الحكاية مش حكاية طنطـا - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكاية مش حكاية طنطـا

نشر فى : الأحد 4 يوليه 2010 - 11:12 ص | آخر تحديث : الأحد 4 يوليه 2010 - 11:12 ص
من المؤكد أن عائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة لم تكلف نفسها، أو لعلها لم تجد وقتا لانشغالها الدائم بحضور مؤتمرات دولية تلقن فيها الحاضرين دروسا فى حماية حقوق العمال، لم تجد وقتا يسمح لها بالاطلاع على حيثيات حكم شركة طنطا للكتان. لأنها لو فعلت وقرأت كلمات القاضى عن أن عمال مصر «فى عليين على أن يمس أى من كان بمقدراتهم». القاضى الذى لم يكن يوما عاملا فى أحد المصانع، أو لعله لم يسبق له أن شم رائحة دخان مصنع، وبالتأكيد لم تتح له فرصة أن يجرب النوم فى عنبر، مثل الوزيرة، نأى بالعمال على أن يمسهم أى من كان.

ولذلك لم يتوان هذا القاضى، الذى وعى القضية على حقيقتها، عن أن يستخدم مادة فى قانون العقوبات لم يسبقه إليها قاض آخر من قبل لحبس رجل الأعمال السعودى عبدالإله الكعكى، الذى اشترى الشركة قبل 5 سنوات من الحكومة، واثنين من مساعديه المصريين لمدة سنتين. وقضى بجانب ذلك بأقصى ما استطاع به القانون أن يسعفه من غرامة وهى 500 جنيه لصالح كل عامل لحق به ضرر.

وكأن القاضى لم يكن راغبا أن ينهى هذه القضية عند هذا الحد، فقد أهاب فى حيثيات الحكم بالمشرع المصرى أن يسبغ حماية قانونية على العامل. وأن يشدد العقوبة على كل من يمس أو يتلاعب بأجور العمال ومقدراتهم، لينزل به أقصى درجات العقاب لتحقيق الردع. لأنه وجد أن القانون رحيم بهم. أى أنه رأى أن السنتين الحكم و500 جنيه الغرامة غير كافيين لأخذ حق العمال.

وما كان من السيدة الوزيرة إلا أن أخذت هذا الحكم لتضعه فى درج مكتبها، ولتجرى بعدها مباشرة مفاوضات مع المستثمر السعودى. وفى أقل من شهر على الحكم كانت الوزيرة قد وجدت مخرجا للمستثمر من مأزقه. وهو ببساطة شديدة أن يدفع 50 ألف جنيه لكل عامل مقابل المعاش المبكر. أى أن الحل أن يقعد 450 عاملا فى بيوتهم ويتركوا مصنعهم سواء كانت لديهم الرغبة فى العمل، أو القدرة عليه. وكذلك أن يقبل العمال المفصولون والذين حكمت لهم المحكمة بالعودة للعمل أن ينسوا هذا الأمر تماما، ويتركنوا بجانب أطفالهم فى البيت منكسى الرءوس بعد أن نصرتهم المحكمة وكسر عينهم المستثمر والوزيرة.

وبالطبع لم تنس الوزيرة أن تشرح الاتفاق على أنه جاء بإرادة العمال ونزولا على رغبتهم. ولكن يبدو أن الوزيرة تغافلت أن النتيجة الحتمية لأى تفاوض، فى السياسة كما فى الاقتصاد، يبدأ منذ الجولة الأولى بوضع 99.9% من أوراقنا فى يد الخصم ونترك للشعب 0.1% عندها لا يصبح لدى الناس خيار سوى الرضوخ للأقل مرارة. فتنازل الوزيرة عن القضية يعنى على الفور أن تسقط حق الشركة القابضة فى أن تسترجع ملكية شركة طنطا من المستثمر الذى أوقفها عن العمل. يعنى التصالح أضر بالعمال وبنا أيضا نحن أصحاب المال العام المهدر بفعل القلوب الحكومية الرحيمة.

ويبدو أن الوزيرة أرادت أن تستغفر ربنا عن هذا التفاوض الهزيل فقررت أن تنظم رحلة حج لاثنين من العمال على حساب الوزارة، منها استرضاء للعمال، ومنها استغفار لربنا. ربما يقبل توبتها.

ولكن إذا كانت الوزيرة تستغفر ربنا بمكافأة الحج، فكيف تعتذر للقاضى الذى استنجد بالمشرع لكى يشدد العقوبة ليحمى العمال من رجال الأعمال عند منعهم من ممارسة العمل، فوجد الوزيرة تتصالح مع المستثمر وتضع يدها فى يده؟

وإذا اعتذرت الوزيرة للقاضى، فماذا ستفعل معنا نحن، الذين فرحنا بانتصار القضاء لنا، ولكل عاشق للعمل يرى مثل ما يراه المشرع ضرورة أن «يعاقب كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو اتخذ تدابير غير مشروعة للاعتداء على حق الغير فى العمل. ومن ضمن هذا الاعتدء حتى مجرد إخفاء أدواته، أو ملابسه، أو أى شىء يستعمله». فهل يعقل أن القانون يعاقب كل من أخفى ملابس أحد لكى يمنعه عن العمل، والوزيرة تتصالح مع من أوقف العامل، والمصنع، والصناعة، وقلوبنا.
okamal@shorouknews.com
أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات