لعنة التقسيم والتجنيس - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لعنة التقسيم والتجنيس

نشر فى : الأربعاء 26 أبريل 2023 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 أبريل 2023 - 7:50 م

لا تنتهى المفاجآت فى هذا الجزء من الوطن العربى حتى تعقبها مفاجأة جديدة فى ذاك الجزء الآخر. إنها لعنة التدمير الممنهج الذى لحق بالنظام الإقليمى العربى عبر العديد من العقود، إما من قبل نظام حكم عربى جاهل مجنون أو من قبل جهة تآمرية خارجية استعمارية أو صهيونية.
وها هى شبكات التواصل الاجتماعى تفاجئنا بأن ما حدث ويحدث فى السودان الشقيق ليس نتيجة أخطاء وخطايا داخلية تلاعبت بمسار وأهداف ثورة سودانية جماهيرية مبهرة فقط، وإنما هو أيضا نتيجة تخطيط استعمارى شيطانى خارجى لن يطال السودان فقط وإنما سيمتد ليشمل كل بقعة عربية. فهو أولا ليس إلا تكملة لأهداف ونتائج اتفاقية سايس ــ بيكو الإنجليزية الفرنسية الشهيرة فى سبيل تقسيم بلاد العرب إلى نتف ضعيفة مضطربة متخلفة تحتاج دوما إلى تدخلات الخارج الاستعمارى لتعيش مع حثالات ضعفها ولتسكر بخمرة كذبه ومؤامراته وصداقاته الوهمية.
وهو ثانيا ليس إلا تكملة لتفريغ الأرض العربية من سكانها، بتهجيرهم وقتلهم وترويعهم، كما حدث لسكان فلسطين العرب، أو بإدخال أجزائها فى صراعات دموية فيما بينها، أو فى صراعات داخلية تأكل الأخضر واليابس، كما نراه الآن حاصلا فى أجزاء كثيرة من أراضى اليباب العربية، أو بعملية تجنيس مشبوهة متعاظمة كما نراها فى العديد من بلدان الخليج العربى.
ما تؤكده الكثير من شبكات مصادر التواصل الاجتماعى وأسرار الاستخبارات المسربة هنا أو هناك هو أن الهدف مما يجرى فى السودان هو تحقق هذين الأمرين: تجنيس الملايين من الأفارقة الآخرين ليحلوا محل الملايين من السودانيين الذين يجب أن يهاجروا إلى جحيم المنافى بسبب الصراعات والحروب، وثانيا الاستمرار فى تقسيم السودان إلى نتف متباعدة متصارعة فقيرة مختلفة فى ثقافاتها وهوياتها وعروقها ودياناتها، وذلك كتتمة لانفصال الجنوب السودانى المأساوى العبثى الشهير. وهنا ستستعمل نفس الأساليب السابقة من تجييش للخونة إلى حملات إعلامية كاذبة، إلى تسليح هذه القبيلة أو تلك، إلى استعمال انتهازى للدين، إلى تدخلات وضغوط الخارج عندما يحين الوقت وتنضج الفاكهة الضحية.
لننظر إلى ما حدث فى سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وتونس، وإلى ما ينتظر حدوثه فى هذا القطر أو ذاك، لنرى نفس المشهد السودانى وهو يوجد تحت هذه اللافتة الكاذبة أو تلك، ولنرى نفس مسرحية إفقار الشعوب وإغناء الخونة المتعاونين واستباحة الأرض وما عليها، ولنشاهد نفس الابتسامات العاجزة المثيرة للشفقة وهى تملأ وجوه قادة الأحزاب والمجتمعات المدنية المتخاصمين المتفرقين الذين يلغّون من وحل الطائفية والقبلية والمناطقية والحزبية، بينما يقهقه إبليس وهو نائم قرير العين فى فراشه.
لكن المأساة الأكبر هى أن هناك بعضا من المثقفين والسياسيين ورجال الدين وأشكالا لا تحص من مؤسسات المجتمعات المدنية العربية لا يزالون يعتقدون، لسذاجة أو بلاهة أو خبث، أن بإمكان كل قطر عربى مبتلى الوقوف لوحده وبقدراته الذاتية فى وجه مصائبه والمفاجآت التى تتلاحق وتأتى بها الأقدار من جهة والتى تتفاعل وتمتزج مع القيح الحضارى العربى الذى يتدفق وينتشر فى أرض وسماء العرب من جهة أخرى.
هى لعنة حضارية بامتياز والتعامل معها كصدف أو حوادث مؤقتة وكسحابة صيف هى لعنة أكبر وأعظم. وسيكتشف الجميع أن تلك اللعنة ستبقى وتكبر ما لم يؤسس العرب نظاما متناسقا تضامنيا وحدويا، يشمل السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، وإلا فإن لعنات أخرى جديدة تنتظرنا.
ويبقى سؤال كبير: أين مؤسسة القمة العربية من كل هذا؟ ألا تستحق كل تلك المآسى الاجتماع والتباحث واتخاذ القرارات ومساعدة المحتاجين؟
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات