صيد السمك «غية» - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صيد السمك «غية»

نشر فى : الأحد 9 فبراير 2014 - 4:20 ص | آخر تحديث : الأحد 9 فبراير 2014 - 4:20 ص

اليمن الذى يحتفل هذا الشهر بالذكرى الثالثة لثورة فبراير، لم يعد سعيدا كما كان يطلق عليه قديما.. سلسلة طويلة من الانقلابات والتدخلات العسكرية والصراعات القبلية غيرت أوضاعه وقلبتها رأسا على عقب، ومؤخرا زاد من تعقيد الموقف عملية انتقال سياسى حساسة للغاية وتسلل عناصر من تنظيم القاعدة إلى الداخل، وكذلك تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين من القرن الأفريقى. يتطلع منذ سنوات إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى، لكنه ترك الأمر للزمن وقرار دول المجلس التى يفصله عن معظمها صحراء الربع الخالى الشاسعة (ما عدا السعودية).. هذه مجرد توطئة.. ديباجة جيو سياسية للتعرض إلى رواية تدور أحداثها فى اليمن، وتحولت إلى فيلم عالمى قبل سنتين.. ربما اختار المؤلف البريطانى ــ بول تورداى ــ أن يكون اليمن مسرحا للأحداث، لكونها تتحكم فى أهم ممر يربط بين الشرق والغرب فى خليج عدن وباب المندب.. فالرواية أيضا تتناول نمطا مصطنعا من العلاقات بين الشرق والغرب، لا يخلو من التنميط والأفكار المسبقة عن شيوخ الخليج الأثرياء.. إذ لا ينظر البعض لسكان هذه المنطقة سوى على أنهم براميل نفط أو أجولة فلوس يسهل اختراقها والاستيلاء على ما فيها، فى حين لم يعد هذا هو السائد.. نرى من خلال الراوية ــ الفيلم «صيد السالمون فى اليمن» كيف تغيرت الصورة من خلال شخصية شيخ يمنى، شاب وثرى، يتحدث الإنجليزية كأهلها ويمتلك رؤية لبلاده وحلم يسعى لتحقيقه (وقد جسد دوره على الشاشة باتقان الممثل المصرى عمرو واكد، لمن لم يتسنَ له رؤية الفيلم الذى لم يمكث فى دور العرض القاهرية طويلا، كعادة الكثير من الأفلام الجيدة).

•••

المؤلف الذى فارق الحياة فى 19 ديسمبر الماضى عن عمر يناهز 67 عاما يعكس صورة سياسية ساخرة لهذا النوع من العلاقات مع الغرب، وهو يفعل ذلك عن تجربة لأنه أمضى معظم حياته كرجل أعمال يشتغل فى مجال الغاز والنفط، كمدير ومستثمر وفيزيائى بالأساس.. زار العديد من دول الشرق الأوسط، خاصة فى التسعينيات.. وهو أيضا صياد ماهر، زاول هوايته باستمتاع لأكثر من ثلاثين عاما. وبالتالى عندما رسم شخصية الثرى العربى الذى يحب صيد الأسماك ويرغب فى حفر بحيرة عملاقة فى بلاده لصيد السالمون فى بيئة مغايرة تماما لطبيعته، ليحقق المستحيل ويخلق مشروعا يوحد القبائل.. عرف المؤلف كيف ينسج التفاصيل بعمق وفلسفة صوفية خاصة، بها مسحة من روحانية الشرق وبها أيضا نظرة الحكومات الغربية لهؤلاء.

•••

ما الذى ذكرنى بالفيلم الذى عرض على شاشات السينما من فترة، بعد أن حققت الرواية التى أخذ عنها مبيعات هائلة وترجمت إلى 19 لغة منذ صدورها فى 2006؟ ربما حلم الديمقراطية المستحيلة الذى ساد دول الربيع العربى بما فيها اليمن.. ناس رغبوا فى تحقيق هدف، وعندما تكالبت عليهم الظروف ومصالح دول أخرى ومؤامرات داخلية.. انهار المشروع كما انهارت البحيرة التى حفرها الشيخ اليمنى بعد أن امتلأت بالفعل بأسماك السالمون للحظات.. لثوانٍ معدودات كان على شفا تحقيق الحلم، ثم تبخر كل شىء، لكن طبيعة الأشخاص المشاركين فى المشروع أنفسهم تغيرت أيضا، ولم يعد فى مقدورهم العودة للوراء، كما حدث للخبير الإنجليزى المنتدب للمشروع من قبل بلاده وصديقته.. نسج الحب خيوطه وتشعبت المعانى والعلاقات، فهم أنه لن يرجع مجددا كالترس فى الماكينة، يدور ويدور بشكل آلى، فمن حقه الاستمتاع بالحياة كيفما يريد.. وهو المعنى الثانى الذى ذكرنى بالعمل لأنه مرتبط بحياة المؤلف الراحل ــ بول تورداى ــ نفسه، فبعد الستين تحول الأخير إلى روائى بارع.. ترك البيزنس وانتقل للأدب (إذ كان حلمه القديم هو التأليف) وصار يكتب رواية فى السنة حتى وصل عدد أعماله إلى سبعة، وكان يكتب الرواية الثامنة، لكن القدر لم يمهله الوقت الكافى.

•••

بعد نجاح روايته الأولى أصابه السرطان، فظل فى سباق مع الزمن: هذا العام رواية عن العنصرية، بعدها عن الفصام أو الشيزوفرينيا، ثم الإدمان، ثم الجريمة والتشويق.. وكأنه أراد أن يعيش عوالم مختلفة عن بعضها البعض قبل فوات الأوان، ينقل من خلالها خبراته وتتبعه لطبيعة البشر المتلونة.. ربما يساعد فى فهم لماذا لم يعد اليمن سعيدا، ولماذا طلق العالم السعادة؟ وهل سيكون طلاقا بائنا؟ نجح الكاتب فى إيجاد صيغة للمصالحة لكنه مات.

التعليقات