لسنا بحاجة لهذا القدر من العمل - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لسنا بحاجة لهذا القدر من العمل

نشر فى : الخميس 27 أغسطس 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 أغسطس 2015 - 9:00 ص

نشرت مجلة «ذا نيو يوركر» مقالا للكاتب «تيم وو»، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومدير مركز بولياك للتعديل الأول بكلية الصحافة بنفس الجامعة. يتحدث الكاتب فى المقال عن ساعات العمل الكثيرة والضغط الذى يواجهه الموظفون فى الآونة الأخيرة، موضحا أن الوضع الآن اختلف تماما عن ذى قبل، عندما كان مقدرا للفرد أن يعمل ثلاث ساعات يوميا، فالفرد الآن يعمل أكثر من طاقته دون أن تطلق صفارة الانتهاء من العمل أو من متاعبه. بدأ «وو» بالإشارة إلى مقال نشرته صحيفة «النيويورك تايمز» أخيرا على صفحتها الأولى حول ظروف العمال ذوى الياقات البيضاء فى الأمازون. حيث كشفت أن كثرة العمل الذى يشبه إطلاق النار المفاجئ أصبح شائعا بدرجة كبيرة، حيث يصرخ الرجال والنساء فى مكاتبهم، ويتعرض الناس للتوبيخ إذا لم يردوا على رسائل البريد الإلكترونى بعد منتصف الليل. وأوضح الموضوع مدى تغير الأمور بالنسبة للعاملين الأمريكيين. فقد كان من المسلم به فى الماضى أن الطبقات الأكثر ثراء تستمتع برغد الحياة على حساب البروليتاريا. أما الآن، فأصحاب المهارات هم أكثر من يمكنهم إيجاد ساعات عمل معقولة برواتب جيدة، وبالتالى فالأمريكى المحترف يكون عرضة أيضا للإهانة ويحركه العبء الذى يحمله.

فلم يكن أحد يتوقع أن تكون الأمور على هذا النحو. ومن المعروف أن كينز كان يتوقع أن يصبح يوم العمل ثلاث ساعات. وهنا أشار الكاتب لما نشرته مجلة الحياة فى عام 1964؛ حيث خصصت سلسلة من جزأين لما اعتبرته «تهديدا حقيقيا» يواجه المجتمع الأمريكى: وباء زيادة وقت الفراغ. وتحت عنوان «الفراغ الناجم عن الترفيه البالغ»، أكدت أن من نتائج التقدم التكنولوجى فى اقتصادهم أنهم على وشك أن يصبح أسبوع العمل 30 ساعة». وعليه فستكون المهمة المقبلة هى: «كيفية التعامل بسهولة مع الحياة».

ورأى «وو» أنه لمن الإنصاف القول بأن أزمة الفراغ التى كانت تلوح فى الأفق، اختفت بعد خمسين عاما. حيث تزداد ساعات أسبوع العمل فى أماكن مثل الشركات القانونية، والبنوك، وشركات التكنولوجيا الفائقة باطراد، إلى مستويات لا تطاق فى نظر كثير من الناس. ففى 2006، كانت نسبة العشرين فى المائة الأعلى دخلا من بين السكان يعملون أكثر من خمسين ساعة فى الأسبوع بما يزد نحو مرتين عن ساعات عمل العشرين فى المائة الأقل دخلا، وهو عكس ما كان يحدث تاريخيا.

ويكتنف السبب فى حدوث ذلك الغموض والتناقض، على حد سواء. فقد شهدت السنوات الخمسين الماضية زيادة كبيرة فى الطاقة الإنتاجية، واختراع العديد من الأجهزة الموفرة للعمالة، والدخول الجماعى للنساء فى قوة العمل الرسمية. فإذا افترضنا أن هناك كمية محددة من العمل اللازم لأداء وظيفة معينة، فكيف يمكن أن نكون أكثر إنتاجية، ولدينا المزيد من العمال، وفى نفس الوقت مازال العمل يتطلب ساعات أكثر. لابد أن هناك شيئا غير واضح.

•••

وانتقل «وو» ليشير إلى عدد من الحالات والأمثلة الخاصة بهذه القضية التى مثلت سحرا خاصا للاقتصاديين والكتاب، مثل بريجيد شولت، مراسلة صحيفة واشنطن بوست، التى قامت بإجراء تحقيق شخصى للمسألة. «وألقت باللوم إلى حد كبير على زوجها، الذى لم يكن يشارك على قدم المساواة فى عبء إدارة البيت». وإليزابيث كولبرت، التى كتبت أن الجميع يتفقون على أنه لا توجد إجابة واحدة بسيطة لهذه المسألة. فيعتقد البعض أن الأمريكيين يفضلون العمل على أوقات الفراغ. ووفقا لهذه النظرية، صارت أخلاقيات العمل القوية، وسام شرف لكل من لديه شهادة جامعية. فطالما كنت مشغولا، سوف تبدو مهما. وهناك أيضا يظهر الفخر بالتواجد فى مكان العمل. حيث تجد الحب والطعام المجانى، والذهاب إلى المؤتمرات كشكل من أشكال النزهة. ويعتقد آخرون أن الارتقاء فى العمل يتصل بطريقة أو بأخرى بعدم المساواة: لأن الناس فى أعلى سلم الدخل كلما كسبوا المزيد من المال، كلما زادت قيمتهم ساعة بعد أخرى. وهناك نظرية تقول إن الاحتياجات والرغبات تزيد كلما زاد استهلاكنا، وهو ما يسفر عن حاجة أكبر للعمل.

ويعتقد «وو» أن القاسم المشترك بين كل هذه التفسيرات، يتمثل فى ضرورة دراسة قرارات العاملين ودوافعهم. وهنا نجد أن هناك مسألة مفقودة تتمثل فيما إذا كان النظام الأمريكى، بحكم طبيعته، لا يتيح الكثير من أوقات الفراغ، حتى إذا كان هذا ما يريده الناس فعلا، وحتى إذا كان لديهم الوسائل لتحقيق ذلك. فبعبارة أخرى، قد لا تكون تلك الساعات الطويلة نتاج ما نريده حقا وقد لا تكون حتى ظلما للعمال قد تقترفه الطبقة الحاكمة، وفقا للنظرية الماركسية القديمة. كما يمكن أن تكون نتيجة ثانوية نابعة عن طبيعة النظم والمؤسسات فى حد ذاتها ولا تخدم مصالح أى طرف. ويمكن أن يحدث ذلك إذا أصبحت بعض الشركات العملاقة ببساطة عبارة عن مشروعات لخلق العمل توقع الجميع فى فخها.

ويحتوى ما يعتبر «عمل»، فى الحرف التى تحتاج إلى مهارة، على بعض الحدود الجوهرية. فبمجرد أن يتم بناء منزل أو جسر، ينتهى العمل. ولكن فى وظائف ذوى الياقات البيضاء، يمكن أن يتسع حجم العمل بلا حدود من خلال توليد ضروريات كاذبة، بمعنى خلق أسباب ليس لها علاقة بالاحتياجات الاقتصادية أو الاجتماعية الحقيقية، لتوجيه الناس بأقوى قدر ممكن. فعلى سبيل المثال، فى نظام التقاضى، حيث الشكوى شائعة بشأن ساعات العمل من المحامين الذين يعملون فى شركات المحاماة الكبرى. فإذا كان حل النزاعات الوظيفة اجتماعية للقانون، فإن هناك أبعد ما يكون كونه وسيلة ناجحة للتوصل إلى قرارات عادلة أو معقولة. ولكن أضاف أن عمليات التقاضى الحديثة يمكن أن تفهم على أنها سباق تسلح ضخم غير ضرورى اجتماعيا، حيث إن المحامين يخضع بعضهم البعض لكميات هائلة من العمل، لمجرد أنهم يستطيعون القيام بها. وفى الماضى، كانت القيود التكنولوجية والاحترافية تضع حدا طبيعيا لسباقات التسلح من هذا القبيل، ولكن اليوم يمكن ألا يتراجع أى من الطرفين، خشية أن يضع نفسه فى وضع تنافسى غير ملائم.

•••

وبالنسبة لـ«وو» يرى أن أى تحليل نموذجى يلقى بمسئولية جنون ساعات العمل على الشركاء الجشعين، ولكن المفارقة هى أن الناس فى أعلى سلم الدخول غالبا ما يكونون غير سعداء ويعملون أكثر من طاقتهم كما الحال فى أسفل السلم: فهو نظام لا يخدم أحدا تقريبا. وعلاوة على ذلك، أدى العديد من التطورات فى التكنولوجيا الإنتاجية، إلى تفاقم مشكلة سباق التسلح. وتلغى حقيقة سهولة الحصول على موظفين، ما كان يمثل حدا طبيعيا من نوع ما، بمعنى فكرة أن العمل عبارة عن أمر يحدث أثناء ساعات العمل أو فى المكتب. ومن دون الحدود، يصبح العمل مثل لعبة كرة القدم لا تطلق فيها صافرة النهاية أبدا.

وقد تكون شركات المحاماة مثالا صارخا، ولكن لا شك أن العديد من الشركات الأخرى لديها سباقات التسلح الخاصة بها التى تخلق العمل المشكوك فى ضرورته. وأخيرا طرح «وو» فكرة أو علاجا بسيطا، لكن من الصعب تنفيذه: ويتمثل فى العودة إلى هدف تحقيق الكفاءة فى العمل، بمعنى الوفاء بكل ما نحتاجه كمجتمع، مع بذل الحد الأدنى المطلوب من الجهد، وترك خيار المزيد من العمل كهواية لمن يحبون ذلك. وفى هذا الصدد، سخر الكاتب من فكرة أن يكون مكان العمل فى الأمازون قاسٍ، بينما يزعم أنه يهدف إلى جعل حياة الناس أفضل. فلابد أن تكون هناك وسيلة أفضل.

التعليقات