الرئيس والراديو - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس والراديو

نشر فى : السبت 28 يوليه 2012 - 10:10 ص | آخر تحديث : السبت 28 يوليه 2012 - 10:10 ص

فكرة الرئيس الذى يحاول أن يتواصل مع الشعب من خلال الراديو، كما يفعل طوال شهر رمضان الدكتور مرسى عبر برنامج «الشعب يسأل والرئيس يجيب» الذى يذاع بعد أذان المغرب على البرنامج العام، هى من أساليب التسويق والاتصال السياسى التى أرساها فرانكلين روزفلت (الرئيس الأمريكى رقم 32 والذى تولى الحكم من عام 1933 إلى 1945). ابتدع روزفلت تقليد أن يتحدث الرئيس إلى الشعب مباشرة ليشرح له مجريات الأمور، وقدم بعد أسبوع واحد من توليه الحكم برنامج (Fireside chats) أو «أحاديث حول المدفأة»، وكان بمثابة ركن للدردشة يفسر فيه الرئيس بشكل مبسط برنامجه لإصلاح الإقتصاد الذى عانى كثيرا من جراء انهيار البورصة سنة 1929. حاول روزفلت خلال المائة يوم الأولى لحكمه أن يتخذ سلسلة من الخطوات من شأنها دفع عجلة الاقتصاد والقضاء على البطالة، وقد نجح إلى حد كبير بفضل مداخلاته الإذاعية، التى لم تتجاوز مدتها الـ 45 دقيقة على الأكثر، فى إقناع الناس بعدم سحب مدخراتهم من البنوك، وطمأنهم على أمنهم المادى وخلافه.

 

موضحا لهم تفاصيل النظام المصرفى بالكامل. كان موضوع الدردشة يتغير وفقا للأحداث، لكنه غالبا ما كان يبدأ بكلمة «أصدقائى» (التى استبدلها مرسى «بأهلى وعشيرتى من المسلمين والمسيحيين»)، فقد أراد روزفلت أن يكسب ثقة الشعب، دون الاعتماد على الصحافة المكتوبة التى كانت فى معظمها تساند الجمهوريين على حسابه. تحدث إلى شعبه كما يخاطب الجيران، دون تكلف، وقيل إنه كان يقرأ رسائله الإذاعية على عامل «بياض أو نقاشة» بالبيت الأبيض، فإذا توقف هذا الأخير عند بعض الكلمات التى لا يفهمها أو كانت لديه ملاحظات، يعيد روزفلت صياغة الجمل، حتى جعل السياسة والعلاقات الدولية فى متناول الجميع. كان هو المستشار الإعلامى الأول لنفسه، فى تلك السنوات التى شكلت العصر الذهبى للإذاعة، حين كان الراديو هو وسيلة الدعاية الأخطر فى كل أوروبا وأمريكا، فحقق روزفلت أعلى نسب استماع لأنه اعتمد بذكاء على أدائه الإذاعى الرصين وعلى الصراحة دون مواربة أو تلاعب أو تضليل.

 

وبعد سنوات جاء رئيس مجلس الوزراء الفرنسى ــ بيير منديس فرانس ــ ليعيد التجربة بعد عشرة أيام من توليه الحكومة، وقدم المعادل الباريسى لبرنامج روزفلت، محتفظا بالعنوان نفسه « أحاديث حول المدفأة» الذى ترجم إلى (Causeries au coin du feu )، ليذاع كل يوم سبت على مدى 6 أو 8 دقائق، مؤكدا هو الآخر على ضرورة المصارحة بالحقائق دون النزوع إلى الديماجوجية. قدم منديس فرانس 26 حلقة أو حديثا خلال توليه الحكومة من يونيو 1954 إلى فبراير 1955، وبأسلوب الأستاذ الجامعى أخذ يشرح لماذا تدنى دخل الفرنسيين وما الإجراءات الماكرو-اقتصادية المتخذة وكيف له أنه ينهض بفرنسا دون اللجوء لنهج سلطوى على النمط السوفييتى، مع التأكيد على مبدأ العدالة الاجتماعية.. كان يعرض المشكلات ثم يتطرق إلى الحل وخطة العمل المتبعة، معتبرا أنه مدين بهذه التفسيرات للشعب، قبل البرلمان أو الأحزاب.. فقد كان يعى جيدا أن الأغلبية البرلمانية هشة ولن تدوم، وكان ينتوى الضغط عليها، لذا سعى للحصول على تأييد الرأى العام، وساعده فى ذلك مدير مكتبه الذى دأب على دراسة ردود الأفعال وتوجيه المحتوى بطريقة تتماشى مع الجمهور أو الشرائح المستهدفة. وعلى عكس الرئيس دى جول الذى تبنى أسلوبا أبويا مطمئنا، أراد منديس فرانس أن يتحدث بطريقة ندية، يتساوى فيها مع كل الفرنسيين، مع الفارق ربما أنه يعرف أكثر بحكم موقعه.. لكنه يثق فى مواطنيه ويعطيهم حرية الاختيار. وبالفعل حقق منديس فرانس معدلات استماع عالية، وأيده 62% من مستمعيه، فى مقابل 7% فقط أعربوا عن استيائهم، ولم تعجبهم شخصنة السياسة على هذا النحو.

 

أذكر هذه التفاصيل على خلفية خبر نشر بعد حوالى أسبوع من بدء برنامج «الشعب يسأل والرئيس يجيب» حول إمكانية تغيير موعد برنامج الرئيس لوضعه على خريطة «البرنامج العام» فى الوقت المميز من العاشرة صباحا وحتى مدفع الإفطار، وهى الفترة الأعلى فى نسبة الاستماع (بحسب ما نشر)، أما بعد المغرب فينصرف الجميع لمشاهدة المسلسلات على التليفزيون. إذا صح الخبر، فذلك يعطى مؤشرات على عدم تحقيق البرنامج لأهدافه وعلى كيفية إدارة الأمور بشكل عام.. ربما أراد الرئيس أن يلتقى بالشعب فى ساعة يصفو فيها الكون، وهى ساعة الإفطار.. يلتف الناس حول مائدة الطعام وقد اعتاد بعضهم أن يستمع للراديو الموجود فى كل بيت وكل قرية، ولكن هل المحتوى جذاب بما يكفى؟ هل تم الإعداد الجيد للخمس دقائق الرئاسية لتبدو تلقائية وعفوية وعميقة فى الوقت ذاته؟ أشك كثيرا.. فالأسئلة سطحية والأجوبة «خشبية» حتى الآن، كلام حول القمامة ورغيف العيش وعودة الأمن والقضاء المصرى وقانون الطوارئ، ولكن لا شىء جديدا.. لا خطة عمل ولا خطوات واضحة.. من المفترض أن هناك لجنة من كبار الإذاعيين لتفريغ أسئلة المواطنين وإرسالها لمكتب الرئيس للرد عليها، لكن الواضح من الأسئلة والاختيارات والأجوبة أننا لم نتحرر من قيد لغة «خشبية» نخرها السوس والأفكار «المعلبة» نفسها، فى حين أن الشباب يفاجئونا يوميا على الإنترنت أو جدران الشوارع بتعليقات ساخرة وحملات إعلامية خلاقة يطلقها أحيانا أولاد وبنات لا يتجاوز عمرهم 16 سنة. نحن بحاجة إلى ثقافة وخطاب جديدين حتى يبدأ التغيير.

 

 

 

 

التعليقات