صقيع السويد ودفء الديمقراطية - أنيسة عصام حسونة - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صقيع السويد ودفء الديمقراطية

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 3:08 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 3:08 م

 استقبلتني السويد، التي سافرت إليها لحضور أحد الاجتماعات، بصقيع يليق بسمعة برودتها القارصة فى الشتاء مكتسية بحلة من البياض الناصع على امتداد البصر، حيث عقد الاجتماع فى منتجع صغيرعلى ضفاف بحيرة متجمدة ، مما جعلنى أستبشر خيرا بقضاء ليلة هادئة لن أسمع فى صباحها سوى أصوات الطيور ، إذا لم تكن قد تجمدت هى الأخرى ، وأصبح جل همى تجنب الاستغراق فى النوم خلال اجتماع الصباح التالى فى ظل هذا الصقيع المحيط ونار المدفأة التى توحى بالهدوء الذى يتسق مع طباع أهل الشمال..

وفى الصباح تحول الاجتماع ،المفترض هدوئه بالنظر الى محدودية عدد المشاركين، الى لقاء تميز بالمناقشات الساخنة والمداخلات المليئة بالحيوية، وبمرور الوقت نجح "دفء الديمقراطية" فى صرف أذهاننا عن الصقيع المحيط بنا من كل جانب.

فاتنى إخباركم أن الدعوة الموجهه من "معهد الديمقراطية والدعم الانتخابي" هى جزء من مشاورات عالمية حول رؤية المجتمع المدنى والمنظمات الاقليمية لدور الاتحاد الأوربى فى مجال بناء الديمقراطية ، وهدف اللقاء الى استطلاع رأينا فى كيفية تطوير هذا الدور سعيا نحو عالم يتمتع بالسلام والتنمية .

وعند هذة النقطة من الحديث سأتوقف عن الاسترسال فى عرض مناقشات اللقاء الساخنة لأشارككم التساؤل :إذا كانت السويد، فى ظل رئاستها المرتقبة للاتحاد الأوربى، تدعونا لتستطلع رؤيتنا حول سياسات المستقبل فلماذا لا نتلقى هذة الدعوة من بلادنا ؟ لماذا لا تدعو الجهات المنوط بها وضع السياسات الداعمة للممارسة الديمقراطية مؤسسات المجتمع المدنى لاستطلاع رأيها حول مدى النجاح فى تحقيق هذا الهدف وما هو السبيل لتحسين الأداء الديمقراطى ؟

لمعرفة السبب وتحديد المسئولية دعونا نلقى نظرة سريعة على المشهد السياسى فى المحروسة لنجد أن الحزب الحاكم قد انفرد لعقود طويلة بوضع قواعد اللعبة واحتكر الممارسة السياسية مقصيا الاخرين عن الساحة ومهدرا بذلك فرصة ذهبية لفتح صفحة جديدة فى العمل السياسى بسبب حسابات انتخابيه قصيرة النظر.

وعلى الجانب الاخر، لا يمكننا بحال إخلاء طرف أحزاب المعارضة من المسئولية، فبالرغم من تأثرها سلبا بالقيود المفروضة على ممارستها للنشاط السياسي فإنها ما زالت مدانة بالفشل في الوصول إلى جماهير الشارع المصري وإقناعها بما تتبناه من برامج..

وليزداد الوضع احباطا فقد تم التضييق على القوى اللليبراليه من مختلف التيارات لتترك الساحة خاليه في الشارع المصري وبين أجياله الجديدة للحركات القائمة على استخدام مرجعيات وشعارات دينيه تمس وجدان المصريين بحكم تكوينهم الثقافي، واعتمدت هذه الحركات المتمثلة أساسا في "الإخوان المسلمين"على نشاط جماهيري مكثف وبالتالى نجحت ،بالرغم من اعتبارها "محظورة" في نظر القانون، فى فرض شرعيه على مستوى الممارسة الفعلية انعكست فيما أحرزته من نتائج فى الانتخابات البرلمانية السابقة !

ولتكتمل تفاصيل المشهد يجب تحميل مثقفوا هذا الوطن بنصيبهم من المسئولية حيث يناط بهم وضع خريطة الوصول إلى المستقبل ولا يمكنهم القيام بذلك دون الاستعداد للمخاطرة ببعض ما يتمتعون به من امتيازات ماديه أو معنويه قد يتم التضحيه بها ثمنا لموقف أو لرأى، ومع ادراكنا لتفاصيل هذا المشهد يتهرب بعضنا من المسئولية منبريا لانتقاد الأجيال الجديدة وممارساتها سواء فيما يتعلق بعدم الاهتمام بالمشاركة أو في اللجوء للعنف عند إبداء الرأي، فهل علمناهم غير ذلك؟ هل قدمنا لهم نماذجا لاحترام الآراء المخالفة دون تسفيه أو احتقار؟ هل صكت آذانهم تعبيرات غير العمالة أو الجهل لوصف المخالفين فى الرأى !!

ثم نغالي في العنترية واستعراض الوطنيه فنتهم الشباب بعدم الانتماء، الانتماء لمن يا سادة! لوطن لا يستمع لي ولا يشركني في صنع مستقبله ! وأرجوكم هنا دعونا لا نزايد على بعضنا البعض في المسلمات وحب الوطن "الذي لا ننتظر منه مقابل" فكلنا دون أدنى شك ذلك الرجل، أو تلك المرأة، ولكن يظل السؤال هنا هو :لماذا يحصل البعض على مردود مادى أو معنوي لحب الوطن والانتماء له بينما لا يسعد الحظ البعض الاخر بذلك ؟

وعليه فاذا لم نكن جميعا ننتوى الهجرة الى دول الشمال بصفتنا "خبراء فى إبداء الرأي" فيجدر بنا الاستمرار فى الضغط على حكومتنا الموقرة وحزبها الحاكم لأخذ رأينا فى الاعتبار حتى وان لم يتفقوا معه وليجعلوا لهم اسوة حسنة فى الامام الشافعى الذى قال "ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطىء ، فرأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب" ، فلتعتبرنا الحكومة أصحاب الرأى الخطأ المحتمل صوابه وتأخذ رأينا وأمرها لله قبل أن نقبل عقود الاحتراف الخارجية أسوة بلاعبى الكرة.

أنيسة عصام حسونة  كاتبة وباحثة سياسية
التعليقات