مأزق مجموعة الإيكواس في إفريقيا - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 1:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأزق مجموعة الإيكواس في إفريقيا

نشر فى : الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 9:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 9:40 م
تواجه المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا ــ إيكواس ــ مواقف صعبة تمثل تحديا كبيرا فى المحافظة على وحدتها وتماسكها. فلم يسبق أن وجدت مجموعة إيكواس نفسها فى حالة من الانقسام من ناحية، واختلاف الآراء، وحالة من التردد ثم التراجع فى قراراتها، كما حدث منذ وقوع الانقلاب العسكرى فى النيجر فى 26 يونيو 2023 حتى الآن. وكان قرار إيكواس التهديد بالتدخل العسكرى لإحباط الانقلاب العسكرى وإعادة الرئيس المخلوع إلى السلطة ما لم يتراجع الانقلابيون بأنفسهم فى مهلة مدتها أسبوع واحد، قرار غير مدروس ولم يمكن ولا يتوقع تنفيذه حتى الآن.
قد أدى موقف إيكواس من الانقلاب فى النيجر والتهديد بالتدخل العسكرى، والذى إن كان لم يحدث فقد ظل احتمالا معلقا، إلى أن يشعر قادة الانقلاب فى النيجر، ومعهم قادة الانقلاب فى كل من مالى وبوركينا فاسو، بعدم الاطمئنان ودفعهم إلى التضامن وتوقيع اتفاق تحالف الساحل بين الدول الثلاث فى 16 سبتمبر 2023 فى باماكو ــ مالى، تعهدت بموجبه الدول الثلاث بمساعدة بعضها البعض فى حالة وقوع أى تمرد أو عدوان خارجى ضد أى منها، وتعمل على بذل الجهود لاحتواء المتمردين الذين على صلة بتنظيم القاعدة وداعش. وينص الاتفاق على أن أى اعتداء على سيادة وسلامة طرف أو أكثر من الأطراف الموقعة عليه، سيعد عدوانا على الأطراف الأخرى، وأن تقدم الدولتان الأخريان المساعدة بشكل فردى أو جماعى، بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية، وأن هدف هذا التحالف إنشاء إطار للدفاع الجماعى والمساعدة المتبادلة.
تجدر الإشارة إلى أنه سبق توقيع الاتفاق بين الدول الثلاث قيام نائب وزير الدفاع الروسى يونس بك يفكوروف بزيارة إلى مالى والالتقاء بوزراء دفاع مالى والنيجر وبوركينا فاسو فى باماكو. وقد ربط المراقبون بين هذا اللقاء ودور روسيا فى قيام هذا التحالف، وهو الأمر الذى يدل على أن روسيا لم تضع الفرصة وتحركت بهدوء وبسرعة لتضمن لها مكانا فى الفراغ الذى ترتب على خروج القوات الفرنسية من كل من مالى وبوركينا فاسو، وطلب قادة الانقلاب فى النيجر بخروج القوات الفرنسية من على أراضيها، وتستثمر روسيا حالة تصاعد العداء الشعبى فى الدول الثلاث ضد الوجود الفرنسى. ويتوازى مع هذا التحرك الروسى تحركات المنظمات الجهادية الإرهابية، وحالة الخلافات داخل مجموعة إيكواس، وحالة عدم الاطمئنان للدول الغربية التى تدعى إبداء مخاوفها على الديمقراطية فى المنطقة، بينما الحقيقة أنها تخاف على مصالحها.
• • •
تواجه الدول الثلاث تمردا جهاديا اندلع فى شمال مالى منذ عام 2012، وامتد إلى النيجر وبوركينا فاسو عام 2015. وقد أدى انتشار الجماعات الإرهابية فى دول الساحل وقتئذ إلى تأسيس ما يعرف بمجموعة الساحل، منذ نحو 10 سنوات، من مالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا، بالتعاون مع فرنسا، وهدف المجموعة التعاون فى مكافحة الإرهاب. ولكن توالى قيام الانقلابات العسكرية فى دول المجموعة أدى إلى إضعافها وابتعادها عن فرنسا، ثم يأتى الآن التحالف بين مالى والنيجر وبوركينا فاسو، ليضع نهاية لمجموعة الساحل ودور فرنسا فيها. وإن هذا التحالف الثلاثى الجديد ــ المعروف بتحالف الساحل ــ هدفه التعاون بين أعضائه لمكافحة الإرهاب، خاصة فى منطقة التماس الحدودى بين مالى والنيجر وبوركينا فاسو، وهى المنطقة الأكثر خطورة فى منطقة الساحل، حيث ظلت خلال السنوات الأخيرة بؤرة للحرب على الإرهاب التى تتخذها تنظيمات داعش والقاعدة قواعد خلفية لهم لانتشار الغابات والأنهار فيها، فهى منطقة وعرة يصعب على الجيوش النظامية اقتحامها لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
كانت الجماعات الإرهابية فى دول الساحل الأفريقية تتخذ خلال الفترة من 2016 ــ 2019 من شمال كوت ديفوار (ساحل العاج) منطقة مهمة للحصول على موارد التمويل، حيث كانت تمارس على الشريط الحدودى بين مالى وكوت ديفوار وبوركينا فاسو أنشطة غير شرعية، أبرزها سرقة المواشى والتنقيب عن الذهب لتمويل عملياتها. وقد استطاعت السلطات الأمنية لكوت ديفوار أن تخرجها من أراضيها، إلا أن خطرها ما يزال قائما، خاصة فى الأنشطة الاقتصادية والمالية لهذه التنظيمات الإرهابية، حيث إن أهم مواردهم ما تزال سرقة المواشى أو الحصول عليها من المربين مقابل حماية قطعانهم، هذا إلى جانب قيامهم أنفسهم بتربية الماشية، والزراعة والتجارة. وقد زادت ظاهرة الجماعات الإرهابية فى كل من مالى وبوركينا فاسو نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية فيهما.
قد لوحظ أنه مع قيام انقلابات عسكرية فى دول مجموعة الساحل التى تقودها فرنسا، ضعف فاعلية المجموعة فى مكافحة الإرهاب. كما أن مجموعة إيكواس لم تثبت فاعلية جماعية فى مكافحة الإرهاب فى الدول الأعضاء، ويتوقع أن تزداد عدم الفاعلية هذه الآن بعد سحب فرنسا قواتها من عدة دول، ومواجهة دول الانقلابات العسكرية مشكلات مزدوجة مع جماعات المتمردين، والجماعات الإرهابية، والجريمة المنظمة. وعلى سبيل المثال، يواجه جيش مالى ما يعرف بأنشطة «تنسيقية حركات أزواد» وهو تحالف يضم جماعات يهيمن عليها قبائل «الطوارق»، تطالب بالاستقلال أو الحكم الذاتى للمناطق المقيمة فيها. وأعلنت وزارة الدفاع فى النيجر أنه قتل نحو 37 جنديا فى كمائن بمنطقة جنوب غرب النيجر على الحدود مع بوركينا فاسو خلال شهر أغسطس 2023. وقد توقفت مشاركة القوات الفرنسية مع قوات النيجر فى مكافحة الإرهاب منذ أن أعلن المجلس العسكرى للانقلاب فى النيجر إلغاء الاتفاقيات الأمنية مع فرنسا ومطالبة قواتها بمغادرة أراضى النيجر. وبعد أن كانت جيوش كل من مالى وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر شركاء مع قوات الأعضاء الآخرين فى مجموعة إيكواس (15 دولة)، تم إيقاف عضوية الدول الأربع وفرضت عليها عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية من قبل إيكواس، وهو ما أدى فى نهاية المطاف إلى إضعاف قدرة الدول الأربع على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، رغم أن خطر الإرهاب يهدد الجميع.
• • •
إن مجموعة إيكواس بدأت منذ مايو 1975، وأهم أهدافها تحقيق التكامل الاقتصادى، وتعزيز التبادل التجارى، وتعزيز الاندماج فى مجالات الصناعة والنقل والاتصالات، والطاقة والزراعة والموارد الطبيعية، إلى جانب القطاع المالى والنقدى. وإيكواس لها عدة مستويات منها مجلس الرؤساء، ومجلس الوزراء، وبرلمان المجموعة، والمجلس الاقتصادى والاجتماعى، ومحكمة عدل خاصة بها وتبت فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكب خلال الصراعات فى الدول الأعضاء. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم، رفع قضية أمام محكمة عدل إيكواس يطالب فيها بحقه فى العودة إلى السلطة الدستورية الشرعية، وعدم شرعية الانقلاب العسكرى. هذا إلى جانب بنك إيكواس للاستثمار والتنمية، ومنظمة الصحة لغرب أفريقيا، ومجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب فى غرب أفريقيا. وتضم إيكواس تكتلين اقتصاديين نقديين هما الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا، والمنظمة النقدية لغرب أفريقيا. كما تم توقيع بروتوكولين يتناولان عدم الاعتداء والدفاع المشترك وإمكانية نشر قوة للفصل بين القوات المتحاربة فى حال قيام صراع بين دولتين عضوين، وإنشاء قوة للأزمات عرفت باسم قوة «الإكوموك» وهى التى تدخلت فى كل من غينيا بيساو فى 1997، وفى سيراليون فى 1998، وفى كوت ديفوار فى 2002 كقوات حفظ سلام (2002 ــ 2004)، وفى ليبيريا فى 1999 ــ 2003.
وقد جاء تهديد إيكواس بالتدخل العسكرى عقب وقوع الانقلاب فى النيجر فى ظل ظروف إقليمية ودولية مختلفة عما كانت عليه الأوضاع فى التسعينيات من القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين. وربما شجعها موقف فرنسا عقب الانقلاب فى النيجر برفض الانقلاب والتمسك بشرعية الرئيس المخلوع، وبقاء السفير والقوات الفرنسية فى النيجر بدعوى أنه ليس من صلاحيات الانقلاب إلغاء الاتفاقيات الأمنية مع فرنسا، وأن هذا من صلاحيات سلطة تشريعية منتخبة فقط. ولكن من الواضح أن فرنسا لم تحسن تقدير المتغيرات فى المنطقة من ناحية، والمشاعر الشعبية المعادية لوجودها كقوة استعمارية من ناحية أخرى. ولم يمضِ على الانقلاب العسكرى فى النيجر سوى شهرين حتى تراجعت فرنسا وسحبت سفيرها، وأعلنت استعدادها لبدء التفاوض على خروج قواتها (1500 جندى) من النيجر مع نهاية العام الحالى 2023. كما بدأت الولايات المتحدة المباحثات مع المجلس العسكرى فى النيجر بشأن أوضاع قواتها (نحو 1200 جندى)، وهل تبقى أم تخفض أم ترحل.
يلاحظ أن انقلاب النيجر، ثم انقلاب الجابون، أثارا مخاوف لدى رؤساء كل من الكاميرون، ورواندا، وغينيا بيساو، وموزمبيق، وقام كل منهم بتغييرات فى القيادات، خاصة الحرس الجمهورى، خوفا من الاقتداء بالحرس الجمهورى فى كل من النيجر والجابون والقيام بانقلاب.
تواجه مجموعة إيكواس، وهى أقوى المجموعات الأفريقية، مأزقا كبيرا ما بين انقسامات بين أعضائها، ووقف عضوية وعقوبات اقتصادية على دول الانقلاب، وعودة نشاط الجماعات الإرهابية فى ظل أزمات اقتصادية واجتماعية، وتزاحم القوى الكبرى لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الفرنسية. وهذا كله يتطلب إعادة تقييم سياسة إيكواس لتعطى اهتماما أكبر لمواجهة الإرهاب، والتعاون للتغلب على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسى، واستبدال العقوبات الاقتصادية ضد دول الانقلاب بالاكتفاء بوقف عضويتها فى المجموعة أسوة بالاتحاد الأفريقى، إلى أن تعود لنظام حكم وفقا للشرعية والديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات