خرافات الوطن المفخخ - أحمد عبدالعليم - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 يوليه 2025 5:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

خرافات الوطن المفخخ

نشر فى : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:44 ص

الخرافة الأولى: الدستور يؤدى بالضرورة إلى الاستقرار

يقول الجبرتى إن ذاكرة الأعوام ثلاثة أيام، ولأننا فى مصر قد تجاوزنا أكثر من تلك المدة المقررة للذاكرة الحاضرة، فإننا قد نسينا أو تناسينا أن دستور الإخوان كان خطابه الذى ملأ فضاء مصر وأرضها ضجيجا آنذاك أنه سوف يؤدى إلى الاستقرار، وباع الإخوان الوهم للبسطاء ومرّ دستورهم واحتفلوا به ووهموا أنهم قد حققوا التمكين المأمول بسند قانونى بل هو أسمى وأرفع القوانين شأنا، وهو الدستور، ولم يمر عام حتى سقط دستور الإخوان وسقط الإخوان أنفسهم ورئيسهم ضيّق الأفق.

لم يتعلم الإخوان من درس ثورة يناير وإزاحة نظام مبارك المستبد وربما لم يتعلم القائمون على الحكم الآن من درس يونيو وإزاحة نظام الإخوان الفاشل، لا يتعلم أحد أن بناء المستقبل لن يتأتى أبدا بإعادة إنتاج الماضى حتى باتت مصر سلسلة تاريخية متتالية من الدروس المتكررة المملة التى لا يتعلم منها أحد.

لو كانت الدساتير تحقق الاستقرار لنجح الإخوان فى الخروج من عنق زجاجة المشكلات المتزامنة والأزمات المتراكمة وحققوا الاستقرار المأمول، ولنجحوا فى أخونة مصر كمان تمنّوا، وبالتالى فالعبرة ليس بوجود دستور مكتوب بأفضل شكل، لأن ضبط المجال العام ليس فقط بوجود دستور رصين ولكن بوجود مناخ صحى يكفل حياة كريمة للمصريين دون إقصاء متطرف أو تمييز سلبى أو كراهية عمياء، كى لا نعيد إنتاج الاستبداد من جديد، وكى لا يصبح الأمن مرة أخرى مقدما على الحرية، وكى لا يُساوم المصريون بحريتهم من أجل أمنهم، لأنه لا قيمة لحياة آمنة يُقيد فيها الناس.

•••

الخرافة الثانية: العنف وحده يُنهى الإخوان

التاريخ يعلمنا أنه لا أحد يتعلم من التاريخ، ومصر تؤكد ذلك بجدارة، وبعد إعلان الإخوان جماعة إرهابية بدا هناك غطاء قانونى مدعوم شعبيا من أجل مواجهة الإخوان بكل حزم، رغم أنه لا أحد يستطيع أن يجزم أن الإخوان مسئولون عن «كل» العنف الذى يحدث فى البلاد طولها بعرضها، ولم تثبت التحقيقات مسئوليتهم بشكل واضح فى «كل» حدث عنف قد حصل فى مصر الفترة الماضية.

ولأن الإخوان عدو ساذج للأمن، فهم بأفعالهم غير المسئولة منذ عزل رئيسهم مرسى يؤكدون أن الجماعة عندهم أهم من مصر، وأنهم لو اختاروا الانحياز دون غباء سياسى لمستقبل أفضل للوطن لما وصلوا لهذه المرحلة التى باتوا فيها مذمومين مكروهين منبوذين ممن ليسوا منهم.

الإخوان أخطأوا ومازالوا، ولكن الحل الأمنى ليس الحل الوحيد، هو حل واحد فقط، وعلينا أن نعتبر مما حدث معهم فى الخمسينيات فى عهد الرئيس عبدالناصر وما حدث ضدهم من عنف مشابه لما يحدث الآن بل وإقصاء أشدّ، والنتيجة أنه وبعد أقل من ستة عقود كان واحدُّ منهم هو رئيس مصر المنتخب. ربما أن مصيبة مصر الكبرى أننا نكتب لأنظمة لا تقرأ.

•••

الخرافة الثالثة: مصر لا تحتاج إلا لحكم الرجل العسكرى

تبدو مسألة ترشُّح الفريق السيسى لرئاسة مصر هو أمر فى طريقه للتحقق، وهو بشكل ما يضّر بمصر أكثر مما يفيدها خاصة أن الانقلاب فى علم السياسة والقانون الدستورى يربط استخدام القوة من أجل الوصول للقوة، أو التدخُّل من أجل الحكم، وهو ما يبدو فيه تدخُّل الجيش وعلى رأسه الفريق السيسى حتى ولو كان هذا التدخُّل مدعوم شعبيا كأنه من أجل الوصول إلى حكم وليس لمجرد إزاحة حكم فاشل ضيّق الأفق على رأسه رجل فكّر فى مصلحة الجماعة وانحاز لها ضد مصلحة الوطن.

مصر تحتاج هذه المرحلة إلى رجل صاحب مشروع تستحقه مصر، وليس صاحب عصا غليظة يتمناه بعض المصريين، لأنه حتى وإن جاء رجل عسكرى فإنه وفقا للدستور الجديد سوف يكون لديه سلطة شبه معطلة بتشكيل حكومة يرفضها البرلمان، والبرلمان سوف يتشكل بأغلبية الفائزين فى البرلمان، وبالتالى سوف نضطر لحكومة ائتلافية، ولو رفض حتى الإخوان الآن المشاركة السياسية بغطاءات مقنعة فهم بعد حين ووفقا لتاريخهم فى التلون والتشكل مع النظم القائمة سوف يدخلون انتخابات برلمانية مقبلة بغطاء غير إخوانى، وبالتالى سوف يتحولون مع الوقت إلى قوة دستورية قادرة على تعطيل الحياة السياسية والتسبب فى عدم استقرار سياسى.

وبالتالى يصبح من الضرورى والأهم كى نتفادى مأزق المستقبل المرتقب، أن تبدأ الأحزاب فى الاستعداد الجدّى لما هو قادم بمشاريع أكثر واقعية وقربا من الناس، وكذلك تستحق مصر رئيسا لا يجعل الجيش من جديد يتورط فى السياسة، لأن السياسة مفسدة كبرى لمن هو ليس أهل لها.

•••

وبين دور الجيش السياسى فى المرحلة المقبلة واعتبار أن أى انتقاد لترشُّح الفريق السيسى بمثابة انتقاص من الوطن وبين دور الإخوان والإسلاميين السياسى فى مراحل متباينة، واعتبار أن أى انتقاد لهم هو انتقاص من الدين، يوجد نفق مظلم يزيد الفجوة الحالية بين المصريين بدعوات الإقصاء والتخوين كحجة لتحقيق مكسب سياسى.

حتى بدت مصر من بعيد بمثابة وطن مفخخ، وتبدو المباراة القائمة بين فريقين بمثابة مباراة صفرية، ويبدو ــ فى ظل أن البسطاء هم الخاسر الأكبر منذ يناير 2011 ــ أن ثمة ثورة قادمة سوف تعصف بالجميع، ثورة أكبر وأقوى مما قد يتوقعه الجميع.

أحمد عبدالعليم كاتب وباحث سياسي
التعليقات