إلى القرآن من جديد.. 5ــ السلام أصل - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد.. 5ــ السلام أصل

نشر فى : الجمعة 4 سبتمبر 2015 - 7:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 سبتمبر 2015 - 7:20 ص

لأسباب كثيرة –غير صحيحةــ تصور بعض المسلمين أن الإسلام يعتبر الدنيا ساحة حرب وقتال، وهم بهذا يتجاوبون –من حيث لا يشعرون ــ مع ما تدعيه الصهيونية العالمية من أن الإسلام دين عنف وقتال، وأنه لولا السيف ما انتشر الإسلام. وهؤلاء المسلمون –غفر الله لنا ولهم ــ قد حرفوا الكلم عن مواضعه ومن بعد مواضعه، فلم يسألوا أنفسهم: كيف يكون اسم الدين هو «الإسلام» ثم يدعو للعنف أو حتى يعتمد العنف وسيلة من وسائل الحياة؟!

ولم يسألوا أنفسهم لماذا اتخذ الإسلام شعارا له يرفعه المسلمون دائما عند التقائهم بأى إنسان ثم بعد انصرافهم من أى لقاء، وهذا الشعار هو «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». فهل يرفع المتدين شعار «السلام» ثم يركن إلى العنف ؟! بل ولقتال الناس لإكراههم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو القتل !!! وهنا تأويل لآيات القرآن وتحميل لها بما لا تحتمله فضلا عن أنه انتزاع جملة من النص من سياقها وتوظيفها فى غير المراد منها.

ــ2ــ
ولما لم يحقق هؤلاء رغبتهم فى شيوع أقاويلهم لجأوا إلى ميدان آخر هو الحديث النبوى، ورددوا روايات موضوعة ومحرفة ونسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدا بيده، ولم يبعث جيشا لينشر الدين..إنما خرجت جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم لثلاثة أغراض لا رابع لها. أولها استرداد ما أخذ منهم أو رد العدوان الذى وصل إلى حدود دولته، مثل (بدر/ أحد/ الخندق). وثانى أسباب خروج الجيش هو تأديب المتمردين على دستور الدولة (وثيقة المدينة)، ودبروا لتخريب الدولة واعترفوا بذلك – ورغم ذلك فإن النبى والمسلمين معه قبلوا رحيل «قينقاع» و«النضير» وخرجوا من المدينة دون أدنى أذى، أما فى «قريظة» فرغم اعترافهم بأنهم –عن عمدــ قد فتحوا ثغرة للأحزاب لينفدوا منها ويقتحموا المدينة، ورغم تلك الخيانة فقد طلبوا التحكيم وفوضهم رسول الله فى اختيار الحكم فطلبوا هم الحكم بمحض إرادتهم، وكان سعد رضى الله عنه فحكم بقتلهم فكان ذلك.

أما السبب الأخير لخروج جيش بأمر النبى، فهو تطهير «منطقة الحرم» لا غير من الأوثان ومظاهر الشرك، وهى منطقة محدودة جغرافيا، أما غير ذلك، فكان ردا للعدوان وتأديبا للمعتدى لا غير.

ــ3ــ
وحاول هؤلاء المتوهمون أن يصطنعوا بعوث أبى بكر وعمر وعثمان أنها كما يزعمون «جهاد طلب»!!! فهذاادعاء لا يستند إلى فقه صحيح، فجيوش هؤلاء الخلفاء خرجت باسم الفتح، ليس لنشر دعوة، بل لتحرير الشعوب المستذلة وقتها من قبل الفرس والروم. هكذا خرج الرومان من مصر والشام، ومازالت الشريعة المسيحية مستقرة فى الشام ومصر، حيث إن الفتح الإسلامى لم يشهد صراع المسيحية ولا اقصاءها..كذلك تم تحرير العراق من جبروت فارس..لكن المسلمين اضطروا لملاحقة فارس داخل ديارها (إيران) لتكرار معاودتها وتربصها وتحين الفرص للانقضاض على حدود المسلمين مرة أخرى.

ــ4ــ
وختاما نريد أن نقرر أن الجهاد نظام اجتماعى سياسى بالدرجة الأولى ما لم يضطر المسلمون لرد عنف حربى ليس إلا...لهذا نكرر أن الجهاد مظلة عامة تضم الحوار والتعارف والتعاون ثم المدافعة للظلم والظالمين ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَهِ النَاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَ اللَهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ)) ثم الحرب بأنواعها الدبلوماسية والاقتصادية والعلمية، فإذا أصر العدو على التمادى فى العدوان، فليس إلا القتال الذى أمر به الله ردعا للعدوان، والذى أمر الله بإعداد العدة تحسبا لوقوعه..(( وَأَعِدُوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللَهِ وَعَدُوَكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللَهِ يُوَفَ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)) وهو كما ترى فى الآية لإعلام العدو بقوة المسلمين حتى لا يتورطوا فى العدوان فيكون القتال.

ــ5ــ
لذلك فإن الخطاب الدعوى المفتقد وخطاب اعتماد السلم والأمن والسلام الدولى أساسا للتعامل بين المسلمين وبين سائر الشعوب، وأيضا يعتمد الإسلام القوة المسلحة كوسيلة أخيرة لرد العنف العسكرى إذا حدث.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات