كم من جرائم تُرتكب باسم الإسلام - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كم من جرائم تُرتكب باسم الإسلام

نشر فى : الخميس 25 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 25 أبريل 2013 - 8:00 ص

إبَّان الثورة الفرنسية انتشرت أصداء مقولة «أيتها الحرية، أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك». اليوم، فى بلاد العرب والمسلمين، نحتاج إلى صرخة مماثلة «أيها الإسلام، أيها الإسلام كم من الجرائم ترتكب باسمك».

 

ماعاد يحقُ لأمَّتى العروبة والإسلام غضَّ الطرف عن الجرائم، وليس فقط الأخطاء والحماقات والبلادات كما يحلو للبعض أن يصنّفها، التى تجتاح الكرة الأرضية تقريبا يوميا باسم الإسلام، تحت راية تدَّعى زورا بأنها راية الجهادية الإسلامية. إنها جرائم مجنونة عبثية، فيها الغدر واللؤم، ومن المؤكد ترتكب تحت وقع رقصات الشيطان، عدوَّ الله وعدوِّ الإنسانية. إنها أحداث مرعبة تجرَّ فى أذيالها تشويها لسمعة ومكانة الإسلام والمسلمين وتزويرا فاضحا لمعانى ومقاصد كلمات قرآنية، من مثل كلمة الجهاد، تستلُّ من بين الآيات القرأنية الكريمة بتعسُف لتستعمل فى صراعات السياسة.

 

فهل من المقبول بأى مقياس، وعلى الأخص بمقاييس دين الإسلام الذى ساوى بين قتل نفس واحدة بدون حق وبين قتل الناس جميعا، أن يفجرّ إنسان نفسه أو يفجر سيارة مفخَّخة، باسم دين الحقّ والقسط والميزان، فى مسجد يركع فيه المصلّون، أو كنيسة يقوم فيها من آخاهم الإسلام كأهل كتاب، أو فى مدرسة ينتظم فيها أطفال أبرياء، أو فى صف يقف فيه أناس يطلبون الرِّزق لإعالة أولادهم وأزواجهم، أو فى حشد رياضى لا دخل لمريديه بصراعات السياسة والسياسيين؟ القائمة تطول عن موبقات إزهاق أرواح بريئة غافلة عن مخطَّطات شيطانية تدور فى عقول مريضة وينتهى إزهاقها إلى ملء كون الله بالدموع والحسرات والتيتُّم والترمّل وتدمير مشاعر القيم والأخلاق فى نفوس البشر.

 

●●●

 

لا، لايمكن السكوت عن هذا الاستعمال الظالم الجاهل لدين رب السماوات والأرض، رب الرحمة والمحبّة والعدل والغفران. إنه سكوت على من يقولون على الله الكذب، سواء بقصد أو بدون قصد، فيدفعون بشباب العرب والمسلمين ليخالفوا مقاصد دينهم الكبرى، ليمارسوا انتحارا همجيا لا يقرّه الله ولا يمكن أن تقبله أية شريعة سماوية وأرضية، ليهيّئوا العالم لاحتقار ونبذ المسلمين ليشجعوا ارتفاع الضجيج المستهزئ بقرآن المسلمين ونبيّهم وتاريخهم، بل أكثر من ذلك لتهميش العرب والمسلمين على قارعة طريق الحضارة الإنسانية.

 

ليس هذا مقالا لتفصيل ما يمكن فعله. إنه إدانة لطريقة تعامل الحكومات ومؤسسات المجتمع المدنى وبالأخص الأحزاب الإسلامية السياسية وعلماء الدين ومؤسسات القمم العربية والإسلامية.. إدانة لطرق تعامل الكل مع كل ما يجرى باسم الإسلام. ولقد شدّدنا على موضوع «الجهاد» الانتحارى لأنه الأكثر مأساة ووجعا لنا، نحن العرب والمسلمون. لكن البلاء لم يقتصر على ذلك بل طال الحياة المجتمعية فى بلاد العرب والمسلمين إلى حدود الفتن المذهبية الطائفية وتشكيك الناس فى روعة وطهارة دينهم الإسلامى وترك البعض لهذا الدين المبهر قرفا واشمئزازا من بعض ما يرتكب باسمه ظلما وعدوانا.

 

ما عادت القضية قضية صغيرة أو فرعية، لقد أصبحت قضية القضايا. ما عاد هناك حاجة لطرح أسئلة لماذا وكيف وإلى أين، فعندما تشتعل النار، وهى مشتعلة فى كثير من بلدان العرب والمسلمين وغير المسلمين، فإن الواجب ليس طرح الأسئلة وإنما العمل السريع لإطفائها.

 

ما عاد من حقّ بضع ألوف من شباب الإسلام التائهين المغرّر بهم وبعقولهم وببراءة ونقاء نيّاتهم أن يخسفوا الأرض من تحت أقدام بليون ونصف من المسلمين الذين يتساءلون يوميا، وهم يسمعون أخبار الفظائع التى ترتكب عن النّبأ العظيم الذى ستأتى به الأيام القادمة إذا استمرّ الوضع الذى نحن فيه والذى هم فيه مع الأسف يختلفون.

 

●●●

 

نحن نعلم أن بعص علماء الفقه الجامد المتزمّت المتخلف متورطون فى هذه المسرحية السوداء، لكننا نعول على أخيار علماء الدين الإسلامى وعقلائهم أن يكوّنوا تيارا واحدا، بصوت واحد، بمقارعة يومية فى المساجد وفوق كل منابر الإعلام، لمحاربة هذا الوباء «الجهادى» الذى يحصد أرواح الأبرياء المسالمين فى حين يغضُّ الطرف فى كثير من الأحيان عن مواجهة الأعداء الحقيقيين. من هنا تنعم الجبهة المقارعة للعدو الصهيونى وللإ مبريالية بسلام الاطمئنان والصّبر، بينما تحترق مجتمعات كثيرة، وعلى الأخص العراقية والسورية والأفغانية واليمنية والسودانية والباكستانية منها.

 

علماء الدين الإسلامى، الذين لا يملُّ بعضهم عن الحديث عن توافه وقشور وهوامش الحياة، مطالبون بأن يقودوا حراكا شاملا، دعويا وثقافيا وسياسيا وتجييشا جماهيريا، ولا نقول أمنيا باطشا عشوائيا، لنصرة دين الإسلام الذى يواجه الآن محنة تاريخية تحمل أخطارا هائلة. لكأنه لا يكفى هذا الدين الموحّد حرفه نحو الفتنة الحقيرة، فتنة التضاد العبثى السنّى ــ الشيعى، ليضاف إلى محنه وإحنه تدمير مجتمعات أتباعه ومواجهة العالم كلّه بصورة تراجيدية عبثية.

 

لنذكّر الجميع بعذاب يوم ليس ببعيد، يوم ينظرون ما قدّمت يداهم منذ كوارث أفغانستان «الجهادية» وإلى أمد يجب ألا يطول.

 

 

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات