مكاسب وخسائر التكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 7 ديسمبر 2024 10:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكاسب وخسائر التكنولوجيا

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2022 - 8:05 م

الآن ونحن على مشارف انتهاء العام 2022 بكل أحداثه الجيد منها والمؤلم أحببت أن أشارك القارئ الكريم بعض الأفكار المتعلقة بتأثير التكنولوجيا علينا كبشر سواء بالسلب أو الإيجاب وكيف نتصرف حيال ذلك. الهدف الأسمى للتكنولوجيا هو تحسين حياة الناس سواء بتقديم خدمات معتادة بطريقة أفضل أو خدمات جديدة، هذه الخدمات قد تكون طبية أو تعليمية أو ترفيهية إلخ. لكن لا شىء مجانا فى هذه الدنيا، فكما نستفيد من التكنولوجيا فإننا أيضا نتضرر منها. هذا الضرر قد يأتى نتيجة عدة أسباب، مثلا الأدوية الطبية (وهى شكل من أشكال التكنولوجيا فى النهاية) لها آثار جانبية، سبب آخر هو الإسراف فى استخدام تكنولوجيا ما حتى ينقلب نفعها لضرر مثل الإكثار من الألعاب الالكترونية (تكنولوجيا تهدف للترفيه) حتى تصبح إدمانا وتدمر حياتنا العملية والأسرية، سبب آخر وهو أن تكنولوجيا ما مضرة فى الأصل لكنها تتنكر فى شكل تكنولوجيا نافعة بفعل خبراء التسويق مثل جميع أجهزة التدخين الالكترونية أو غيرها أو بعض الألعاب الترفيهية. لاحظ أننا نتكلم عن الآثار السلبية الجانبية للتكنولوجيا وليس الاستخدام السيئ لها، الطاقة النووية مثلا قد تستخدم فى توليد الطاقة وقد تستخدم فى صنع الأسلحة النووية، هذا استخدام سيئ وليس أثرا جانبيا. لكن ما هى الأضرار المحتملة للتكنولوجيا فى مقابل مكاسبها؟ طبعا هناك جانب اقتصادى قد يكون سلبيا مثل اختفاء بعض الوظائف التى تحل محلها التكنولوجيا، لكننا ناقشنا تلك النقطة فى مقالات سابقة فلن نعيده هنا.
إذا أخذنا وسائل التواصل الاجتماعى وهى نتيجة تضافر عدة تكنولوجيات مثل الاتصالات والحاسبات فائقة السرعة والذكاء الاصطناعى سنجد أن لها فوائد جمة مثل تسهيل الاتصالات وتبادل الآراء بين الناس، لكنها فى نفس الوقت تعطى انطباعا زائفا بالإنجاز وقد تصيب البعض بالاكتئاب نتيجة المقارنة مع الغير وقد تسوق للأخبار الكاذبة والشائعات ناهيك عن انتهاك الخصوصية فى بعض الأحيان والمساهمة فى الانطواء وقلة التفاعل الاجتماعى فى العالم الحقيقى وليس الافتراضى.
الهواتف الذكية هى أيضا نتاج الكثير من التكنولوجيات ولها فوائد جمة لدرجة أن الناس أصبحت تدير حياتها عن طريقه، لكن وجودها معنا على مدى الساعة خاصة عند النوم والضوء الأزرق القادم من شاشتها يؤدى إلى اضطراب فى النوم، طبعا مناقشة فوائد وأضرار الهواتف الذكية كُتبت فيها مجلدات ونكتفى هنا بهذا المثال.
ألعاب الكمبيوتر كما أنها وسيلة ترفيه وتعليم فى بعض الأحيان فإنها بالإضافة إلى الإدمان تؤدى بالأشخاص إلى قلة التركيز والحركة دون التفكير لأنك فى أغلب تلك الألعاب تحاول ضرب خصمك قبل أن يضربك، طبعا ناهيك عن زيادة المشاعر العدوانية لأن أغلب تلك الألعاب ما هى إلا حروب ومطاردات وقتل ودماء.
هناك أمثلة لا تعد ولا تحصى عن الآثار الجانبية للتكنولوجيا، ماذا نستطيع أن نفعل حيال ذلك؟ الأمر يحتاج تفكيرا عميقا لكن ما يأتى إلى الذهن من اللحظة الأولى شيئان: أولا يجب الإكثار من برامج التوعية للآثار السلبية للتكنولوجيات المستخدمة بكثرة، وهذه البرامج يجب أن تكون بطرق مبتكرة وليست بطريقة النصح المباشر الذى لا يقبله الجيل الجديد، ثانيا يجب أن يصحب تلك التكنولوجيات تحذير صغير من الآثار الجانبية مثل التحذير على علب السجائر وإن كنت أعتقد أن الشركات الكبرى تهتم أكثر بالربح عن هذه الممارسات التى قد تقلل من عدد المستخدمين أو مدى استخدامهم للخدمة. هذا من ناحية مستخدمى التكنولوجيا، هناك أيضا مهام يجب أن يقوم بها العلماء وأقصد هنا علماء النفس والاجتماع. يجب أن يدرس هؤلاء العلماء تأثير كل أنواع التكنولوجيا على حياتنا سواء بالسلب أو الإيجاب، مثلا مع وجود محركات البحث مثل جوجل انتفت الحاجة للحفظ، فهل هذا شىء جيد أم لا؟ مع وجود مواقع مثل تويتر وفيسبوك حيث يقرأ الناس ويكتبون مقاطع قصيرة فإن التركيز يقل والقدرة على قراءة مقاطع طويلة أو مقالات طويلة أو كتب تقل، فكيف نتغلب على ذلك؟ هذه أمثلة على الكثير من الأمور التى يجب أن يبحثها العلماء.
هناك علماء يبحثون فى كيفية جعل التكنولوجيا سهلة الاستخدام، هذا مهم، لكن الآثار السلبية للتكنولوجية مهم أيضا، فهل نطلق على ذلك علم نفس واجتماع التكنولوجيا؟ يمكن أن يكون ذلك مشروع بحثى يتعاون فيه علماء النفس والاجتماع والمهندسون وعلماء الحاسبات والمعلومات وعلماء المستقبليات. نحن فى عصر تتكامل فيه العلوم وتكثر الأبحاث متعددة التخصصات والأبحاث فى التخصصات البينية، فهل نحن مستعدون؟ أم نريد فقط نشر الأبحاث لغرض الترقية؟

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات