«تحياتى من أديس أبابا».. إثيوبيا التى لا نعرفها! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تحياتى من أديس أبابا».. إثيوبيا التى لا نعرفها!

نشر فى : الجمعة 30 مارس 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 30 مارس 2018 - 9:50 م

مثل كتبه جميعا؛ المتعة أولا؛ المعلومة التى ستدهشك، العين اللاقطة الذكية اللماحة، الأسلوب السلس المبهر بانسيابيته وسهولته (دائما ما يغرى بتقليده وهى مهمة عسيرة جدا وشاقة لمن يحاولها!) ، يمكنك أن تنهى قراءة هذا الكتاب المهم، الممتع، فى جلسة واحدة فقط. «تحياتى من أديس أبابا»، (الصادر عن دار دلتا للنشر2018)، والذى يسجل وقائع تلك الرحلة الغريبة التى قام بها صيدلى وكاتب مصرى متجها إلى الجنوب من القارة السمراء؛ إلى بلاد الحبشة وهيلا سيلاسى والبن الغامق! تلك البلاد التى تزعج المصريين الآن إزعاجا شديدا بسبب بنائها سد النهضة، وتهديد حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل.

مؤلف الكتاب، ميشيل حنا، كاتب وقاص وباحث مهتم بتاريخ العمارة وجماليات الفنون البصرية، تخرج فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة، يكتب المقال، والقصة القصيرة، والقصة المصورة، والسيناريو، له أكثر من 10 كتب فى مجالات مختلفة. حصل على عدة جوائز فى القصة القصيرة؛ من بينها المركز الأول فى المسابقة الأدبية لوزارة الثقافة 2009.

أتابع ميشيل من بداياته بشغف شديد، امتلك أسلوبه مبكرا، وظهرت موهبته حارقة كالشمس، كاتب مقال بارع لا يشق له غبار، ثقافته واسعة ومتعددة الروافد، فهو يقرأ بالعربية والإنجليزية (وأظنه يجيد بعض الفرنسية أيضا)، وأتاحت له فرصة النشر الإلكترونى أن يصول ويجول فى كل الموضوعات، ويجرب معظم أشكال الكتابة خاصة فى جانبها الصحفى، ويستحضر مبكرا كتابة النوستالجيا «الحنين إلى الثمانينيات والتسعينيات» التى صارت موضة بعد ذلك، وقلده الكثيرون بوعى أو بدون.

دراسته العلمية، وفكره المرتب والمنطقى كانا من أكبر العوامل (فى ظنى) لتطويع أى مادة مهما بدت صعبة أو مستغلقة على الشرح والإفهام بين يديه، فضلا على طريقة العرض الجذابة ومراعاة التشويق، لكن أهم ما يميز كتابة ميشيل عموما، تلك القدرة الرائعة على التقاط زاوية النظر للموضوع الذى يكتب عنه، عينه راصدة لاقطة حساسة بصورة مدهشة، وهذا ما فعله بامتياز فى كتابه «تحياتى من أديس أبابا».

«ميشيل حنا» بمفرده، وباستنفار حواسه المعرفية والاستكشافية قدم تجربة غاية فى الإمتاع والفائدة وببساطة ويسر لم يخطرا على بال السادة المعنيين بالملف الإثيوبى وأزمة سد النهضة. سار ميشيل فى الطريق العكسى، والأقصر والأكثر مباشرة وتحقيقا للهدف بالمناسبة! «تعرف على خصمك»، أو منافسك، أو من يسبب لك إزعاجا ما بطريقة ما بشكل مباشر! تعرف على هؤلاء، غصْ فى بحر ثقافتهم واكتشف خصوصية وتركيب هؤلاء الذين أقدم نظامهم الحاكم على إجراءات وسياسات مثلت تهديدا مباشرا لأمننا المائى خلال السنوات الماضية!

حمل الرجل حقيبته على ظهره، وسافر رأسا إلى إثيوبيا متطوعا فى قافلة طبية خيرية! لكنه فى ظنى كان يضمر النية من البداية لامتصاص كل ما تستشفه حواسه فى هذا البلد؛ استغل الرحلة أحسن استغلال كى يطالع قبسا من حضارة قديمة وشعب ترجع جذوره إلى عصور البشرية السحيقة؛ على هذه الأرض وقبل عشرات الآلاف من السنين عاش أشباه من البشر قبل ظهور الإنسان الأول.

ستتعرف فى الكتاب على الجغرافيا والتاريخ والأساطير؛ وسترى جوانب من حضارة خاصة جدا تختلف فى مكوناتها ورؤاها عن غيرها من حضارات العالم القديم. سترى كيف يعيش الإثيوبيون، كيف يمارسون حياتهم اليومية، ما هى العناصر المهيمنة على تفكيرهم وسلوكهم وتعاملهم مع الغرباء. هم شعب عريق مثل غيرهم من شعوب الدنيا؛ تشكلت ثقافتهم وتصوراتهم عن الكون والإنسان والحياة عبر عمليات معقدة ومركبة استغرقت آلاف السنين.

سيبهرك ميشيل بحكايات وقصص أجمل ما فيها أنها «أسطورية» ساحرة، لكنها تحمل إيمان ويقين أصحابها أيضا؛ ستقرأ عن «لوسى» أقدم حفرية بشرية فى التاريخ! وستعرف أن للإثيوبيين توقيتا زمنيا وتقويما سنويا يختلف عن كل الدنيا! ببساطة متناهية ستتعرف على تفاصيل وأمور لو اجتهد فريق بحثى متخصص أن يقدمها بمثل هذا الثراء والتنوع والبساطة ما أفلح! وعافانا الله شر اللجان وشر من يشكلونها وشر من يبلوننا بها.. وما كان من نتائج هذه اللجان اللعينة إلا ما وصلنا إليه الآن من موقف لا نحسد عليه إزاء سياسات إثيوبيا المائية وسدودها التى تزمع بناءها على المديين القريب والبعيد!

هذا كتاب ممتع، كتب بمزاج ووعى وحس رحالة بحاثة لا يضحى أبدا بالمتعة لحساب التحليل والنقد والمقارنة.