البرادعى فى عين العاصفة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرادعى فى عين العاصفة

نشر فى : الإثنين 7 ديسمبر 2009 - 10:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 ديسمبر 2009 - 10:21 ص

 من أجواء البرد والصقيع التى تلف فينا فى ذلك الوقت من السنة، جاء بيان الدكتور محمد البرادعى المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، ليفجر عاصفة هوجاء فى مصر، لمجرد أنه أراد أن يوضح للقوى السياسية، التى طالبته بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، طبيعة الشروط التى يرى ضرورة توافرها للقبول بهذه المحاولة. ومن الواضح أن البرادعى قد أراد بذلك أن يضع حدا لسيل بدأ ولا يكاد ينتهى، من المطالبات والتكهنات، التى أخذت تملأ فراغ الجو السياسى المقبض فى مصر.

والقارئ بموضوعية ودقة للبيان، يشعر أن الرجل قد أراد من ناحية أن يؤكد استعداده للعمل من أجل خدمة وطنه بالترشح لهذا المنصب. ولكنه أراد من ناحية أخرى أن يوضح لهؤلاء الذين يلحون عليه بالقبول، استحالة تحقيق هذا المطلب إلا إذا توافرت ضمانات الديمقراطية والشفافية فى الانتخابات الرياسية المقبلة. ولن تتحقق هذه الضمانات فى رأيه إلا بشروط خمسة، هى: إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة لتنظيم العملية الانتخابية. والإشراف القضائى الكامل على الانتخابات. ووجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة. وفتح باب الترشيح لجميع المصريين دون قيود. وأخيرا تنقية الجداول الانتخابية.

وتعليق الجواب على شرط أو شروط مستحيلة التحقيق على أرض الواقع هو بحكم المنطق استبعاد للقضية برمتها. وهو كما نرى ما حدا بقيادات الوطنى إلى الهجوم الشرس على البرادعى، فاتهموه بشتى الاتهامات التى تراوحت بين ازدواجية الجنسية والعمالة للغرب، أو فى أهون الاتهامات بمحاولة فرض شروط خيالية بعيدة عن الواقع والقيام بانقلاب دستورى. وطالبه أحدهم بأن يعود لمصر أولا، ويكف عن تلقين المصريين دروسا.. لأن فترة غيابه الطويلة خارج مصر، جعلته لا يعرف حجم المتغيرات، التى شهدها الواقع السياسى المصرى، وفى مقدمتها تلك التعديلات الدستورية الملهمة، واللجنة القومية المستقلة التى تنظم جميع الإجراءات الانتخابية. وبعبارة أخرى فلا مجال للبحث عن ضمانات أو شروط جديدة، ولا مجال للتشكيك فى نزاهة العملية الانتخابية المصرية، كما تدعى القوى المعادية لمصر!

هل معنى ذلك فعلا أن البرادعى يطالب بشروط مستحيلة، لا مثيل لها فى النظم الديمقراطية الأخرى فى العالم.. وهل يغيب فعلا عن إدراكه أن مثل هذه الشروط يتطلب لتحقيقها إيمان جماعة الحكم بالديمقراطية وتبعاتها، وتوافق القوى السياسية على ضرورة تصحيح العوار الكامن والظاهر فى الحياة السياسية، وتمكين الشعب من ممارسة حرياته وحقوقه السياسية دون وصاية أو إملاء، ودون تزوير أو قمع!

لا يوجد أدنى شك فى أن البرادعى يدرك ذلك تماما. ولذلك فهو يطرح هذه الشروط التى يعرف كل عاقل أنها لن تتحقق بين يوم وليلة، وأنها تحتاج إلى وقت وجهد لتنفيذها وإلى تغيير فى الآراء والعقلية ويضاعف من صعوبة الموقف أن البرادعى يبدو كمن يصرخ فى البرية.. لأن أحزاب المعارضة ليس لها موقف أو رأى حاسم. وأنها كما وصفها د. حسام عيسى أستاذ القانون مجرد أجنحة للحزب الحاكم، لا يهمها غير التفاوض على 4 أو 5 مقاعد فى مجلس الشعب.

لقد كنت من الموقنين منذ بدأت «هوجة» الحديث عن الترشح للرياسة، والمزاد الذى تنافست فيه قوى سياسية عديدة لترشيح شخصيات مرموقة تحظى باحترام الشعب المصرى، طرحت فيها أسماء البرادعى وعمرو موسى وزويل وغيرهم، إن المسألة لا تعدو أن تكون تعبيرا عن السخط وعدم الرضا عن الأوضاع والممارسات الانتخابية الراهنة، ولا عن الأسماء والشخصيات التى يتردد أن الحزب الوطنى بصدد تمكينها بأساليب ملتوية، من الصعود إلى أعلى مراتب الحكم بالتوريث أو بغيره. وفى اعتقادى أن كل هذه الترشيحات كانت بمثابة صرخة احتجاج أو حشرجة شعبية تعبيرا عن رفض ما هو قائم، والتأكيد على أن لدينا فى مصر ما هو أفضل منه، لو نظرنا حولنا وأعدنا ترتيب الأمور طبقا لقواعد الحكم الرشيد والديمقراطية الحقيقية.

عند هذا الحد كان يمكن أن تهدأ العواصف وتسكن الزلازل التى ما أظن أن الرجل كان يتوقعها. فعلى الرغم من أن من حق كل مواطن مصرى أن يقول رأيه فى أفضل السبل المؤدية للإصلاح السياسى وإقامة حكم رشيد. إلا أنها حين تأتى من مصرى يحظى بمثل هذه المكانة الدولية، ولديه أرضية واسعة من الثقة الشعبية.. فهو فى نظر زبانية الحكم قد اقترب من قدس الأقداس، ونطق بالأهوال التى يرددها عملاء الغرب، حول نزاهة الانتخابات وتعديل الدستور، وكل ما يضفى على الحياة السياسية مصداقيتها.

ربما كان الخطأ الذى وقع فيه البرادعى، أنه صدق أصوات الضجيج الحزبى والسجال السياسى والخطب المنبرية، التى ملأت الساحة فى مصر حول أزهى عصور الحرية والديمقراطية، فسارع إلى الرد على الذين يطالبونه بدخول المعمعة لتحديد الشروط التى يراها واجبة لانتخابات الرياسة. وهى شروط يعتقد أكثر المتفائلين أنها لا يمكن أن تتحقق قبل 20 أو 30 عاما أخرى.. وإلا يكون البرادعى كمن يضع العربة قبل الحصان.

والواقع أننا لدينا عربة ولكن ليس لدينا حصان.. فإذا كان لشروط البرادعى من فائدة، فهى أنها أضاعت براءة الكثيرين، الذين وجدوا أسماءهم مطروحة للترشح للرياسة. وأسقطت أوهام الذين ظنوا أنهم بدعوة البرادعى للترشح قد قطعوا جزءا من الطريق.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات