الربيع والهويات العربية التقليدية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الربيع والهويات العربية التقليدية

نشر فى : السبت 1 أغسطس 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 1 أغسطس 2015 - 9:00 ص

بمناسبة افتتاح المشروع الجديد لقناة السويس والذى يعد ــ بلا شك ــ نقلة حضارية واقتصادية تذكرنا بعبدالناصر وتأميم قناة السويس والمد المصرى العربى القومى، أردت ان أشارك القراء بمؤتمر دولى عقد يومى 2ــ3 يوليو بقبرص يضم وفودا من 16 دولة عربية وأوروبية وامريكية تحت رعاية «ديار» المنظمة الفلسطينية والتى أسسها ويرأسها د.القس مترى الراهب الذى قام بافتتاح المؤتمر مع مساعد وزير خارجية قبرص لشئون الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأعقب الافتتاح تقديم أربع أوراق «دراسة حالة» من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وباقى الأوراق قدمت فى جلسات تالية.

***

قدم ورقة مصر كاتب هذه السطور. وينقسم البحث إلى أربعة أقسام الاول محاولة الإجابة على سؤال ماذا نعنى بمصطلح الهوية؟ والهوية تعنى الماهية أو الكينونة وأيضا اللون فعندما نسأل شخصا ما ما هى هويتك؟ نعنى ما هو لونك؟ وتتكون الهوية من بعدين أساسيين خارجى وراثى وداخلى مكتسب والأول يحدد الجنس «ذكرــ أنثى» والعرق «ابيض ــ اسودــ اصفر» والثانى مكتسب وهو ما يقوم به المجتمع والأسرة والبيئة المحيطة فى تكوين الانسان وبنائه الداخلى وهكذا نجد الهوية دوائر متعددة لا يمكن الاستغناء عن واحدة منها فى الوقت الذى فيه لا نستطيع ان نحدد أين تبدأ احداها وأين تنتهى ولا مساحة الواحدة تجاه الأخرى. تبدأ بالهوية الانسانية المتسعة ثم تضيق شيئا فشيئا إلى دائرة الجنس والعرق ثم الدائرة الثقافية التى تشمل الدين والعادات والتقاليد...إلخ.

وهنا يبدأ الجزء الثانى من البحث والذى يتناول الهوية المصرية وتطورها عبر السنين ووجدنا أن أقرب وأكثر ما يعبر عن الهوية المصرية هى بردية مصرية قديمة لإنسان مصرى فرعونى يسجد تحت شجرة وارفة على أرض حقله التى هى جزء من أرض مصر بجوار نهر النيل وصلاة الشكر التى يرفعها لإلهه مكتوبة على خلفية البردية وهذه البردية مأخوذة من على حائط مقبرة «مدينة الدير» وصاحب المقبرة الميت يدعى «فاشيدو». هذه البردية قمنا باختيارها كفريق عمل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لتكون صورة غلاف كتاب الحالة الدينية فى مصر والذى صدر عام 1994.

ثم استعرض البحث كل الجنسيات التى غزت مصر بداية من الهكسوس إلى اليونان فالرومان ثم دخول المسيحية إلى مصر فى القرن الأول الميلادى والإسلام فى القرن السادس ثم انتقل البحث إلى حقبة مصر الحديثة التى أسسها محمد على «1805ــ1841» وحركة النهضة ثم الاحتلال البريطانى 1881 فحركة القومية العربية والتى انتكست عام 1967 وتلاها انتصار 1973 وواكب الحدثين الأخيرين انتشار بل انفجار التيار الاسلامى المتطرف والذى ازداد عنفا مع الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت وانفصال غزة عن منظمة التحرير الفلسطينية والاتجاه نحو الغرب والفساد السياسى وفى عصر مبارك لم يعد الانسان المصرى يدرك ان كان يعيش فى دولة مدنية علمانية ام دولة دينية وانقسم الشعب إلى أقلية تملك كل شىء «الثروة والسلطة» وأكثرية لا تملك شيئا وقد تفشى الفساد فى حماية عنف بوليسى شديد مبالغ فيه.

***

عند هذا المنحنى خرج الشعب المصرى إلى ميدان التحرير ليتعرف على هويته الحقيقية ويستعيدها وقد عبر عنها فى الشعار المرفوع «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية». وهنا نصل إلى القسم الثالث من البحث الذى يتناول تأثير ثورة 25 يناير على الهوية المصرية وقفز التيار الاسلامى عليها بعد وعود بتحقيق ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية الا ان المفاجأة كانت فى محاولة أخونة الدولة باندفاع شديد مما أدى إلى ثورة 30 يونيو والتى فيها خرج الشعب يساند جيشه والعكس صحيح لكى يستعيد ثورته وقد ظهر تأثير ذلك التحرك على هوية المصريين فى أربعة أبعاد الأول من الانسحاب الداخلى إلى قبول التحدى الخارجى والتعامل معه، لقد كان واضحا أن هوية المصريين تميل إلى الانسحاب الداخلى وعدم المواجهة والطاعة المثلى لرؤسائهم الدينيين والسياسيين لكن المفاجأة كانت الخروج على جميع القيادات بكل نوعياتها.

تغيرت هوية المصرى المستكين إلى المصرى الواعى الذى تجاوز الدينى الطائفى إلى السياسى الاجتماعى من جانب والوطنى من الجانب الآخر. لقد عاشت مصر لأكثر من أربعة عقود اختصرت فيها السياسة إلى ثنائيات فجة حقوق الأقباط مقابل حقوق المسلمين علمانية مقابل دينية، شريعة إسلامية مقابل قانون مدنى...الخ. لقد رأى هؤلاء الشباب أن مشاكل مصر لا تحل جزئيا لكن تحل كليا بالديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الانسانية.

***

أما البعد الآخر لتغير الهوية فقد كان تغير هوية المكان لقد صار ميدان التحرير رمزا لتجديد رابطة المواطنة المصرية تلاشت فيه الفروق الجنسية والدينية والطبقية لصالح المصلحة الوطنية لقد استعاد المصريون فى التحرير حالة الاندماج الوطنى بين المسيحيين والمسلمين التف الأقباط حول المسلمين وهم يصلون والعكس صحيح. أما التغيير الثالث فى الهوية فكان من نصيب المرأة لقد حدث تغيير جذرى فى هوية المرأة المصرية لقد خرجت بأعداد ضخمة إلى الميدان وعاشت فيه 18 يوما ليلا ونهارا وكان هذا مستبعدا تماما. بسبب العادات والتقاليد والاعراف والنظرة الاجتماعية للمرأة، كان الرقص والغناء الجماعى بأهازيج وطنية بداية بسيد درويش حتى الشيخ امام واحمد فؤاد نجم مرورا بعبدالحليم حافظ وشادية وغيرهم. وكان البعد الأخير فى تغير الهوية فى فقه ولاهوت الثورة لقد تم تقديم لاهوت وفقه جديدين موضوعه الانسان المقاوم سلميا ورسالته نبذ العنف ومحاربته فى المجتمع ولقد كانت هناك محاولات فردية سابقة لمثل هذا اللاهوت لكنها لم تجد التفاتا فى حينها بل وجدت مقاومة على سبيل الحصر «الوجه الآخر لتعاليم المسيح «لكاتب هذه السطور1991 و«المسيح ثائرا» للـ د.القس صمويل حبيب 1995 ولكن بعد الثورة ظهرت عدة كتب منها «المفهوم اللاهوتى للثورة» رؤية مسيحية وكنسية للاحتجاجات للقس نصر الله زكريا 2011 الاقباط إلى أين؟ الأنبا ألد. يوحنا قلته2013 و«من النخبة إلى الثورة» الدولة والإسلام السياسى والقومية والليبرالية «د.نبيل عبدالفتاح2013، وغير هذا الكثير. قام شيخ الأزهر بفتح باب الحوار مع القوى الاسلامية السياسية ومرشحى الرئاسة والأهم الحوار مع صفوة كبار المثقفين وصدر العديد من البيانات المهمة (ثلاثة بيانات) اعادت للأزهر نسبيا بعضا دون دوره البارز مجددا لكن ما تزال محاور الأزمة المؤسسية قائمة فى هذا الصدد.

***

تبقى لنا الحديث عن الهوية المصرية الجديدة والمستقبل وهو ما سوف نتحدث عنه فى مقالنا القادم لأنه يستحق بعد الأحداث الأخيرة تركيزا شديدا لمحاولة الإجابة عن سؤال المستقبل للثورة.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات