عنف المحتل القوي وعنف الضحية العاجز - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عنف المحتل القوي وعنف الضحية العاجز

نشر فى : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 12:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 12:55 ص
نشرت مجلة «ذى نيشان» الأمريكية، مقالا للباحث «هنرى سيجمان» والزميل بقسم الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، يتناول فيه التعامل المتطرف من قبل نتنياهو وداعميه بالولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص التعامل مع عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، مشيرا فى ذلك إلى ما وجهه أحد داعميه بأمريكا من انتقاد حاد لوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى على خلفية تصريحاته بأن الاستيطان الإسرائيلى أحد أسباب العنف الفلسطينى.
ويشير سيجمان فى البداية إلى ما ظهر من إعلان على صفحة كاملة فى صحيفة نيويورك تايمز فى 14 نوفمبر، حيث يتهم الحاخام «شمولى بوتيتش» وزير الخارجية جون كيرى بمعاداة السامية، واصفا نفسه بأنه «حاخام أمريكا».
فهو يقدم الخدمات الروحية لعملاق كازينوهات القمار «شيلدون أديلسون»، ممول منظمة يرأسها «بوتيتش»، حيث نُشِرَ الإعلان باسمها. ورغم أن أديلسون يمتلك العديد من الكازينوهات وكذلك الحزب الجمهورى، لكنه لا يمتلك أمريكا ــ حتى الآن على الأقل، وبالتالى قد يكون ادعاؤه بأنه حاخام أمريكا، سابقا لأوانه نوعا ما.
ويرى سيجمان أنه لا يمكن أن يكون محتوى هذا الإعلان إلا استلهاما لمهارات جوزيف جوبلز، وزير دعاية هتلر الذى كان لقبه الرسمى وزير التنوير العام. والتنوير الذى يقدمه بوتيتش «وسيده أديلسون» فى هذا الإعلان، عبارة عن فرية أن الوزير كيرى «يحط من شأن حياة اليهود»، و«يبدو أنه يبرر سفك دماء اليهود»، و«يخطط لمنح إيران مليارات من الدولارات لمواصلة هدفها، وهو محو إسرائيل من على الخريطة».
ويأتى ذلك، من رجل كان مؤيدا طوال عمره لإسرائيل والقضايا التقدمية والإنسانية المهمة لمعظم اليهود الأمريكيين. ويتفق بوتيتش إلى حد كبير مع حكومات نتنياهو الأربع، التى تمكنت من تشكيل مناخ أخلاقى جديد فى إسرائيل يتقبل مسئولين فى الحكومة مثل إيليت شاكيد، وزير العدل!، الذى يدعو إلى قتل الأمهات الفلسطينيات اللواتى «يربين ثعابين إرهابية صغيرة».
ويضيف سيجمان أن بوتيتش قد وجه اتهامات مشينة ضد الوزير كيرى لقوله إن العنف الفلسطينى يرجع جزئيا على الأقل، إلى الإحباط الفلسطينى من الزيادة الكبيرة فى التوسع الاستيطانى الإسرائيلى التى تهدد بهزيمة هدف اتفاقية أوسلو، بشأن اتفاق سلام الدولتين. فبالنسبة لبوتيتش يعد ذلك مساواة أخلاقية لا تغتفر بين الإرهاب الفلسطينى وتدابير دفاعية لإسرائيل. ووفقا لصحيفة هآرتس ومنظمة بتسيلم، الإسرائيلية البارزة غير الحكومية، تشمل هذه التدابير الآن الإعدام خارج نطاق القضاء لفلسطينيين لم يشكلوا تهديدا لأحد.
ويقول بوتيتش أيضا أن كيرى يردد «أشد عبارات التشهير المعادية للسامية ضراوة» فى قوله إن المستوطنات تهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة فصل عنصرى. ولم يذكر أن حذر من هذا الخطر أولئك المعروفون بمعاداة السامية مثل ديفيد بن جوريون، وآرييل شارون، وايهود باراك، وإيهود أولمرت، وشيمون بيريز، وكل رؤساء وزراء إسرائيل السابقين.
***
ويؤكد سيجمان أن اعتبار كلا الطرفين على قدم المساواة فى الخطأ معادلة أخلاقية كاذبة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك تكافؤ أخلاقى بين عنف المحتل القوى وعنف الضحية العاجز. كما أشارت أميرة هاس الكاتبة الصحفية فى هآرتس، إلى أن الفلسطينيين يقاتلون من أجل حياتهم واستمرار وجودهم كأمة، فى حين تقاتل إسرائيل دفاعا عن احتلالها.
ومن الطبيعى أن يحاول نتنياهو استغلال عمليات القتل الوحشية التى تبنتها داعش فى باريس لتبرير السلوك الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة وفى القدس الشرقية. ولكن ليست هناك مقارنة بين الوضع فى فرنسا، البلد الذى لا يسجن العرب خلف جدران الفصل والحواجز، ونقاط التفتيش المهينة واللا إنسانية، وبين إسرائيل.
ويشير سيجمان ساخرا إلى نكتة قديمة عن أم يهودية التحق ابنها بالجيش القيصرى الروسى. وفى وداعه لابنها حثته على عدم الإفراط فى إجهاد نفسه، قائلة «اطلق الرصاص على تركى، ثم استرح. ثم اطلق الرصاص على تركى آخر، واسترح مرة أخرى «فسألها الابن،» ولكن يا أمى، ما إذا أطلق التركى النار على «فأجابت والدته فى حيرة:» لماذا يطلق النار عليك؟ ماذا فعلت له؟
وينتفض الفلسطينيون الذين غرست الأحذية الإسرائيلية فوق رقابهم، لما يقرب من نصف قرن، ضد محتليهم.. ويقول الإسرائيليون إنهم لا يطلبون سوى أن يُتركوا للعيش فى سلام، حتى يستطيعوا الحفاظ على أحذيتهم حيثما تكون. وكما يؤكد بيبى نتنياهو كثيرا، ليس هناك من يريد السلام أكثر من الإسرائيليين.
وتواصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ نصف قرن من الاحتلال ارتكاب أعمال العنف ضد الفلسطينيين على أيدى جيشها. فبأى حق نطالب الفلسطينيين بالتخلى عن العنف فى نضالهم لإنهاء قمعهم؟ فهل يكون لجوء الفلسطينيين إلى العنف لتحقيق الحرية والحصول على حق تقرير المصير ــ فيما يعتبر «القواعد الآمرة» فى القانون الدولى أقل شرعية من لجوء إسرائيل إلى العنف لحرمانهم من حريتهم وتقرير المصير؟
***
يبين سيجمان أنه لا يمكن لأحد تأكيد الحق فى المقاومة العنيفة للاحتلال، أكثر من المجموعات الإرهابية اليهودية فى عصر ما قبل إنشاء الدولة. فقد كانت منظمة أرجون، برئاسة مناحيم بيجن «التى أصبحت الليكود برئاسة نتنياهو الآن»، تمارس أعمال إرهاب ضد المحتل البريطانى قبل قيام الدولة. وترأس إسحق شامير، الذى انتخب أيضا رئيسا لوزراء إسرائيل، عصابة شتيرن. وكتب فى مجلة منظمته الإرهابية «ولا يمكن لا للأخلاق اليهودية ولا التقاليد اليهودية أن تنحى الإرهاب كوسيلة للنضال».
ويعتبر الإرهاب بالنسبة لإسرائيل جزءا من المعركة السياسية التى تجرى فى ظل الظروف الحالية وله دور كبير. وكما سجل بينى موريس فى كتابه «الضحايا المبررون»، فقد استهدف الإرهاب اليهودى المدنيين العرب.
ويعود سيجمان فى الختام إلى ما قاله بوتيتش بأنه لا يمكن أن يكون هناك تكافؤ أخلاقى بين الضحايا ومضطهديهم، لكنه ــ مثل سيده ــ يعتقد أن الفلسطينيين الذين عاشوا لمدة نصف قرن تحت الاحتلال الإسرائيلى هم الظالمون، والمحتلون الإسرائيليون ضحاياهم. ويؤكد سيجمان، نظرا لأنه ممن ولدوا فى ألمانيا وعاشوا لمدة عامين تحت الاحتلال النازى وحكومة فيشى التى جمعت اليهود لترحيلهم إلى معسكر أوشفيتز، أن جوبلز، الذى كان يرى أن الألمان كانوا ضحايا اليهود، سوف يعجب بوجهة نظر بوتيتش، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
التعليقات