لقاء فى رحاب البابا تواضروس - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لقاء فى رحاب البابا تواضروس

نشر فى : الجمعة 6 أبريل 2018 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 6 أبريل 2018 - 8:35 م

اعتادت قيادات الكنيسة الإنجيلية بمصر أن يقوموا فى كل عام بزيارة قداسة بابا الكنيسة الأرثوذكسية ليقدموا له التهنئة بالعيد سواء كان عيد ميلاد السيد المسيح أو عيد القيامة المجيد كما يؤمن به جميع المسيحيين فى كل العالم، وقد بدأ هذا التقليد د. القس صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية الأسبق منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى. وكان حبيب شخصية استثنائية سواء فى مصريته ووطنيته التى تضرب فى جذور التراب المصرى أو فى شخصيته الكاريزمية أو إنجازاته حيث أسس الهيئة القبطية المصرية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ومن خلالها استطاع أن يخدم تراب هذا البلد وناسه من كل الأطياف والأديان لدرجة أن أطلق اسمه على مدرسة فى قرية سكانها من المسلمين.

وكانت فرصة تقديم تهنئة العيد لقداسة البابا شنودة من أروع الفرص التى فيها نتحاور دينيا وثقافيا وسياسيا حيث كان يتمتع والبابا شنودة بحضور طاغ ووطنية ملحوظة وثقافة عميقة، وقد رافقت د. حبيب والذى كان يحرص على أن تكون جلسة حوار صحى بين الكنيستين. جاء من بعده د. القس صفوت البياضى واستمرت هذه الزيارات. بعد وصول د. القس أندريا زكى إلى رئاسة الطائفة حدثت طفرة فقد قام بتوسيع الوفد ليشمل بجوار قيادات الكنيسة الإنجيلية المشيخية أكبر الكنائس الإنجيلية فى مصر بعض قيادات الكنائس الإنجيلية غير المشيخية من أعضاء المجلس الملى الإنجيلى العام. ولأن د. القس أندريا زكى يعتبر بالنسبة لرؤساء الطوائف والكنائس شابا فى مقتبل العمر لذلك جعلنا نلهث وراء أنشطته الكثيرة والمتعددة وحركته الدءوبة التى لا تتوقف، وهكذا تحولت زيارة العيد لقداسة البابا تاوضروس إلى صالون ثقافى روحانى، ومما جعل هذه الجلسة أكثر متعة وثراء إصرار د. أندريا على أن يكون هناك حوار متجدد فى كل مرة، هذا من ناحية.

***

أما من الناحية الأخرى فكان ترحيب البابا تواضروس بالحوار وإعطاء الوقت والمساحة الكافية لذلك، وحيث يعتبر البابا تواضروس من أكثر البابوات فى تاريخ الكنيسة المصرية ــ رغم قصر الزمن الذى قضاه فى البابوية حتى اليوم ــ استطاع وبثقة أن يبنى علاقة متوازنة وصحية بينه وبين رئيس الدولة الرئيس السيسى وبينه وبين شيخ الأزهر، هو ما دعانى لتوجيه سؤالى له قائلا: عادة ما تكون العلاقة بين رئيس الدولة ورئيس الكنيسة هى مقياس أو ميزان الاستقرار فى الدولة، صعودا وهبوطا، وأردفت أن العلاقة بينكم وبين الدولة فريدة من نوعها فلأول مرة فى التاريخ تقوم الدولة ببناء كاتدرائية للأقباط، لقد حدث فى أيام الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس أن تبرع الرئيس بمائة ألف جنية لبناء الكاتدرائية فى العباسية وهو مبلغ ضخم بمقاييس عصرها، لكن أن تتبرع الدولة بالأرض والبناء فهذا أمر تاريخى غير مسبوق، ثم أن تقوم رئاسة الجمهورية بوضع زيارة معظم الوفود التى تقوم بزيارة رئيس مصرفى برنامجها زيارة البابا والكاتدرائية فهذا أيضا أمر غير مسبوق. من هنا بدأ البابا تواضروس بهدوءه العجيب وابتسامته التى تخترق القلب يتحدث عن تعرفه على المشير عبدالفتاح السيسى قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، وكيف أنه أعجب بشخصيته المتوازنة السمحة الجميلة.

وقد حكى له المشير السيسى أنه تربى فى بيت كان أقرب صديق وجار لوالده مسيحيا وكانت الأسرتان تعيشان معا فى حب ووئام مصرى حقيقى وأن هذه العلاقة هى أحد مكونات شخصيته، ثم تحدث عن الظروف التاريخية العجيبة التى أتت به بابا بعد البابا شنودة حيث كان بعيدا عن الصورة تماما لكنها الإرادة الإلهية وتصادف بعد انتخابه مباشرة انتخاب محمد مرسى رئيِسا للجمهورية، وقال مبتسما إن الرئيس محمد مرسى هو الذى وقع اعتماد تعيينه بابا وبطريركا للكرازة المرقسية، وأردف كنا نتمنى أن يقود البلاد بطريقة أفضل مما فعل فنحن لا نعترض على أى شخص ينتخبه المصريون لكن الفارق يحدث فى طريقة الأداء وإذا كان قد أدار البلد بحكمة وسياسة مقبولة من الجميع كنا سنستمر مشجعين له، لكن أداءه لم يكن على المستوى المطلوب ليس بالنسبة للمسيحيين فقط لكن للشعب المصرى كله حتى أن الذين انتخبوه رفضوه بعد عام، ثم بدأ الحديث عما حدث بعد فض ميدان رابعة العدوية وكيف انطلق الإرهابيون يحرقون الكنائس ويدمرون أكثر من مائة كنيسة على مستوى الجمهورية، وكيف أن مسلمين كثيرين كانوا يدافعون عن الكنائس ولولا ذلك لتضاعف العدد، وتحدث أنه كيف كان رد فعله هو والأقباط فى مصر من امتناعهم حتى عن الشكوى واعتبروا أن ما حدث يجب استيعابه لأجل مستقبل الوطن، ثم ردد مقولته المأثورة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وشرح كيف أن الوطن هو الأساس ولولا الوطن ما كانت الكنائس، وفجأة ظهرت على وجهه بعض المرارة واختفت ابتسامته وهو يتحدث عن أولئك الذين انتقدوه بسبب هذه المقولة، وبالطبع نحن نتابع وبدقة أن وجود البابا على رأس الكنيسة لم يكن على هوى البعض، وهم يرون أن السلام الداخلى الذى يتمتع به وعلاقته السوية سواء مع الدولة أو قيادات الأزهر أو القيادات الكنسية للطوائف غير الأرثوذكسية هو خطر عليهم وعلى الكنيسة الأرثوذكسية مع أنه ثبت عبر التاريخ أن المسيحية بسماحتها وحضنها الدافئ لكل العقائد المختلفة وشركاء الوطن هى الحصن الحصين لأمن وسلامة الوطن والمصريين جميعا.

***

وحكى قصتين فى منتهى الأهمية واحدة كانت إحدى مكونات شخصيته، والثانية كانت إحدى مكونات شخصية الإيمان المسيحى والتى أبهرت العالم كله، الأولى أنه وهو يدرس فى إنجلترا والبابا حاصل على بكالوريوس الصيدلة كان زميله إنسانا هنديا من طائفة السيخ، وطائفة السيخ لا تعبد الله الواحد، أو لا تعتبر من الديانات الإبراهيمية فهى منشقة عن الهندوسية ورمزها الأسد وكل اسم لمولود ينتهى بكلمة «سنج» أى الأسد، يقول البابا أن علاقته بهذا الرجل السيخى هو وزوجته كانت قوية ومملوءة بالمحبة الحقيقية، وعند افتراقهم فى نهاية الدراسة أراد أن يعطيه هدية وكان معه صليب من الجلد فقدمه له فجاء له ثانى يوم وطلب واحدا آخر لزوجته ولم يكن معه، فقام بعمل صليب يدوى من البلاستيك ويقول إن علاقته بهذا الشخص السيخى مازالت قائمة حتى اليوم، وبالطبع هذه القصة تعطى دلالات قوية وعميقة عن شخصية البابا التى تتسع للإنسان كإنسان بغض النظر عن معتقداته، فمن الأمور المدمرة فى الديانات الإبراهيمية هو ادعاء بعض معتنقيها امتلاك الحقيقة المطلقة، ورفض الآخر سواء كان إبراهيميا أو غير إبراهيمى، أما أن تتسع ساحة قلب الإنسان لكل إنسان لمجرد أنه إنسان فهذا لم يفعله فى التاريخ سوى شخص المسيح والأنبياء وشخصيات تعتبر استثنائية على رأسهم غاندى.

أما القصة الثانية التى كان يحكيها وعيناه تلمعان وابتسامته لا تفارقه وهدوء النفس يسيطر على الموقف قصة الشهداء المسيحيين فى ليبيا والذين قام بذبحهم تنظيم داعش وقال إن هذا الحدث قدم المسيحيين المصريين للعالم كما لم يُقدموا من قبل على طول الألفى عام الماضية، لقد قام الداعشيون بإخراج عملية الذبح لهم بطريقة سينمائية بها تقنية عالية جدا سواء فى التصوير أو فى الإخراج وقد جذب هذا الفيديو أنظار العالم كله بكل فئاته دون استثناء ولو كان مسيحيو مصر فعلوا المستحيل لكى يوضحوا أنفسهم وتمسكهم بإيمانهم للعالم قاصدين لما استطاعوا أن يؤثروا واحد على مائة أو ألف مما أثر به هذا الفيلم لقد أوضح هذا الفيلم بخلفيته (البحر) وألوانه التى أصروا على أن يحولوا ماء البحر إلى اللون الأحمر وأن يسوقوهم كالأغنام وأن يذبحوهم أمام عيون العالم كله وهم عمال فقراء أغلبهم من الأميين إن لم يكونوا كلهم ولم ينكروا إيمانهم، لقد كان من السهل عليهم أن ينكروا إيمانهم ولو مؤقتا لإنقاذ حياتهم ولم يكن أحد يستطيع أن يدينهم على ذلك لكنهم رفضوا. فقدموا صورة تاريخية نادرة وحازوا على تعاطف العالم كله ضد همجية داعش ولقد نصح كثيرون البابا أن يخرج ويتحدث عن هؤلاء مستغلا الحدث سياسيا لكنه فضل الصمت لأن الحدث له دلالاته الواضحة وأى كلام تعليقا عليه سوف يضعف تأثيره ويشوهه. آخر لقطة حكى أنه فى افتتاح الكاتدرائية الجديدة أراد أن يشكر الرئيس السيسى فقال: شكرا يا سيدى الرئيس على ما تفعله معنا، هذه الكاتدرائية العظيمة فوقف السيسى ورفع قبضة يده قائلا بحماس شديد: يا قداسة البابا هذا حقكم، هذا حقكم.

شكرا الرئيس السيسى، شكرا قداسة البابا تواضروس، شكرا د. القس أندريا ذكى أعطيتمونا دقائق فيها تنسمنا هواء نقيا نتمنى أن يتنسمه كل مصرى على أرض مصر.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات