الإنسان ذلك المعلوم 4-مخلوق عاقل - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 4-مخلوق عاقل

نشر فى : الجمعة 7 فبراير 2014 - 2:40 م | آخر تحديث : الجمعة 7 فبراير 2014 - 2:40 م

-1-

العقل ملكة مخلوقة وجزء ثابت من حقيقة الإنسان وفطرته، وحينما ننظر فيما حولنا من المخلوقات، نجد "الجماد" راسخا ثابتا مثل (الحديد/ الحجر/الأرض إلخ)، ولكن انظر إلي الأرض حينما يتصل بها الماء فتحيا وتزدهر ((وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)) يس (33)..ثم تستطيع الأرض بعد ذلك أن تلد كائنا حيا آخر، أكثر تميزا وهو "النبات". فالنبات متميز عن الأرض بخاصية "النمو"، وهذا النبات يتغذي عليه كائن أرقي منه هو الحيوان، والحيوان يتميز علي الأرض بأنه ينمو، كما يتميز علي النبات بأن الحيوان يتحرك في جميع الاتجاهات أما النبات فحركته محدودة، لكن "الإنسان" يتميز علي كل تلك المخلوقات بأنه جسم ينمو ويتحرك ويزداد عليها جميعا بالعقل.

فإذا كانت الأرض بلا عقل، لكنها تحمل وتتحمل جميع المخلوقات، وتعطي الجميع ما يريد من غذاء، بل إنها تحفظ الماء، وهذه الأرض لا تزيد عن كونها جماد، فهل يسأل الإنسان نفسه: "ماذا تعطي لغيرك أيها الإنسان؟" "ألا تستحي أن تكون أدني من الأرض؟" فهي تعطي، أما أنت فلا عطاء منك!! فأين مظهر سيادتك أيها الخليفة؟

والنبات يرضي أن يهلك ويموت ليحيي به الحيوان والإنسان، فلا يمتنع النبات أن يغذي حيوانا أو إنسانا بلا مقابل يعود عليه، فلماذا أيها الإنسان تنتفع بالنبات ولا ينتفع بك أحد؟ فأين عقلك ليدلك كيف تبقي سيدا بين المخلوقات؟ فأقل مميزات السيادة أن تكون سببا في نفع غيرك، وحتي تنفع غيرك لابد أن تنفع نفسك، فإذا استطعت أن تنفع غيرك دون أي أضرار فقد أشبهت النبات، أما إذا استعملت عقلك فإنك تنفع غيرك وتنفع نفسك بالمحافظة عليها وبقائها حية صالحة.

هل فكرت أيها الإنسان أن تنفع النبات كما نفعك؟ فهلا أجريت أبحاثك العلمية الدقيقة لتجعل النبات أكثر إنتاجا بشرط أن يكون أكثر صحة وأكثر غذاءا ولا يسبب أية أضرار للبيئة أو للإنسان؟ إذا حاولت ذلك فإنك تثبت أنك عاقل تستحق أن يخدمك النبات.

كذلك تري عالم الحيوان يتخصص في إسعادك أيها الإنسان، فمنه تأكل وعليه تركب،((وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ(6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(7) )) النحل (5-7) ، وعالم الحيوان يعلمك ألوانا من الحركة (مشيا/ ركضا(جريا)/ قفزا/ عدوا/ طيرانا/ إلخ) ، كما يمتعك عالم الحيوان بجماله سواء الحيوانات المستأنسة أو تلك التي في الغابات...وكل ذلك يبذله الحيوان للإنسان دون مقابل، بل وبطيب نفس (ألم تري الحيوان لا يمتنع أن تذبحه فتنتفع به أو أن تأخذ صغاره فتأكلها إلخ؟) ، بل إن الحيوان لا يمتنع عن عطاء الإنسان مهما كان لونه أو لغته أو عقيدته. فها فكرت أيها الإنسان أن تنفع الحيوان نفعا حقيقيا كما نفعك دون أية أضرار أو آثار جانبية؟

-2-

هكذا يكون التفكر فيما بين السماوات والأرض، تري كل المخلوقات تنفع وتعظم النفع، وكل المخلوقات تنتج وتزيد الإنتاج، أما أنت أيها الإنسان فلا تنفع غيرك، وربما تضر نفسك، وأنت تستهلك ولا تنتج، أفلا يستحيي الإنسان من نفسه؟!

أيها الإنسان أنت – بين الكائنات –السيد المطاع، وأنت الخليفة الآمر الناهي، وأنت المستثمر وأنت المستفيد، فأين قدراتك علي الإعمار؟ بل أين مواهبك العالية (العقل/ القلب)؟!

-3-

فإذا أراد الإنسان أن يعلن تفوقه وتميزه فلابد أن يكون للتفوق والتميز معايير مقبولة، فتعال معي نضع معاييرا تثبت أن الإنسان مخلوق عاقل يستحق السيادة علي الكائنات، وأهم هذه المعايير هي:

1- أن تتحمل –أيها الإنسان - غيرك بـ"الصبر والحلم" كما تتحملك الأرض حيا وميتا.

2- أن تمد غيرك بـ "مقومات الحياة" كما يمدك النبات بالغذاء والكساء والدواء والزينة والرفاهية.

3- أن تنفع "غيرك" كما ينفع الحيوان غيره فيساعده علي حمل أثقاله، وإذا أصابك الغرور ورأيت أنك تفوقت علي الحيوان بصنع وسائل النقل الجبارة التي قد تغنيك عنه، فلابد أن تكون منصفا وتتذكر أن الحيوان حينما حمل الأثقال، حملها ولم يفسد البيئة بما يضرها، بل إن "روث الحيوان" يعالج "تربة الأرض" وينفعها، أما مخترعاتك أنت أيها الإنسان فرغم تميزها إلا أنها أصابت البيئة بما تعلم من (عادم احتراق الوقود/ الضوضاء/ حوادث السرعة/ ارتفاع التكلفة) فأين عقلك أيها الإنسان؟! فهيا نراجع أنفسنا...
يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات