خواطر على هامش معرض أبوظبى الدولى للكتاب - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 12:54 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خواطر على هامش معرض أبوظبى الدولى للكتاب

رسالة أبو ظبى ــ وليد علاء الدين:
نشر في: السبت 4 مايو 2019 - 4:47 ص | آخر تحديث: السبت 4 مايو 2019 - 4:47 ص

استمرار حالة الحب والتأثر الإماراتى بالثقافة المصرية
زحام من الجمهور العربى على أمسية غنائية لمحمد عبدالوهاب
متى تتخلص المعارض العربية من دولة الستينيات لكى تواجه تحديات سوق النشر؟
الحل فى مشروع ثقافى لتنظيم المعارض تديره شركة توزيع عربية قديرة تخدم صناعة النشر العربية

عندما أكتب عن معرض أبوظبى للكتاب فى دورته التى انتهت بنهاية الشهر الماضى أجدنى مدفوعا للتوقف أمام عدة نقاط.
النقطة الأولى؛ التعبير عن فرحتى الشخصية بالإشارة القوية إلى استمرار حالة الحب والتأثر والتعلق الإماراتى بنموذج الثقافة والفن المصرى. فقد استهلت مؤسسة بحر الثقافة ــ صاحبة أحد أهم الأجنحة بالمعرض ــ أنشطتها بنَفسٍ فكرى مصرى. وبنَفسٍ فنى مصرى أيضا اختتمتها. إذ كان أول لقاءات جمهور المؤسسة صبيحة افتتاح المعرض لقاء مع الباحث والروائى الدكتور عمار على حسن تحت عنوان «الثقافة والتفكير العلمى». وكان الختام مسكا ــ على حد تعبير منظمى حفل آخر ليالى المعرض بعنوان «عبدالوهاب، رحلة على ضفاف الوتر» بحضور ابنتى الفنان الراحل وحفيده، وبصحبة فرقة موسيقية أدخلت البهجةَ والسرور على الجمهور العربى الواسع الذى شارك بالسؤال عن سيرة وحياة الفنان الراحل، والاستمتاع بمقتطفات من أغنياته وألحانه.
النقطة الثانية، وهى امتداد للأولى تعليقا على الحشد الكبير من الجمهور العربى الذى ملأ جناح بحر الثقافة خلال أمسية «عبدالوهاب»، إلى حد أن الكثيرين استكملوا السهرة ــ التى امتدت لساعات ــ على أقدامهم. وهذا التفاعل المذهل مع الغناء والموسيقى بالتصفيق والغناء، وهذا القدر الكبير من الأسئلة والرغبة فى معرفة المزيد عن الفنان الراحل من ابنتيه وحفيده، وبعضها تجاوز مساحة الفضول إلى رغبة فى معرفة حقيقية حول مقامات الموسيقى وطبقات الغناء... عندما نقارن ذلك مع حالة الاستياء العامة (عربيا) من خلو مقاعد الأمسيات الأدبية والفكرية والثقافية، وحالة تراجع إقبال القراء على شراء الكتب من المعارض... فلا ينبغى أن نكتفى بالتحسر، بل يجب أن نثير بعض التساؤلات المهمة التى قد تفيد مع نهاية دورة معارض كتاب عربية ــ تنتهى بمعرض أبوظبى ــ للتخطيط فى الدروة الجديدة من معارض الكتاب العربية.
يمكن القول إن معرض أبوظبى للكتاب واحد من أكثر المعارض المشتهرة ببرنامج ثقافى حريص على البعدين العربى والدولى، إضافة إلى برنامج مهنى احترافى مهتم بقضايا صناعة النشر والمعارض، وبرنامج معنى بالنشر الإلكترونى وقضاياه.
وبشكل عام فقد انشغل القائمون على معرض أبوظبى للكتاب –لسنواتــ بالتفكير والتخطيط، بل وبتنفيذ محاولات جادة للفكاك من أسر نمطية معارض الكتاب العربية، وعقدوا شراكة منذ سنوات مع معرض فرانكفورت للكتاب بهدف التحول إلى نظام (B2B)، وهى المحاولات التى لم تؤت ثمارها، ليس لأسباب تخص المعرض، وإنما لتفاصيل كثيرة تتعلق بالبنية المختلفة عربيا ومحليا داخل الجغرافيات العربية المختلفة ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وغير ذلك من أسباب.
هذه الأسباب هى ما ننتهز الفرصة الآن لندعو إلى مناقشتها، بشكل جاد، إنها فرصة للاستفادة من حالة التجريب والتخطيط التى يمثلها معرض أبوظبى الدولى للكتاب، لفتح باب التساؤلات أملا فى أن تخطو معارض الكتاب العربية فى الدورة المقبلة خطوة فى سبيل أن تصبح «معارض عضوية» ــ مستعيرا مصطلح جرامشى، بمعنى معارض كُتب تعى وضع المجتمعات التى تنتمى إليها وتُعبر عن حاجات هذه المجتمعات وتسعى لتلبيتها سواء عبر تعديل برامج وشروط مشاركة الناشرين أو عبر البرامج الثقافية والفكرية والفنية الترفيهية التى تقام على هامشها.
فى عالم لم يعد النجاح فيه ممكنا من دون احترام منطق «الصناعة»، نسأل: هل يمتلك كل معرض كتاب عربى رؤية وأهداف مستمدة من وعى جيد بظروف سوقه وقارئه ورغباته واحتياجاته وقدراته؟ وإذا كانت هناك رؤية وأهداف توضع على أساسها البرامج والسياسات، فهل تهتم معارض الكتاب العربية بتطوير رؤاها وأهدافها من خلال رصد عملى وعلمى لمتغيرات السوق والصناعة؟
فى زمن يمكن للقارئ الحصول على الكتاب الذى يريده وهو جالس فى مكانه، وربما بسعر أقل من سعر معارض الكتاب، أتحدث هنا عن الطرق الشرعية عبر شركات الشحن ومؤسسات بيع الكتب عبر الإنترنت. فى زمن كهذا هل ننتظر من معارض الكتاب العربية أن تعيد النظر فى مهمتها لتتجاوز حالة توفير سوق يتلاقى فيه الناشرون مع القراء؟ وما هى الحالة المثلى لتجاوز الأمر؟
فى ظنى أن معارض الكتب العربية ــ لا أعرف إن كانت هناك استثناءات ــ ما زالت تعمل بمنطق دولة الستينيات، بمعنى أن المعرض حدث رسمى تنظمه الدولة وتخصص له ميزانية من أجل تحقيق أهدافها التنموية. والتنمية هنا ثقافية بلا شك، والمستهدف بها هو: الجمهور، أو الشعب، أو المواطنين.. والوسيلة فى ذلك هى الكتاب فى المقام الأول. ومن أجل ذلك تقوم الدول بالإنفاق على برامج فكرية وترفيهية، هدفها تنموى ثقافى أيضَا ولكنها تعمل فى خدمة هدف الحدث الرئيس وهو «بيع الكتب»، أو بمعنى آخر حصول الشعب على الكتب. وتقدم بعض الدول دعما مباشرا، أى تتحمل نسب من قيمة الكتب تدفعها للناشرين نيابة عن القراء، إما عن طريق عملية الاقتناء بتوجيه الجامعات والمؤسسات لتزويد مكتباتها سنويا من المعرض الرسمى وإنفاق الميزانيات المخصصة لذلك داخل المعرض، أو بضخ مبالغ على هيئة كوبونات وبطاقات خصم توزع على فئات كالطلاب أو الموظفين أو غير ذلك.
فإذا اتفقنا على أن التطورات المذهلة التى حدثت منذ الستينات وحتى اليوم سمحت للقارئ بانتقاء والتعرف ومراجعة ما يرغب فيه من كتب ثم اتخاذ قرار الشراء والحصول على الكتاب بلا حاجة إلى معرض.. فلماذا لم تتحرك المعارض العربية خطوات شبيهة؟
على مدى السنوات الماضية سمعنا كثيرا وتأكدنا من أن شكاوى الناشرين من ارتفاع تكاليف المشاركة فى المعارض الدولية وتدنى المردودات (مشتريات القراء) يتم تعويضها من خلال تدخلات حكومية. وعلى مدى السنوات نفسها تأكد لنا أن إقبال الجمهور على البرامج الثقافية والفكرية المقامة على هامش هذه المعارض أقل من المتوقع. والسؤال: أليس من الأجدى توجيه هذه الميزانيات الرسمية الضخمة إلى مشروع ثقافى فكرى تنويرى ضخم عابر للجغرافيات العربية، يعى مفردات السوق ومعطيات التكنولوجيا وحاجات القراء والأهداف التنموية للحكومات، يتولى هذا المشروع تنظيم معارض أو برامج تخدم أهدافه، ويدير شركة توزيع عربية قديرة تخدم صناعة النشر العربية؟ وأؤمن أن معرض أبوظبى الدولى للكتاب مؤهل لأن يلعب دور المايسترو فى هذه الخطوة الطموح.
وفى ظنى ــ إن لم يحدث هذا التحرك قريبا ــ أن المستفيد الوحيد من معارض الكتاب سيظل مجموعة من الناشرين يجيدون التحرك وممارسة لعبة ترقب معونات ودعم الحكومات وصيد الجوائز... غير عابئين لا بالقارئ وما يريد ولا بالحكومات وبرامجها التنموية. وسلام على أهل الفكر والثقافة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك