عن أن فى الموضوعية نجاتنا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن أن فى الموضوعية نجاتنا

نشر فى : الثلاثاء 24 مارس 2015 - 10:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 مارس 2015 - 10:25 ص

من يختزلون القضايا المصيرية فى حسابات سياسية متهافتة أو فى صراعات مصالح ضيقة أو فى قراءة غير موضوعية مسكونة بهواجس القرب أو البعد عن منظومة الحكم/ السلطة، يتورطون فى خطيئة كبرى تتناقض جذريا مع صالح المواطن والمجتمع والدولة فى مصر.

وقضية المياه، بعناصرها الأساسية المتمثلة فى ضمان حقوق مصر فى مياه النيل وإدارة علاقات الجوار مع دول حوض النيل على نحو يحافظ على أمننا المائى وبعناصرها ذات الأهمية الحالية المرتبطة بسد النهضة الإثيوبى وباتفاقية المبادئ الثلاثية بشأنه بين مصر والسودان وإثيوبيا وبمنع تسبب السد فى الإضرار بحقوق مصر أو السودان وبمواصلة التفاوض بين الدول الثلاث حول التفاصيل الفنية للسد لتجاوز منع الضرر باتجاه تعظيم الفوائد المشتركة فى مجالات توليد الطاقة الكهربائية والاقتصاد الزراعى، هى قضية مصيرية بامتياز.

إلى اليوم، لم تتعامل الدوائر الرسمية فى مصر مع الرأى العام بشفافية إن فيما خص جوهر اتفاقية المبادئ الثلاثية أو فيما خص الموقف الرسمى من بعض القضايا الخلافية والتفاصيل الفنية لسد النهضة كالسعة التخزينية ومن طبيعة التنسيق السودانى الإثيوبى وحدود مراعاة الدولتين للحقوق المصرية.

هنا، تصبح مسئولية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ومجموعات الكتاب والشخصيات العامة المعنية بقضية المياه أن تطالب الحكومة بموضوعية باحترام حق المواطن فى المعرفة وبالتزام واجب الشفافية وتداول المعلومات، ومن ثم بإخبار الرأى العام بجوهر ما تم الاتفاق عليه والقضايا والتفاصيل التى حسمت بين مصر والسودان وإثيوبيا وتلك التى مازالت خلافية.

غير أن المعلوم للرأى العام فى مصر بشأن التوجه الرسمى للتفاوض وللحوار مع إثيوبيا، والتأكيد على احترامنا للحقوق وللتطلعات التنموية للشعب الإثيوبى التى يجسدها سد النهضة، والامتناع الكامل عن التهديد بمعالجة صراعية أو عسكرية للخلاف بشأن التفاصيل الفنية للسد، والتركيز على بناء التوافق بيننا وبينهم وبالتنسيق مع السودان وبعض دول حوض النيل الأخرى وبعض الأطراف الإقليمية والدولية (كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والصين والمؤسسات المالية الدولية) دون تنازل عن حقوقنا فى مياه النيل؛ جميعها مكونات تعامل رشيد وإدارة رسمية نشطة لأزمة سد النهضة تذهب فى الاتجاه الصحيح لضمان الأمن المائى، ومن ثم تصب فى صالح المواطن والمجتمع والدولة فى مصر شأنها فى ذلك شأن ما رشح أيضا للرأى العام من اعتماد مكثف للدوائر الرسمية على الكثير من الخبرات الفنية والقانونية (فى مجال القانون الدولى العام) لصياغة الموقف من الاتفاقية الثلاثية ومن قضايا وتفاصيل سد النهضة.

وهنا، تصبح مسئولية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ومجموعات الكتاب والشخصيات العامة المعنية بقضية المياه دعم التوجه الرسمى والامتناع التام إن عن اختزاله فى حسابات سياسية متهافتة وصراعات مصالح ضيقة أو إخضاعه لثنائية تأييد فى مقابل معارضة منظومة الحكم/ السلطة، ومن ثم تجاهل طبيعة قضية المياة المصيرية وارتباطها العضوى بالصالح العام للمواطن وللمجتمع وللدولة.

هنا أيضا، يصبح من مكونات الفعل المسئول والرشيد للأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ومجموعات الكتاب والشخصيات العامة الابتعاد عن تشويه المطالبة الموضوعية والضرورية للدوائر الرسمية بالتعامل بشفافية مع الرأى العام فيما خص جوهر الاتفاقية الثلاثية وقضايا وتفاصيل سد النهضة، ما أن توظف هذه المطالبة الموضوعية للاعلان عن مواقف متعجلة رافضة للاتفاقية دون معلومات محددة ودون بدائل سياسية مقترحة. بل إن فى مثل هذا الفعل المسئول والرشيد، وعلى نحو لاحق لالتزامه بالصالح العام لمصر، حماية لمصداقية القوى الوطنية المعارضة لمنظومة الحكم/ السلطة من أن تقصر وجودها وهويتها ودورها على الشريك المخالف ــ ودون أن يعنى ذلك أبدا التنازل عن مواصلة الدفاع عن الحقوق والحريات واستعادة مسار تحول ديمقراطى ومسار عدالة انتقالية وإحياء السياسة أو الكف عن المطالبة بالمزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات القانونية والتنموية والمجتمعية لمواجهة الإرهاب وبالمزج بين تشجيع الاستثمارات الخليجية والعالمية وبين تبنى سياسة اقتصادية ذات بعد تنموى واجتماعى يخلص مصر من التخلف والفقر والبطالة والفجوات الواسعة فى الدخول ويحصنها ضد التطرف والعنف.

فى الموضوعية نجاتنا!

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات