إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان

نشر فى : الإثنين 29 مارس 2021 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 مارس 2021 - 10:47 ص
حالة انفصام شديدة هو أفضل ما يمكن أن يوصف به وضع لبنان الذى يعيش أزمة ومأساة: مأساة يعيشها المجتمع اللبنانى بجميع مكوناته وأطيافه تتمثل بالانهيار المجتمعى الحاصل الحامل لجميع أنواع الانفجارات من الاقتصادى إلى الاجتماعى إلى السياسى إلى الأمنى مع الكلفة الباهظة التى يدفع ثمنها المواطن اللبنانى وحالة البؤس والمهانة وانسداد الأفق التى تحكم حياته اليومية. وأزمة تعكس صراعا سياسيا لبنانيا يتداخل فيها العامل الداخلى بالعامل الخارجى وهذا ليس بجديد فى تاريخ لبنان: صراع يحمل عنوان تشكيل حكومة إنقاذ أو «حكومة مهمة»، حسب المبادرة الفرنسية، والتى صارت أحد عناوين المبارزة الحاصلة. حكومة من هذا النوع، والجميع متفق على التسمية فقط لا غير، كما تدل جميع المواقف خاصة بأشكال إيحائية ولو صارت مباشرة عند البعض مؤخرا.
الصراع حول تشكيل الحكومة التى قد تكون الحكومة الأخيرة فى عهد الرئيس عون، باعتبار أنه من غير المستبعد عدم حصول انتخابات نيابية العام القادم كما يرجح البعض. يزيد ذلك الاحتمال من حدة الصراع حول تركيبة الحكومة والمحاصصة التى ستحكم تشكيلها مهما تم لتغطية هذا الأمر بأشكال مختلفة لا يمكن أن تخفى الحقيقة، خاصة أمام السيناريوهات المختلفة التى تطرح حول الاستحقاق الرئاسى القادم. فى السياق ذاته نشهد معركة داخلية حول الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة)، ونشهد معركة إعادة فتح ملف «اتفاق الطائف» ورغبة البعض بالعودة إلى ما قبل الاتفاق، باعتبار أنه عكس توازنا داخليا /خارجيا تغير كليا الآن وقد بدأت معركة الحديث عن إعادة فتح هذا الملف تحت عناوين مختلفة، فيما يتمسك آخرون به كما هو.. لقد صار المطلوب الانطلاق من الاتفاق والبناء عليه لتطويره والذهاب نحو الدولة المدنية كخلاص للبنان من «لعبة الكراسى الموسيقية» بين الطائفيات والمذهبيات السياسية. كل من هذه الأخيرة يستفيد من لحظة توازن قوى داخلى خارجى لمصلحته توازن لا يدوم ولا يسمح ببناء وطن. وعلى صعيد آخر يأتى تأليف الحكومة فى خضم اشتداد المعركة فى الإقليم الشرق أوسطى مع مجىء إدارة بايدن إلى السلطة ولعبة المفاوضات غير المباشرة وعلى الأرض بين واشنطن وحلفائها من جهة وطهران وحلفائها من جهة أخرى للإمساك بأكبر عدد من أوراق اللعبة (ولبنان من ضمن هذه الأوراق). الانتظار لحسم اللعبة لمصلحة طرف على حساب طرف آخر أو التفاهم حول تقاسم النفوذ فى الإقليم يزيد من تعقيد الأمور: الموضوع أكبر من صراع حول عدد الحقائب والفيتوات المتبادلة وحجم النفوذ فيما البلد ينهار. وللتذكير هنالك أكثر من ٥٥ بالمائة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، حسب الاسكوا، وأكثر من مليونين من العاطلين عن العمل إلى جانب السقوط الهائل للعملة الوطنية أمام الدولار فى بلد يعيش على الاستيراد. ولا بد فى هذا السياق من التذكير ببعض الحقائق اللبنانية فى ظل الخلاف القائم حول التدويل من عدمه. إن مجمل خلافاتنا كانت أو تغذت على قضايا خارجية وتمت لبننة الخلافات دون أن يعنى ذلك غياب خلافات داخلية وأن مجمل التسويات حول هذه الخلافات الداخلية تمت أساسا فى الخارج. فالخلاف كما هو حاصل هو فى حقيقة الأمر حول أى تدويل (أو أى دور خارجى) وليس حول مبدأ التدويل من عدمه.
فى ظل الأزمة الوجودية التى تهدد اليوم مصير الوطن واحتمال حصول انهيار كلى علينا قبل البحث فى تجديد أو تغيير النظام، والإصلاح الشامل للنظام اللبنانى للخروج من واقع نظام فيدرالية المذهبيات السياسية: النظام الهش الذى يجذب دائما جميع أشكال وأنواع التدخلات أيا كانت العناوين والشعارات البراقة لهذه التدخلات، علينا العمل على بلورة مشروع الإصلاح الاقتصادى لوقف هذا الانهيار. المطلوب قبل تشكيل الحكومة، وقد مرت أشهر على ذلك، تنظيم طاولة مستديرة، وقد طالبنا بذلك من قبل، وقيل حينذاك أنه مضيعة للوقت وكم من الوقت ضاع، طاولة تضم ممثلى القوى السياسية الرئيسية التى اجتمعت مع الرئيس الفرنسى وقالت إنها التزمت بالإصلاح مع ممثلى لقطاعات من المجتمع المدنى لتنطلق كما قد يرغب البعض من ورقة الإصلاح الفرنسية ويبنى عليها البرنامج الإصلاحى الشامل والمطلوب بجميع عناصره للإنقاذ الوطنى مع خريطة طريق واضحة للتنفيذ وجدول زمنى، مع التزام جميع القوى المشاركة بدعم ومواكبة وتسهيل تنفيذ هذا البرنامج الذى يحظى بإجماع وطنى ومواكبة دولية. يجب أن تنظم هذه الطاولة المستديرة فى إطار زمنى محدد بشكل مسبق ومحدود جدا، برعاية وضمانة خارجية، لتكن فرنسية مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لمواكبة تنفيذ الحكومة التى ستشكل لاحقا أيا كان عدد اعضائها، لهذا البرنامج. بعد إنقاذ لبنان من السقوط والانهيار يمكن البحث فى تطوير النظام والبناء على «الطائف». فالاستمرار فى القتال حول من يكون القبطان الفعلى للمركب اللبنانى وحول شط الأمان كما يراه أو يتمناه كل طرف فأمر غير واقعى، دون برنامج «الرحلة» الذى أشرنا إليه، إذ يغرق المركب بالجميع وهم يتقاتلون لتصبح على القبطان شاطئ الأمان. فهل من يسمع قبل فوات الأوان؟
ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات