هل يتسبب كورونا فى أزمة اقتصادية عالمية؟ - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يتسبب كورونا فى أزمة اقتصادية عالمية؟

نشر فى : السبت 7 مارس 2020 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 7 مارس 2020 - 9:05 م

منذ بدأت الصين فى الإعلان عن انتشار فيروس كورونا فى منطقة يوهان الحيوية اقتصاديا، بدأ المحللون الاقتصاديون والماليون والمضاربون فى محاولة استنتاج تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمى وأسواق المال. لم يواجه العالم أزمة اقتصادية منذ أكثر من عشر سنوات. بالتحديد منذ الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ و٢٠٠٩. منذ ذلك الحين وعلى مدار السنوات الإحدى عشرة الماضية كانت البنوك المركزية هى التى تواجه أى تأثير سلبى فى الاقتصادات العالمية، وخاصة الاقتصاد الأمريكى، بضخ أموال طائلة بفوائد منخفضة جدا حتى تنعش الأسواق. لذلك استنتج الكثيرون أن تخطى تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمى سيكون سريعا، وتوقع الأغلبية وبالذات فى الدوائر الرسمية الصينية أن عودة الاقتصاد للنشاط الطبيعى سيكون سريعا جدا وتصبح الأزمة والعودة منها أشبه بحرفV فى اللغة الانجليزية.
فى النصف الثانى من شهر يناير الماضى بدأنا ننظر إلى التأثير المحتمل للفيروس ووجدنا الآتى:
١ــ تسبب الفيروس فى قطع سلاسل التوريد Supply Chains للعديد من السلع والصناعات فى العالم وليس فقط فى يوهان. عندما ننظر لمدى تعقيد سلاسل التوريد العالمية ونقارن بينها وبين حالتها فى أوائل القرن الجارى عندما ضرب فيروس سارس الصين عام 2003، سنجد أن الشبكة أصبحت أكثر تداخلا وتعقيدا. بالذات الصين، التى كانت صاحبة الاقتصاد السادس من حيث الحجم فى العالم واليوم هى تنافس على المركز الأول مع أمريكا. أى أن الصين أصبحت محورا حيويا من محاور الاقتصاد العالمى.
2ــ الاحتياطات التى تم اتخاذها ليست إجراءات يتم التخلص منها بين يوم وليلة. إذا تخيلنا أن الفيروس بدأ فى الانحسار من الصين اليوم، فكم من الوقت حتى يختفى تماما وكم من الوقت بعد اختفائه حتى تفتح الدول المختلفة الأجواء مع الصين. واذا بدأ انتشار الفيروس خارج الصين، ألا يحق للصين فى فترة انحسار المرض لديها ان تغلق أجواءها مقابل الرحلات القادمة من البلاد التى أصبحت تعانى من المرض حديثا؟
3ــ فى عام ٢٠٠٣، استمر تأثير سارس على الأسواق العالمية حوالى ستة أشهر حتى بدء انحسار الوباء وكان تأثيره على الأسواق عنيفا وسريعا فى البداية ثم بدأت الأسواق فى التعافى ببطء. ولكن كورونا ليس سارس، فهو أكثر انتشارا حتى اذا كانت نسبة التعافى منه مرتفعة ونسبة الوفيات بسببه أكثر انخفاضا ولكنه يبقى فى مجمله أشد فتكا.
إذن حتى فى الأيام الأولى لانتشار الفيروس كنا نستطيع أن نرى أن الأزمة التى سيخلقها سوف تكون مختلفة عما شهده العالم من أزمات اقتصادية على مدى العقد السابق. سيكون التأثير عميقا حتى لو كان عمره قصيرا، وسيعنى فى أفضل الأحوال فقدان نتائج أعمال ربع كامل من ٢٠٢٠ من اقتصادات العالم وشركاته ومؤسساته. فى أسوأ الأحوال، قد يتحول الفيروس لطاعون حديث يودى بحياة ملايين البشر. نرجو من الله السلامة للجميع.
الاعلانات الأولية التى أعلنتها كبرى الشركات العالمية عن توقعاتها عن تأثير الفيروس على نتائجها كانت مقلقة. نبه الخبير الاقتصادى محمد العريان أن تأثير الفيروس قد يكون من ناحية العرض والطلب معا وهذا شيء غير معتاد. شركة آبل مثلا أعلنت أنها تتوقع أن الطلب سيتأثر فى الصين بالذات وأيضا أن الانتاج سينخفض بسبب صعوبات سلاسل التوريد التى تمر كلها عبر الصين. وبينما أعلن البنك الفيدرالى الأمريكى فى بداية الأزمة أنه لا يعتبر الأزمة طاحنة بعد أن كان من الواضح أن اللحظة الحاسمة قادمة سريعا وأظهرت تحليلاتنا أن الفيدرالى سيقوم بخفض الفائدة فى موعد أقصاه شهر ابريل وقد يكون أقرب من ذلك كثيرا، وبالفعل قام بالتخفيض فى الأسبوع الأول من مارس. تحليلاتنا منذ يناير كانت تقول إن الفيدرالى سوف يخفض الفائدة وسوف يفتح خزائنه لمواجهة التأثير الاقتصادى للفيروس ولن يكون ذلك كافيا. فالتأثير الأكبر للفيروس على الاقتصاد الفعلى، أى على حركة البضائع والأشخاص، أما الفيدرالى فيتحكم فقط فى حركة الأموال. لذلك اذا لم يكن هناك حركة فعلية فلن تفيد حركة الأموال ولكنها ستساعد على العودة السريعة لوتيرة الأداء المعتادة بعد انحسار الوباء. فى نفس الوقت، أصاب أسواق التمويل الدولية شلل قد يكون مؤقتا وأسعار الفائدة فى ارتفاع خاصة للدول النامية والشركات الضعيفة نسبيا لأن مستوى المخاطرة ارتفع.
فى المقابل، الأخبار الآتية من الصين عن حركة البضائع بالنسبة للصناعات الثقيلة بدت ايجابية ويبدو أيضا أن الحركة بدأت تسير بالشكل المعتاد. لم تكن الأسواق فى أوج تألقها لهذه الصناعات قبل الفيروس فعودتها لمستوى أدائها السابق ربما لم يكن شديد الصعوبة. أما التأثير فى باقى الأسواق فقد كان أكثر وضوحا. فانهيار أسعار النفط وتوقع انخفاض الطلب من بين المؤشرات الجلية للصعوبات الاقتصادية القادمة. سوف يمتد التأثير الاقتصادى لمصر بالتأكيد. سمعنا فى الأسابيع السابقة عن بعض التباطؤ فى توجه السيولة لسوق الدين المصرى وتسبب ذلك فى توقف مؤقت لارتفاع سعر الجنيه مقابل الدولار. كذلك سعر الفائدة المطلوب على اذون الخزينة ارتفع قليلا ولكنه ما زال فى المستوى المقبول. البورصة المصرية طلبت من الشركات العاملة موافاتها ببيان تأثير الفيروس على عملياتها وجاءت أغلب الردود أنهم لا يتوقعون تأثيرا يذكر على العمليات. لكن التأثير على قيمة الاستثمارات والأسهم سيأتى بالتأكيد. ماذا يعنى هذا؟ معناه انه آن الأوان للتخطيط لأسوأ الاحتمالات والاستعداد لها حتى وان لم تتحقق. يجب أن نستعد للحظة قد تأتى تصاب فيها أسواق التمويل العالمية بشلل مؤقت قد يطول أو يقصر ولكن فى كل الأحوال يجب أن يكون التخطيط للسيناريوهات القادمة ضمن أولوياتنا حتى نستطيع العبور بسلام على المستوى الاقتصادى من هذه المحنة العالمية.

مدير صناديق استثمار دولية

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات