أشياء ضد القانون - محمود قاسم - بوابة الشروق
الجمعة 12 ديسمبر 2025 8:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

أشياء ضد القانون

نشر فى : الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 6:30 م | آخر تحديث : الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 6:30 م

 

أغلب النصوص السينمائية المصرية التى أخذها الكًتاب عن مصادر روسية تم اقتباسها من روايات مترجمة فى سلاسل شعبية شهيرة، مثل كتاب الجيب، مطبوعات «كتابى»، «روايات عالمية»، روايات «الهلال»، هذه الترجمات أغلبها ملخص للروايات الأصلية، يعنى من العادة أن يجد كاتب السيناريو المتخصص فى الاقتباس نفسه أمام عمل أدبى مختصر، وهكذا كان يفعل مصطفى محرم مع روايات دوستويفسكى وتولستوى، لذا كان يقوم بتمصير هذه النصوص لتتناسب مع الأجواء المصرية، كما أنه يقوم بكتابة موازية للقصة الأصلية، فرواية «البعث» تحولت إلى أكثر من أربع أفلام تدور جميعها حول الفتاة الفقيرة، صغيرة السن، التى ترتبط بالطالب الذى يسكن فى نفس المنزل، على السطح غالبًا، ثم يتخرج ويصبح قاضيًا، ينظر عبر السنوات فى قضايا الآخرين، والحكم على الجناة، إلى أن يفاجأ ذات يوم أن الخادمة التى أحبها فى شبابه موجودة فى قفص الاتهام أمامه، وعقب إطلاق الحكم عليها يصاب بحالة من الندم الشديد، فيحاول استمالتها تكفيرًا عن ذنبه، ويذهب خلفها فى كل مكان، لقد اختارت الفتاة رجلًا قوادًا يعمل مع بنات الليل، ويتخذ من زوجته أداة للتربح، وهى على ذمته، المقصود بالبعث هنا هو حالة الصفاء الداخلى المرتبطة بالتكفير عن الذنب التى أصابت القاضى، فهو متزوج من ابنة الأثرياء، ويريد أن يعود إلى القلب الصافى الذى كان يمتلكه، وهو طالب جامعى.
هذا الموضوع شاهدناه فى أفلام كثيرة، منها: «هى والرجال» إخراج حسن الإمام المأخوذ عن قصة لإحسان عبدالقدوس باسم «الخادمة»، و«دلال المصرية» إخراج حسن الإمام، و«أشياء ضد القانون» إخراج أحمد ياسين 1982 من كتابة مصطفى محرم، وقد نقلت السينما المصرية هذه الأفلام إلى مدينة القاهرة، البالغة الاتساع التى اعتبرها السينمائيون بمثابة ماخور للمتعة والحكايات التقليدية التى تتكرر من وقت إلى آخر، وفى الثمانينيات قدم أحمد ياسين هذه القصة ما كان ينبئ أننا أمام مخرج موهوب، وكان شديد الإعجاب بالممثل محمود ياسين، فأسند إليه دور القاضى الذى يصدر حكمه ضد أزهار، وفى الفترة القصيرة التى يتم ترحيلها إلى محبسها، تدور مواجهة بالغة الأهمية بين القاضى وبين زغلول القواد الذى تزوج من أزهار، وهو من أفضل حسنات الفيلم، الملاحظ أن تلك الفترة من الثمانينيات شهدت تألقًا وتوهجًا ملحوظًا عند سعيد صالح، وهو يقوم بدور الخارج عن القانون، الفاهم لبنود التشريع ويستطيع مواجهة خصومه بأمواله وذكائه، وذلك من أجل الاحتفاظ بأزهار.
إذا تأتى أهمية الفيلم من تلك المواجهة الكلامية بين اثنين من الممثلين يجيد كل منهما التلفظ بالتعبير الذى يجيده ويعبر عن رأيه وما يمتلكه من أسلحة قانونية للتخلص من الطرف الآخر، فالقاضى هنا تقدم به الزمن وتزوج من فتاة أبوها ذات شأن كبير فى المجتمع، وهو الذى سانده للحصول على الوظائف المرموقة بالقضاء، وبالتالى فإن البحث عن أزهار ومحاولة الدفاع عنها لتبرئتها وإثبات أن ظروفها الاجتماعية هوت بها إلى القاع هو أمر مهم فى الفيلم، وهو كما قال المؤلف الروسى «حال بنا البعث الاجتماعى أو الذاتى لدى نفس الشخص»، وهذا المفهوم منح تولستوى قيمته الأدبية التى تعبر عن القرن التاسع عشر، الأخلاق أولًا، التوبة قبل أن يتم الغرق تمامًا، لذا فنحن أمام فيلم يستحق أن نخرجه من عالم النسيان، حيث نساه الناس، ولا يكاد يعرفه الجيل الجديد.
تحية إلى روح أحمد ياسين الذى رحل عن عالمنا فى سن صغيرة وأعتقد أن مشروعه السينمائى كان قريبًا من أبناء جيله الذين بزغوا فى ذلك العقد ومنهم عاطف الطيب، ومحمد خان، وغيرهما.

التعليقات