مفترق طرق - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفترق طرق

نشر فى : الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص

يمر الوطن الآن بمنعطف خطير نتيجة استقطاب حاد بين طرفين، أولهما عاش على حلم السلطة خمسة وثمانين عاما ووصل إليها بعد ثورة ولا يتصور أن يفتقدها وله تاريخ طويل فى استخدام العنف (استخدم العنف ضده أيضا للأمانة)، وقد كشف عن علامات فاشية بعد ولايته الحكم، وأحب أن أضع فى مقدمة هذه العلامات الإمعان فى انتهاك القانون، كما تبدى فى حصار أنصاره المحكمة الدستورية العليا كى لا تصدر قرارها المتوقع بحل مجلس الشورى بعد أن حلت مجلس الشعب لفساد القانون الذى انتخب على أساسه، وهو القانون نفسه الذى استندت إليه انتخابات مجلس الشورى، وإعلان نوفمبر المشئوم الذى وضع قيودا خطيرة على عمل المحكمة الدستورية العليا، وحصن قرارات الرئيس ضد أى رقابة، ومحاولات لا تنتهى لتطويع القضاء نجح بعضها كما فى نص الدستور على تقليص عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا للتخلص من قضاة بعينهم، أو تقديم أحد الأحزاب التى تدعى الاستقلال عن «الإخوان المسلمين» قانونا جديدا للسلطة القضائية كان من شأنه إن صدر أن يطيح بأساطين القضاة فيضرب عصفورين بحجر واحد: الخلاص من العقول والخبرات التى تسبب لهم مضايقات عديدة، وملء الشواغر بقضاة موالين لهم كفيلين بوضع نهاية لاستقلال السلطة القضائية إلى الأبد، وشغل مفاصل الدولة وصولا إلى أصغرها بعناصر موالية كى تدين الدولة لهم، وليس الحكم فقط لمدة لا يعلمها إلا الله، واستعانة بالتنظيم الدولى «للإخوان» خاصة «حماس» التى شاركت فى واقعة تهريب قيادات الإخوان ومنها رئيس الجمهورية من سجن «وادى النطرون» إبان ثورة يناير، بالإضافة إلى رعاية الإرهاب فى سيناء الذى يمثل الآن سلاحا بيد «الإخوان» فى صراعهم مع الشرعية الثورية، وأخيرا وليس آخر انغلاق على النفس بحيث لا يسمع أعضاء التنظيم سوى أنفسهم، ولا يشاهدون سوى ما تقرر قياداتهم ما يشاهدوه، فهم الأكثر عددا من أنصار الشرعية الثورية، وهم المتظاهرون السلميون الذين يواجهون رصاص الغدر بصدورهم العارية، متغافلين عن أن جماعات منهم تخرج يوميا لتقطع هذا الطريق وتغلق ذلك الكوبرى، وتروع المواطنين، وتمعن التخريب فى ممتلكاتهم وصولا إلى القتل بدم بارد، وترتبت على هذا عداوات حقيقية مع الجماهير التى بات الصدام بينها وبين جماعات الإرهاب الإخوانية مشهدا يوميا.

●●●

أما الطرف الثانى فهو تلك القوى الشعبية الهائلة التى أثبتت حضورها. وصنعت واحدا من أعظم أيام مصر إن لم يكن أعظمها سواء فى 30 يونيو أو 26 يوليو، وهى ترفض أن يحكمها هذا التنظيم الفاشى ناهيك عن أن كفاءته فى إدارة الدولة كانت صفرا كبيرا، ولا تقبل أن يتم التلاعب بالأمن القومى سواء بفتح باب سيناء على مصراعيه « لحماس» لحساب الإخوان المسلمين أو بحديث رئيس الجمهورية المعزول الغامض عن حلايب وشلاتين، ولقد نظمت هذه القوى نفسها فى أسلوب إبداعى رائع، وانحازت لها القيادة العامة للقوات المسلحة بعد أن تأكدت من حضورها الشعبى الطاغى يوم 30 يونيو، وحدد القائد العام مهلة 48 ساعة للاستجابة للمطالب الشعبية وهو ما لم يحدث مما دفع القيادة بعد انقضاء المهلة إلى الاجتماع برموز الوطن السياسية والدينية والاتفاق على عزل رئيس الجمهورية واختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للجمهورية، وفى مقابل الحماسة الفائقة التى قابلت بها القوى الشعبية هذا القرار لم يتصور الإخوان أن يفقدوا السلطة بهذه البساطة، فأخذوا يحاولون إعادة رئيس الجمهورية المعزول بالتظاهر والاعتصامات والأخطر من ذلك بأعمال إرهابية أخذت وتيرتها تتصاعد حتى وجد القائد العام أنه يتعين عليه أن يحدث تغيرا نوعيا فى المواجهة فطلب فى خطاب له يوم 24 يوليو من الجماهير أن تنزل إلى الشارع يوم 26 يوليو كى تعطى القائد العام تفويضا وأمرا بمواجهة العنف والإرهاب.

●●●

وثمة عدد من الملاحظات عند هذا الحد أولها أن نفرا من القوى الديمقراطية المدنية اعتبر هذا عملا غير ديمقراطى وبداية لحكم عسكرى حتى أصاب البعض القلق من أن المشهد يوم 26 يوليو قد لا يأتى على المستوى المطلوب، وكنت واثقا على العكس أنه فى مقابل هذا النفر محدود العدد المعترض على دعوة القائد العام هناك آلافا من القادمين الجدد الذين اكتووا بنار الإرهاب أو على الأقل شاهدوا آثاره بأعينهم سوف ينضمون إلى الحشد الجماهيرى، وبالفعل خرج يوم 26 يوليو باعتباره واحدا من أعظم أيام مصر. وثانيها أن البعض أبدى تخوفه من صناعة «الفرعون» إزاء شدة الإعجاب بالقائد العام وأدائه، وقد أجبت محدثى بأن هذا احتمال وارد، لكنه لا يهم إلا النخبة أما المواطنون البسطاء فهم يحلمون منذ أمد بمخلص يخلصهم مما هم فيه من أوضاع بائسة، وأكدت له أن احتمال قيام حكم غير ديمقراطى غير وارد لأن الشعب المصرى منذ ثورة يناير اختلف جذريا ولن يسمح بهذا الاحتمال كما فعل مع حكم الإخوان. أما الملاحظة الأخيرة فتتعلق بموقف قادة المعارضة من أحداث طريق النصر، وهى أول اختبار للسياسة الجديدة، إذ سارع عدد من رموزهم البارزة إلى إبداء صدمته مما حدث، وطالب بتحقيق عاجل وفورى بشفافية كاملة. بخصوص هذه الأحداث فإنه لا أحد يسعد بأن تسيل دماء أى مصرى، ولكننى أتمنى أن يضاف إلى المواقف السابقة شىء عن مسئولية «الإخوان» عما وقع.

هو مفترق طرق حقيقى، لكن الشعب المصرى وقواته المسلحة لديهم من القدرة ما يعينهم على الاختيارات الصحيحة من أجل مستقبل هذا الوطن الذى يعيش فينا وفقا للكلمات الرائعة للبابا الراحل شنودة.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية