نبيل فهمي يكتب: قراءة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:42 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: قراءة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية

نبيل فهمي وزير الخارجية السابق
نبيل فهمي وزير الخارجية السابق

نشر في: الإثنين 10 أغسطس 2020 - 8:29 م | آخر تحديث: الإثنين 10 أغسطس 2020 - 8:29 م

تبدو الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة أقرب إلى استفتاء على الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب، لقيامه بشخصنة الرئاسة الأمريكية واتباعه لأساليب غير تقليدية من ناحية، ونظرا لأن الحزب الديمقراطى وجد صعوبة بالغة فى الالتفاف حول مرشح واحد جديد عن الساحة السياسية أو يحمل رسالة سياسية جديدة وواضحة ‏وجذابة للناخب الأمريكى، بل أرى أن الحزب الديمقراطى أهدر فرصة ثمينة لجذب الناخبين نحو مفاهيمه للحكم، لأن الاغلبية العظمى من الناخبين الامريكيين تميل للتغيير فى قيادة البلاد، خاصة عندما تكون هناك تحديات وصعوبات اقتصادية عامة وقلق نحو المستقبل.
‏وانتهى الحزب الديمقراطى بعد عناء طويل إلى الاقتراب من ترشيح ‏ جو بايدن نائب الرئيس السابق فى إدارة باراك أوباما، على اساس ان التغيير الذى يسعى إليه الناخب سيكون التراجع عن الاستقطاب الذى يطرحه الرئيس ترامب، والحزب فى ذلك قد يكون قد أصاب جزئيا، فهناك اضطراب فى الساحة السياسية الأمريكية، وقلق من الاستقطاب الحاد السائد خاصة فى ظل ازمة كورونا والضائقة الاقتصادية، إلا أن اختيار الحزب الديمقراطى لبايدن هو رهان على أن التغيير المطلوب ليس بجديد، وإنما للعودة للماضى والنمط التقليدى فى ادارة الامور من خلال سياسيين اصحاب خبرة، باعتبار أن مرشحهم سياسى تقليدى خدم لسنين طويلة فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وهو مرشح توافقى فاز نتيجة للاستقطاب الذى تشهده الساحة الديمقراطية، بين مرشحين يميلون بشدة يسارا من جانب، ومن جانب آخر تفكك ‏وتنازع المرشحين الوسطيين الجدد الذين يغيب عنهم جميعا الخبرة فى إدارة العلاقات الدولية، أو حتى قيادة المؤسسات الحكومية الأمريكية.
وفى هذا السياق حظى بايدن بأكبر نسبة تأييد بين المرشحين من الحزب الديمقراطى، وإنما يتردد أن ٪30 على الأقل من الناخبين الديمقراطيين يفضلون اختيار مرشح آخر، مثل محافظ ولاية نيويورك أندرو كومو، أو ميشيل أوباما زوجة الرئيس السابق، او حتى هيلارى كلينتون ‏التى خسرت الانتخابات الاخيرة أمام دونالد ترامب فى ٢٠١٦.
ومن الملفت للنظر أيضا أنه على الرغم أن هناك إحصائيات الرأى العام تشير إلى تقدم بايدن ‏على ترامب بنسبة 53% مقابل 40 ٪، فتستخلص الإحصائيات أيضا أن مؤيدى ترامب أكثر تحمسا وولاءً له عن مؤيدى بايدن.، وكلها دلالات أن فرص فوز بايدن بالترشيح الديمقراطى والفوز بالرئاسة قائمة، إلا أن تلك الاحتمالات لم تحسم بعد على أى من المستويات.
ولا أعتقد أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد حسمت بعد، ‏وأرجح انها لن تحسم إلا مع اقتراب الانتخابات، نظرا لطبيعة الناخب الأمريكى الذى يميل إلى التغيير، لأن النتيجة تحسم عادة بفارق لا يتجاوز من ٢ إلى ٤ فى المائة ‏من المشاركين، مما يجعلها ‏تتأثر كثيرا بأحداث الأسابيع الأخيرة عامه، ‏فضلا عن وجود مرشح غير تقليدى مثل دونالد ترامب وظروف استثنائية أمريكية، كلها اعتبارات غير محسومة فى ظل توتر غير مسبوق منذ نصف قرن فى المجتمع الأمريكى، والمناخ التصادمى مع روسيا والصين، وتداعيات جائحة فيروس ‏كورونا المجتمعية والاقتصادية، وارتفاع البطالة الأمريكية إلى مستويات لم تشهدها الدول العظمى منذ أكثر من نصف قرن.‬‬
‏لكل هذه الاعتبارات تسلط الأضواء الاعلامية كاملة على الرئيس الأمريكى ‏دونالد ترامب، وتجعله يتحكم فى الأجندة السياسية الأمريكية بدرجة كبيرة، بتصريحاته التى تشكك فى الخلاصات والمعلومات العلمية بمبادرته الخاصة بإعادة استئناف عجلة الاقتصاد الأمريكى بالعودة سريعا إلى نمط الحياة الطبيعية، وردود فعله الحادة والقوية أحيانا فى التصدى ومواجهة لجوء بعض المتظاهرين للعنف غضبا على العنصرية فى بعض الساحات الأمريكية.
لذا اعتقد أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ستكون أقرب إلى استفتاء على أداء وفلسفة ‏وطروحات صفاته وتصرفاته الشخصية لدونالد ترامب، ‏فهو العنصر الجاذب والفارق للناخبين وبشكل يتجاوز ‏كثيرا تأثير نائب الرئيس السابق بايدن، والتقييم الرئيسى للرئيس الأمريكى الحالى ينصب على نجاحه أو فشله فى ادارة رد الفعل الأمريكى لجائحة فيروس كورونا من الجانب الصحى، وستتفاعل مع هذا الاعتبار الظروف الاقتصادية للولايات المتحدة ونحن نقترب من الانتخابات فى نوفمبر.
‏أما بالنسبة للقضايا والسياسات التى تؤثر كثيرا فى الطبقة المسيسة ضمن الناخبين فى التباين الأيديولوجى الأساسى بين الحزب الجمهورى والديمقراطية يقع حول دور الحكومة فى إدارة الحياة اليومية للمواطنين، حيث يميل الحزب الديمقراطى إلى زيادة الانفاق الحكومى والتوسع فى تقديم الخدمات الحكومية، فى حين يفضل الجمهوريين تخفيف الضرائب والانكماش الحكومى وترك الخدمات للقطاع الخاص واقتصاد السوق ومن ضمن القضايا الأخرى التى يبدو حولها تباين أيديولوجى واضح، هناك قضية تحديد ‏السياسات على أساس التحليل العلمى للمعلومات وهو الموقف الغالب للناخب الديمقراطى، او التشكيك ‏فى ذلك وهو ما يميل إليه الناخب الجمهورى، الذى يعتقد أن الفكر الليبرالى اليسارى يغلب على العلماء والأكاديميين، ويترجم ذلك بشكل واضح فى تباين مواقف الحزبين حول قضية التغير المناخى، وكيفية التصدى لجائحة الكورونا، أحدث القضايا التى شهدت تباين أيديولوجى بين السياسيين والناخبين فى الساحة الأمريكية.
والقضية السياسية الثالثة التى ستؤثر على نتيجة الانتخابات فهى الدور الذى يراه الناخب مناسبا للولايات المتحدة فى الساحة الدولية، بعد أن قرر ترامب الانسحاب من عدة اتفاقيات دولية، منها المرتبطة بالعبور الآمن فى المجال الدولى للدول، والحد من التسلح ‏والتغير المناخى، والقرار الأخير بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية.
‏هذا وأتوقع أن تحظى قضية التأمين الصحى الكامل لعامة الشعب باهتمام كبير بين الناخبين ايضا، وهى قضية ‏فاصلة ‏بين الحزبين، وتضاعفت أهميتها والحاجة إليها بعد أحداث جائحة فيروس الكورونا والذى لم يفرق بين الغنى والفقير أو بين حدود ولاية وأخرى.
أما العنصر المستجد فهو اندلاع العنف فى الشارع الأمريكى مرة أخرى، وبمستويات لم نشهدها منذ الستينيات بعد مقتل مارتن لوثر كينج، وهو عنصر قد يكون له تداعيات خطيرة على تقبل الناخب الأمريكى لحصول ترامب على ولاية رئاسية جديدة إذا حملوا مسئولية تفاقم المشكلة، انما قد يكون عنصرا منشطا لمؤيدى ترامب إذا حمل الناخبون المتظاهرون مسئولية التخريب، وأيدوا الإجراءات القوية التى يلوح بها الرئيس الأمريكى.
انخفضت فرص ترامب الانتخابية فى الآونة الاخيرة وبعد تراكم الازمات والمشاكل التى لها تداعيات اقتصادية بعض تصرفاته التصادمية التى افقدته الوسط الأمريكى من المستقلين أو أعضاء الحزبين على مشارف مواقف حزبهم، وانما قلة جاذبية المرشح الديمقراطى لا تزال تجعل القرار الحاسم فى الانتخابات الأمريكية بين يدى الرئيس ترامب ورهن تصرفاته.
وترتيبا على ما تقدم أرى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة فريدة وتاريخية، باعتبارها أقرب إلى الاستفتاء فى شكل انتخابات، يفوز فيها ترامب بولاية جديدة مع تركيز الناخبين على شخصية الرئيس وليس سياساته، أو يفوز فيها بايدن دون تقييم جاد لسياساته أو إمكانياته، أو أن يكون له دور مؤثر فى تحديد النتيجة.
والخلاصة، أن انتخابات نوفمبر ستكون بمثابة استفتاء بين ترامب وترامب!



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك