كمال حبيب ونقد الأيديولوجيات الفاتنة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كمال حبيب ونقد الأيديولوجيات الفاتنة

نشر فى : الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 6:55 م

فى أوائل التسعينيات عندما كنت طالبا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، شاهدت عدة مرات شخصا يأتى فى سيارة شرطة، مصحوبا بضابط. يصعد إلى الطابق الثانى من مبنى الكلية للقاء المشرف على رسالة الماجستير التى كان يقوم بإعدادها فى ذلك الحين. عرفت لاحقا أن الطالب هو كمال السعيد حبيب، والمشرف هو الأستاذ الدكتور على الدين هلال. كانت الزيارة فرصة لخروج الطالب من السجن، الذى كان يقضى عقوبة به لارتباطه بتنظيم الجهاد، وعلمت لاحقا أن المشرف كان ينفرد بطالبه بناء على طلبه، دون تدخل أو رقابة من الضابط الذى كان ينتظر خارج الغرفة، ولم تكن تفرض أى قيود على اللقاء. ويبدو أن عالم كمال حبيب فى كلية الاقتصاد شكل جانبا من أفكاره ومخيلته فى السبعينيات من صعود التيار الإسلامى، الذى غضت الدولة الطرف عنه فى مواجهة التيارات اليسارية والناصرية، وحواراته مع اساتذته رفعت المحجوب، ومنى أبو الفضل، وعلى الدين هلال.
وعقب خروجه من السجن، التقيت بالدكتور كمال حبيب مرات عديدة فى سياقات بحثية وصحفية، ورأيت فيه باحثا مدققا، وشخصا طيبا، وكاتبا صريحا يغلبه الحماس، وبعض الحدة أحيانا فى التعبير عن رأيه، لكنه يقبل الاختلاف، ويمارس النقد للحركات الإسلامية خاصة فيما يتعلق بالتشدد والعنف. وقد حزنت كثيرا لرحيل زوجته الفاضلة الكاتبة إيمان القدوسى فى عام 2021، التى كانت سندا له فى الحياة، وأهداها كتابه الأخير «الأيديولوجيات الفاتنة. سير كتابات المتشددين المحدثين»، واصفا رحيلها بأنه بمثابة انتزاع قطعة من وجوده وحياته وحبه.
هذا الكتاب صدر الشهر الماضى عن دار المعارف، التى يحسب لها نشر هذا العمل الأكاديمى المهم، وقد تطور أداء الدار فى السنوات الأخيرة، وصارت رقما مهما فى سوق النشر فى ظل رئيس مجلس إدارتها الأستاذ سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين. الكتاب مهم لأنه يرصد مقالات الإسلاميين المتشددين، التى ذاع صيتها، وصارت محل اقتباس وإحالة، ودافعا للتيارات المتشددة فى خياراتها الأيديولوجية أو الحركية العنيفة، ويقول د. كمال حبيب تعليقا على ذلك فى عبارة بديعة موجزة واصفا هذه التيارات بأنها «تجتهد فى مواجهة أمتها، ولا تجتهد لها، فتهدد استقرارها الدينى والثقافى ثم لا تلبث أن تهدد استقرارها الاجتماعى والسياسى، ثم تمضى فتهدد من بعد بقاءها ووجودها وهوياتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها».
الكتاب ممتع، ويحوى بين دفتيه نصوصا للمتشددين الإسلاميين، الذين وضعوا أسس ممارسة العنف والتكفير ورمى المجتمعات الإسلامية بالردة والجاهلية، التى اعتبرها الكاتب تحقيرا للأمة، ومارس نقدا شديدا لها، واستغرق فى حديث يجمع بين تجربته الشخصية والنصوص الأيديولوجية للحركات الإسلامية، مما يجعله يكتب عن معايشة، وخبرة، ورؤية بعيدة لمشروع لم يحقق مراميه، بل أتى على المجتمعات الإسلامية والعربية بما أضرها بين الأمم. وفى الكتاب كذلك اشتبك عدد من المثقفين والخبراء مع أطروحات الكاتب، منهم عبدالعظيم حماد، وفؤاد السعيد، وعمرو عبدالمنعم، وآخرون.
لم أقرأ كتابا مثيرا للتأمل مثل هذا الكتاب منذ فترة، امتلك فيه د. كمال حبيب شجاعة النقد، وتشريح المقولات المتشددة المؤسسة للعنف، وانتقد بقسوة أداء الحركات الإسلامية التى خصمت من رصيد أمتها، ولم تضف إليها شيئا. وبعد قراءة الكتاب تأكدت لدى فكرة أساسية راودتنى كثيرا أن الظاهرة الإسلامية لم تمتلك مفكرين لديهم أفكار نهضوية، وركزت أكثر على العضلات التنظيمية، ومزقت المجتمعات التى عاشت بها، وأساءت للإسلام ذاته. وقيمة هذا الكتاب أنه يمثل عملا أكاديميا مهما، ونقدا موضوعيا جادا، وليس مجرد اشتباك سياسى بين خصوم فى الحياة العامة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات