته. الظروف السياسية هذه المرة أكثر تعقيدًا، لكنه قد يُصدّق عليه فى نهاية المطاف.

بأى قياس سياسى وإنسانى وقانونى، فإنه تطور خطير يهدد حياة آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، بالمخالفة لأى قواعد عدالة يعرفها العالم.

حسب مشروع القانون، فإن القضاة مُجبرون على الحكم بإعدام «كل فلسطينى متهم بقتل إسرائيلى يهودى بسبب هويته». بافتراض العكس، فلا تهمة ولا إعدام! كان ذلك داعيًا إلى وصف مشروع القانون بـ«العنصرية».

ثم كان النص على طريقة الإعدام بالحقن السامة تحت إشراف طبى داعيًا إلى اعتراض ممثل نقابة الأطباء، الذى جرى طرده من اجتماع بالكنيست. لم يكن اعتراضه على مبدأ الإعدام، بل على إقحام الأطباء فى الشراكة بجريمة القتل.

تضاربت المواقف فى الدولة العبرية بين وصف مشروع القانون بأنه «أخلاقى بصورة غير مسبوقة»، وبين إدانات حقوقية متواترة قالت إنه يضع إسرائيل فى أزمة جديدة مع المجتمع الدولى.

لم يكن الوزير المتطرف «إيتمار بن غفير» وحده؛ فأحزاب الائتلاف الحكومى، وعلى رأسها كتلة الليكود برئاسة رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، وقفت فى الصف نفسه.

كان لافتًا الربط بين إقرار القانون والانتخابات المقبلة. تعهدت الحكومة بالانتهاء منه قبل الاستحقاق الانتخابى، كأنه شهادة لصالح سياساتها وأشخاصها.

ما يهم «نتنياهو» قبل أى شىء آخر هو مستقبله السياسى، مدعومًا من اليمين المتطرف قبل أى انتخابات قد تجرى مبكرًا.

الصخب إسرائيلى.. والصمت عربى

أخطر ما فى مشروع القانون أنه يضع آلاف الأسرى والمعتقلين بعد أحداث السابع من أكتوبر (2023) فى نطاق الإعدام المحتمل خلال تسعين يومًا من الحكم عليهم. أوضاع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية مروّعة إلى حدود غير متصوّرة: تعذيب منهجى بكل الطرق والوسائل، وحرمان من الحد الأدنى للغذاء.

ما حدث فى معسكر «سدية تيمان» أبشع من أن يُكتب على ورق، حيث انتهكت أجساد وحُرمات، بُثت فى مقاطع فيديو نشرتها القناة (12) الإسرائيلية.

إعدام الأسرى ربما يكون أقل وطأة مما يتعرضون له دون غضب عربى، أو شبه غضب، ودون احتجاج، أو شبه احتجاج.

يستلفت الانتباه فى تصويت الكنيست هذه المرة، كما فى مرات سابقة، غياب كتل المعارضة الإسرائيلية الرئيسية. لم تكن تلك مصادفة. إنه فعل مقصود لإنفاذ هذا القانون العنصرى المشين دون تحمّل مسئوليته. تُركت المهمة لـ«بن غفير»، كأنه قانونه الشخصى، فيما هو يدمغ الدولة العبرية كلها بأسوأ الأوصاف أمام المجتمع الدولى والضمير الإنسانى.

«أنت رجل له سجل حافل فى سفك الدماء الإسرائيلية واليهودية يا وزير الدغدغة والبقلاوة!» هكذا خاطب أحد أعضاء الكنيست الغاضبين «بن غفير» فى نقاشات ساخنة داخل لجنة الأمن القومى، قاصدًا أنه يعمل على دغدغة مشاعر اليمين المتطرف، وأخذ صورة «من يدافع عنهم» بغض النظر عن أى اعتبار أو قيمة إنسانية.

إننا أمام حالة محمومة لرغبة الانتقام من الفلسطينيين كلهم، مقاومين ومدنيين على السواء، بذريعة أحداث السابع من أكتوبر، التى أفضت إلى انكشاف إسرائيلى عسكريًا واستخباراتيًا كما لم يحدث من قبل.

فى حسابات وتعقيدات اللحظة الحالية، تبدو إسرائيل أمام انكشاف من نوع آخر، أمام نفسها هذه المرة. بتعبير «أفيغادور ليبرمان»، وزير الدفاع الأسبق والمعارض الحالى، الذى تبنّى مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين فى نسخة عام (2018)، فإن هناك تغييرًا جوهريًا فى الشرق الأوسط، «لكنه ليس فى صالحنا».

الاستنتاج نفسه يعكس عمق المأزق الإسرائيلى الحالى. هناك فعلًا حسابات وترتيبات أمريكية جديدة فى الشرق الأوسط، لكنها تصب فى صالح إسرائيل وليست ضدها.

لقد فشلت حكومة «نتنياهو» فى حسم الحروب المفتوحة، وغاب عنها أى أفق سياسى لليوم التالى. هذا ما يذهب إليه «ليبرمان»، لكنه يغفل أن خطة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» استهدفت إنقاذ إسرائيل من نفسها، حتى لا تُفرض عليها العزلة الدولية بسبب وحشية حربى الإبادة والتجويع فى غزة.

وفق خطة «ترامب»، فُرضت وصاية أمريكية على القرار الإسرائيلى، ولكن لصالحها لا ضدها.

التصعيد فى ملف الأسرى ربما يستهدف هذه المرة نوعًا من المناورة مع الإدارة الأمريكية، حتى يكون ممكنًا الاستجابة لكامل تصوراتها لمهام القوات الدولية المزمع تشكيلها وفق قرار مجلس الأمن الدولى، لتتولى بالقوة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وليس «حماس» وحدها.

«إن لم يحدث ذلك فسوف تتولى إسرائيل القيام بالمهمة»، على ما قال «نتنياهو» محذرًا ومهددًا، رغم أنه فشل فى إنجازها على مدى عامين كاملين.

التحديات تفرض نفسها على العرب جميعًا، وليس الفلسطينيين وحدهم.