صحيفة الخليج ــ الإمارات: عن فقه التعايش - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات: عن فقه التعايش

نشر فى : الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 6:40 م | آخر تحديث : الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 6:40 م

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان بتاريخ 7 سبتمبر تناول فيه ضرورة الالتزام بفقه التعايش الإنسانى الذى يضمن حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، ونبذ الإقصاء بجميع أنواعه تجنبا للصراعات والنزاعات.. نعرض من المقال ما يلى.
تعانى الكثير من المجتمعات التمييز والإقصاء والتهميش إزاء الهويّات الفرعيّة، بزعم «الأغلبية»، أو «الادعاء بامتلاك الحقيقة»، أو «الأفضليات»، تارة باسم الدين، وأخرى باسم الطائفة، أو المذهب، أو الاتجاه السياسى، أو التوجه الأيديولوجى، أو الأصل الاجتماعى، أو اللغة، أو الجنس، أو اللون، وهى ظواهر لا تزال تعيشها العديد من المجتمعات، الأمر الذى يؤدى إلى الانتقاص من مبادئ المواطنة المتساوية والمتكافئة التى تستلزمها الدولة العصرية.
ويقود ذلك إلى احترابات ونزاعات، بعضها مسلّح ويدوم لعقود، أو حتى لقرون، حيث شهدنا حروب إبادة، وجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم حرب وتهديد للسلم والأمن الدوليين. والمسألة لا تتعلّق بكل مجتمع فحسب، بل إنها تمتد إلى العلاقات الدولية، فبسبب غياب «التعايش» شهدت أوروبا حروبا دينية وطائفية كانت أكثرها دموية حرب المائة عام، وأعقبتها حرب الثلاثين عاما التى انتهت بصلح ويستفاليا 1648، لكن دورة الحروب، وإن توقّفت لحين، كانت أكثر ضراوة وقسوة راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر خلال القرن العشرين، أبرزها الحربان العالميتان.
ما المقصود بفقه التعايش والمشترك الإنسانى؟ وما هى الجوامع التى يمكن أن يلتقى عندها بنو البشر بغضّ النظر عن هويّاتهم الفرعية وخصوصياتهم الثقافية؟
وإذا كان الإنسان حيوانا اجتماعيا بطبيعته، حسب أرسطو، وعاقلا وناطقا فى الآن، أى أنه لا يستطيع العيش منعزلا، أو معزولا عن المجتمع، فهذا يعنى أن المشترك الإنسانى ينبع من حاجات الإنسان الفطرية، ويمثّل قيما فاضلة ومبادئ سامية تعبّر عن جوهر النفس البشرية، وتتجاوز الحضارات والثقافات والمجتمعات، وبقدر ما تكون الخصوصية حاجة ماسّة، إنما ليست انغلاقا أو انعزالا، بقدر كونها إضافة وتواصليّة وتفاعليّة مع الهويّات الأخرى فى إطار المشترك الإنسانى الذى يتلاقى عنده البشر.
الحريّة والعدل ورفع الظلم عن المظلوم والمساواة والشراكة والمشاركة هى قيم إنسانية سامية، وهى تمثّل اليوم الأساس فى المواطنة الفاعلة والمتكافئة، وهذه ليست حكرا على أحد، أو مجموعة بشرية، أو أمّة، أو شعب، أو مجتمع، أو دولة، بل هى قيم جامعة وموحِّدة، وهى تحمل فى ثناياها مراعاة الخصوصية تساوقا مع التطوّر التاريخى الاجتماعى والاقتصادى والثقافى، مع الأخذ فى الاعتبار التواصل والتعارف والتآزر والتواصى والتسامح بين البشر.
وقد جاء الإسلام على حفظ الضرورات الخمس للتعايش السلمى للمشترك الإنسانى، وهذه الضرورات تمثّل الكرامة الإنسانية، ويتم التعبير عنها فقهيا، والأمر يتطلّب إعمالها، لا حفظها كمعلّقات، بقدر ما يتم تجسيدها على أرض الواقع.
وأولى ضرورات الاجتماع الإنسانى المشترك هى حفظ النفس، وهو يعنى «حق الحياة والعيش بسلام ومن دون خوف»، وهو المبدأ الأول للحقوق الإنسانية، وفقا للشرائع الدولية المعتمدة، والمقصود بذلك تحريم القتل، أو الاعتداء على سلامة الجسد وحفظ الكرامة الإنسانية والحق فى الحريّة. وحسب سورة المائدة، الآية 32 «مَنْ قَتَلَ نَفْساَ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا».
أما الضرورة الثانية، فهى حفظ العقل، والعقل هِبة ربّانية منحها الخالق للإنسان، وعليه استخدامها وتنميتها بالحكمة وبُعد النظر والتروّى، على قاعدة تفعيل المشترك فى حياة البشر، أمما وشعوبا وقبائل، على أساس التواصل الإنسانى خارج أى اعتبار دينى، أو عنصرى، أو استعلائى، وذلك بتعزيز الروابط الإنسانية التى ترتقى بالمجتمع الإنسانى لما فيه الخير والنفع والعدل والمساواة والسلام. والضرورة الثالثة، وهى حفظ الدين، أى العقيدة والإيمان، إنما تقوم على أساس احترام عقيدة وإيمان الآخر، فى حين أن حفظ العرض هو الضرورة الرابعة، أما حفظ المال فهو الضرورة الخامسة، أى عدم التجاوز عليه تعسّفا وبما يلحق ضررا بالإنسان.
وهذه الضرورات جميعها وردت فى إطار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وهى تلتقى بثلاثة حقول فى النفس البشرية، وهى الجسد والعقل والروح، وهناك علاقة عضوية بين هذه المكونات الثلاثة، وهى لدى البشر جميعا فى مشرقهم وفى مغربهم، وحيثما يكونون، لأنها تمثّل مشتركات جامعة، وسواء أكانت المجتمعات متقدّمة أم متأخّرة، موحّدة أم غير موحّدة، مؤمنة أم غير مؤمنة، لكنها تمثّل قاسما مشتركا أعظم للبشر.
وإذا كان الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه كما ورد ذكره، فقد جاءت رسالة الأديان، ولاسيّما الإسلام، تدعو إلى التواصل والتفاعل والتعاون والتسامح، تلك التى تؤسس للكليات الجامعة، ما يمثل فقه التعايش، وهو يمثّل ضابط مسيرة الفرد والمجتمع فى شئونه لا تستقيم حياة البشر من دونه.

التعليقات