تساؤلات «جولدا» المقلقة.. وأداء هيلين ميرين المثير - خالد محمود - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 3:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تساؤلات «جولدا» المقلقة.. وأداء هيلين ميرين المثير

نشر فى : الأحد 1 أكتوبر 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الأحد 1 أكتوبر 2023 - 8:50 م
لا يمكن أن تتحمل نجمة مسئولية فيلم بأكمله حتى لو كانت محور الأحداث
توقفت كثيرا أمام فيلم «جولدا» للمخرج جاى ناتيف، وطرحت بداخلى تساؤلات حول المحتوى من الناحية التوثيقية والمعلوماتية التى لم أتقبلها وجدانيا، منها التعامل مع أشرف مروان كعميل أساسى فى إخبار اسرائيل بموعد حرب أكتوبر، وإصرار جولدا مائير على عدم قبول قرار وقف إطلاق النار إلا بعد اعتراف الرئيس السادات بدولة إسرائيل وليس الكيان الصهيونى، وكذلك الإحساس بأن إسرائيل حققت انتصارا بحصار ٣٠ ألف جندى مصرى من الجيش الثالث، وأنه يمكنها القضاء عليهم!! وأيضا حوارها الحميمى مع الرئيس السادات فى بداية المفاوضات.
توقفت أمام تلك المشاهد وخشيت من تأثيرها على الأجيال الجديدة وبث الشكوك حول تحقيق الجيش المصرى الانتصار الكامل، وإنجاز عظيم فى حرب أكتوبر المجيدة والخالدة، ولم أخفِ تساؤلى حول اختيار هذا التوقيت لطرح الفيلم ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لحرب استرداد الكرامة.
هذا من الناحية الفكرية للطرح، والتى لا أخفى انها أقلقتنى قليلا، خاصة أنها ربما تترك تأثيرا مغلوطا لدى الأجيال الجديدة ممن لم يشاهدوا أعمالا عصرية تبرز الجانب المصرى فى المواجهة.
نعم هناك اعترافات ضمنية بالفيلم بالضربات المتلاحقة والمفاجئة التى قام بها الجيش المصرى وإلحاقه خسائر كبرى بالعدو، لكنها لم تكن بالوضوح الملموس على الشاشة.
أما من الناحية الفنية، فيقفز فى المقدمة دون شك أداء هيلين ميرين.. تلك الممثلة الإنجليزية التى انبهرت بها كثيرا من قبل، حين جسدت شخصية الملكة إليزابيث الثانية، ونالت عنها الأوسكار، وربما أحمل لها بداخلى مكانة خاصة وهى بعمر الـ 78.
جسدت هيلين فى الفيلم الجديد شخصية جولدا مائير بروح ومفردات خاصة مزجت بين هدوء الأعصاب الظاهرى والغليان الداخلى، وعبرت عنه بتدخينها الشره للسجائر رغم مرضها بالسرطان، لكن بالقطع لا يمكن أن تتحمل نجمة بأدائها الاستثنائى مسئولية فيلما بأكمله، حتى لو كانت محور الأحداث، فبدون صورة هيلين يمكننا أن نعتبره فيلما عاديا.
«جولدا» كما تعلمون يصور حياة جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل الرابعة، والمرأة الوحيدة فى ذلك المنصب، خلال حرب يوم الغفران، «حرب أكتوبر» عام 1973 وبالتحديد خلال أول 21 يوما من المعركة.
جاء سيناريو العمل الذى كتبه البريطانى نيكولاس مارتن مثقلًا بمهمة شبه مستحيلة تتمثل فى التركيز على تلك المرأة لكونها الشخصية الوحيدة القادرة على قيادة البلاد فى تلك اللحظة، ونقل تعقيدات السياسة الإسرائيلية فى هذه الفترة.
طوال الفيلم، كان أداء هيلين ميرين المحورى فى دور مائير ساحرًا، هى دليل الجمهور، ولن ترغب فى أن يقودك أى شخص آخر للإحساس بالعمل السينمائى؛ تقمصت ببراعة شخصية جولدا مائير المميزة بالرصانة وكونها الشخصية التاريخية العنيدة والمعذبة بكون أن إسرائيل يمكن أن تنهار للأبد.
وبينما تقدم الممثلة كل ما لديها للمشروع، إلا أن جوانب أخرى من الفيلم لا تقابل جهودها بالمثل، فهو لم يسبح بعمق فى هوية مائير ــ بدءًا من الأمور العائلية وحتى القرارات الوزارية، فقط إنها تحارب السرطان فى نفس الوقت الذى تخوض فيه حربها مع التحالف العربى المتمثل فى مصر وسوريا، بل وجاء كإعادة بناء مملة ومجزأة لطريقة تعامل جولدا مائير مع الحرب، شاهدنا مثلا مكالمة هاتفية مع هنرى كيسنجر، السياسى اليهودى الذى كان للتو قد تولى منصب وزير الخارجية الأمريكى فى عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، ويقوم بدوره الممثل الأمريكى ييف شرايبر؛ وتناقش مائير فى مكالمتها التليفونية معه شروط وقف إطلاق النار لأول مرة.
وخلال الاتصال يشير كيسنجر إلى التأثير القوى للاتحاد السوفيتى فى الصراع، فيما ردت مائير، قائلة: «دعنى أخبرك شيئا عن الروس يا هنرى! عندما كنت طفلة فى أوكرانيا خلال أعياد الميلاد، كان والدى يغلق نوافذ منزلنا بألواح خشبية وكان والدى يخفينا فى القبو من أجل حمايتنا من الذين كانوا فى حالة سكر ويعتدون على اليهود وفى بعض الأحيان يضربونهم حتى الموت فى الشوارع من باب التسلية.. كنا نبقى فى حالة صمت حتى يمر القتلة».
شاهدنا تصويرا مبعثرا للمرأة التى يحاول الفيلم أن يظهرها وقد تغلبت على العرب ونيكسون والروس وهنرى كيسنجر.. ناهيك عن رجالها بوزارة الدفاع عبر عشرات اللقاءات (بما فى ذلك موشيه ديان، والعازر، وشارون) المكلفين بإدارة الحرب نيابة عنها.
إن إدارة الحرب تنطوى على ما هو أكثر من مجرد عرض شبه مسرحى ضعيف فكريا وسينمائيا، يتم فيه نقل الوضع المحفوف بالمخاطر للجنود الإسرائيليين من خلال محادثات يائسة يتم سماعها عبر سماعات الرأس (أشياء مثل «نحن محاصرون!» و«لا أريد أن أموت!») و.....
ربما يكون من المفيد معرفة المزيد عن شخصية مائير المثيرة للجدل فى وطنها أو مزيد من التفاصيل حول الحرب نفسها أو السياسة عالية المخاطر فى الخلفية، حيث تدور الأحداث إلى حد كبير فى غرفة الحرب الإسرائيلية التى تمثل التهديد الوجودى الحقيقى لإسرائيل فى ذلك الوقت، وهو ما كان يمكنه أن يوفر ثروة من الدراما، حتى مشاهد ساحة المعركة القصيرة والمثيرة، والتى يتم «مشاهدتها» فى الغالب عبر البث الإذاعى ــ مع مناظر سريعة محمّلة بالرسومات الحاسوبية ــ لا تفعل الكثير لتعزيز الدراما.
جاء فيلم «جولدا» مملا فى كثير من المواقف، باستثناء بعض اللحظات المشوقة التى تتسم بالجاذبية والقوة فى بعض الأحيان، مثل مشهد بداية الأحداث افتتاحية الفيلم بإجابة جولدا مائير على أسئلة لجنة «أجرانات»، وهى تحقيق تم إجراؤه للوقوف على اسباب الفشل الاستخباراتى فى حرب «يوم الغفران» أكتوبر 73، ثم الانتقال إلى الأيام التى سبقت المعركة، عبر رسالة سرية طافت حول عدد من عواصم العالم، تتحدث باسم وهمى عن هجوم وشيك، وإن إلغاء إجازة التعبئة قبل يوم الغفران سيكون بمثابة انتحار سياسى، لكن جولدا تعلم فى قرارة نفسها أن الهجوم سيأتى فى ذلك اليوم. وأمرت بتعبئة 120 ألف جندى، ويحدث الهجوم، وعلى الرغم من إدارك إسرائيل بأن طريقها لضرب القاهرة أمر ممكن، لكن إسرائيل لا تهاجم، بسبب الوعد الذى قطعته لأمريكا، والتى لا تريد إغضاب العرب بمساعدة إسرائيل بفضل أزمة النفط. وكما قال وزير الخارجية هنرى كيسنجر لجولدا، فإن الشعب الأمريكى سيضطر إلى دفع ثمن باهظ للعدوان الإسرائيلى.
وفى المشهد الذى زار فيه كيسنجر جولدا مائير بمنزلها، ليخبرها مجددا بضرورة وقف إطلاق النار؛ تخبره كذبا بأن الأسلحة السوفيتية فى طريقها للقاهرة، فيقول لها إنه أمريكى ووزير خارجية ويهودى، فتقول له إنه يجب أن يقول إنه يهودى أولا، يصمت كيسنجر ويوافق على إرسال الطائرات لها، وفى لقاء آخر عندما تخبره بأن السادات فى موقف صعب، ويمكنها قتل الـ ٣٠ ألف جندى من العطش، فيرد بأنه إذا حدث ذلك فإن شعب مصر يمكنه أن يعدم السادات بميدان التحرير، وتتوسل إليه بمنحها فرصة لكسب شىء تتفاوض من أجله لوقف إطلاق النار، فيمهلها ١٨ ساعة لخوض معركة جانبية على الثغرة.
بالغ المخرج جاى ناتيف فى تصوير بطلته معظم وقت عرض الفيلم، وإظهارها إما متجهمًة أو مدخنة شرهة، لكن كانت هناك صورة مكررة مهمة للحظة دخول مائير المستشفى عبر ثلاجة الموتى، حيث تلاحظ فى كل مرة أن إعداد أجساد الموتى فى ازدياد.
ومع ذلك، فإن شغف ناتيف بالمشروع وموضوعه الأساسى الذى كُتب كفيلم سياسى مثير للمناقشات والدراما التى جرت وراء الكواليس فى غرفة الحرب الإسرائيلية، جاء مخيبا للتطلعات إلى حد ما، كانت نيته المعلنة صنع الفيلم فى المقام الأول، وعلى حد تعبيره، تعريف الجمهور بـ «الإنسان الذى يقف وراء الأسطورة» وهى مائير، تلك التى نشاهدها تكافح مع حجم قرارات الحياة أو الموت التى يجب عليها اتخاذها، نحن ننظر إليها وهى تدير غرور كهول المحاربين الذين يشكلون مجلسها الحربى، نحن نرافقها وهى تفلت من آلام السرطان البدائية التى احتفظت بها سرا.
استطاعت ميرين استجداء الشفقة إلى جولدا ماثير وهذا الدور، هو أمر لافت للنظر.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات