لموسكو مع الحب - خولة مطر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لموسكو مع الحب

نشر فى : الأحد 25 فبراير 2018 - 10:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 فبراير 2018 - 11:57 ص

يفتح الباب الزجاجى وتلسعنى موجة البرد القادمة من خارج مبنى المطار والشمس قد"تغازل الغيوم او تختبئ في ظلها"  .. بعدت بضع دقائق يخيل لى أنهم قد تأخروا فى الطريق والوقت يجرى وهذه المرة الأولى فى هذه المدينة التى انتظرت زيارتها لسنين وسنين..

***

تنطلق عربة التاكسى غير مسرعة.. ألصق وجهى بزجاج النافذة وأنا أحملق فى المناظر السريعة كأننى طفلة فى مدينة للألعاب.. الثلوج تغطى الشجر فيما تبقى من ثلج كان قد سقط.. كلما تقدمنا أنتظر بصبر أن نصل إلى وسط المدينة وأبحث عن شىء يشبه ما قرأت فى تلك الروايات الكلاسيكية من الأدب الروسى.. لا أستطيع إلا أن أتذكر بعض من وصف مشاهد البؤس فى «الحرب والسلام».. أو الأخوة كارامازوف.. تقترب المبانى أو تكثر فيما يبدو أننا اقتربنا من وسط المدينة.. تتكاثر الأسئلة ولكنها لا تجد من مجيب فسائق التاكسى كما الكثيرون فى هذه المدينة لا يتحدثون اللغة الإنجليزية.. لم أفكر فى الاستعانة بصديقى «جوجل» كما أخبرنى ذلك الصديق لاحقا..
***
فجأة أحس أن دقات قلبى تتسارع فهذه الساحة الحمراء والكرملين كما هى صورهم فى الكتب والمجلات والذاكرة.. ما إن أحملق بحثا عن بعض العلامات لأستدل على أسماء المبانى وأعرف المواقع ووو، حتى تأخذنى العربة فى الاتجاه الآخر.. شارع واسع أتخيل خيول وعربات القيصر فى موسم الاحتفالات.. فهكذا شارع لم يخلق لتمشى عليه نفس تلك العربات التى يركبها كل سكان الأرض.. تتراقص الصور وتفتح المخيلة أبوابها على مصراعيها.. تتداعى صور لم أراها ولكنى ربما قرأتها أو سمعتها من بعض من كانوا أو عاشوا هنا..

***

إنها المدينة الأولى التى تتسع فيها الأرصفة لتسرق بعض من مساحات الشارع الرئيسى، عرفت بعدها أن هذا إنجاز لمحافظ المدينة الذى يعمل على تقليص عدد السيارات ويحث الجميع على استخدام وسائل المواصلات العامة أو تلك الوسيلة الأقدم ألا وهى القدمين!!!!

***

عندما فسر لى صديقى القديم سبب اتساع الأرصفة وشرح مفصلا وما لبثت أن أعجبت بالفكرة ولكننى لم أتمالك أن اسأل ألم يكن السبب هو أن هذه المدينة تستحق المشاهدة ببطئ وعلى مهل جدا، بل هى مدينة تستحق أن يتأمل المرء تفاصيلها، يقف عند واجهة المبانى، مبنى مبنى ويراجع تفاصيل النوافذ والمداخل والتحف الفنية..

***

لم انتظر طويلا لأنهال على مسئول خدمة النزلاء بالأسئلة حول مواعيد المتاحف والأماكن العامة ومسرح البولشوى والمسارح.. كانت الأسئلة كالمطر وهو ككل هذا الشعب الجميل، يجيب بكثير من اللطف واللباقة وفى لحظة لم يستطع إلا أن يطلب أن أمهله بضع لحظات.. لمفاجأته جررت الكرسى وتسمرت فوقه منتظر الإجابات على تلك الأسئلة الملحة.. كأننى فى مسابقة مع الزمن فالأيام معدودة وقائمة الأماكن التى أتمنى زيارتها طويلة طويلة.. وكأنه أو كأننى تذكرنا معا بأننى لست فى زيارة سياحية ولذلك فعلى أن أكون أكثر واقعية فى طموحاتى لأن المؤتمر يقضى على اليوم بأكمله..

***

فى أقل من نصف ساعة كانت بعض البرامج قد جهزت وجريت إلى الشارع مرة أخرى فى تسابق مع الليل أو هكذا هيئ لى غير مدركة أن هذه مدينة تمنحك الليل بمذاق آخر وهى لا تسكن فى الليل ولا تستكين حتى وإن كانت درجة الحرارة 5 أو 6 أو 16 تحت الصفر!!! ليل موسكو لوحة فنية أخرى تضاف إلى جمال مبانيها العريقة... تسأل البعض هل هذه بقايا زينة أعياد الميلاد فكان الرد بوضوح من ذاك الصديق ورده القاطع «هذه الأنوار تضاء طوال العام وليس لها ارتباط بأعياد خاصة...»

***

تسابق قدميك الريح وعقلك يعطى الإشارات المرددة «تمهلى» فالأرض قد كساها الثلج وإمكانية السقوط أسهل وأسرع مما يتصوره المرء.. الأنوار مرة أخرى والتماثيل الشامخه وموسيقى خفيفة فى خلفية المشهد جأت لتكمل هذه اللوحة من الجمال..

جمال لا يضاهيه سوى عشق هذا الشعب للموسيقى والفن والأوبرا والقراءة، كأن الفن جزء مكمل للغذاء والهواء والماء.. يملك الروسى كمية من الاعتداد بنفسه وبوطنه وبأدبه وموسيقاه وهو الذى احتفى بهم جميعا وهو الذى ظل لسنين يتشرب الثقافة كوجبة يومية فى المدارس والحدائق العامة والمكتبات والمسارح..

***

تبدو المدينة متحف كبير وفى كل زاوية شىء يستحق المشاهدة حتى محطات المترو هى شكل من أشكال المتاحف والمطاعم تبدو وكأنها جزء من تراكمات لتراث وحضارة بعمق التاريخ..
فى هذه المدينة يصطف الناس طوابير أمام مسرح البولشوى أو حتى لمشاهدة ضريح لينين.. ويأتى كبار المحاربين فى صباحات الأيام الباردة يوزعون الورود على قبور الزعماء السابقين من ستالين إلى لينين وما بعدهم..

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات