الرئيس والقوميسير - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس والقوميسير

نشر فى : الإثنين 10 سبتمبر 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 سبتمبر 2012 - 8:40 ص

كانا متجاورين تماما فى اجتماع جرت وقائعه فى الأزهر الشريف موضوعه التوافق على نصوص وثيقة دستورية تخفض حدة الجدل بين الفرقاء السياسيين. الأول، الدكتور «محمد مرسى» رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين».. والثانى، الدكتور «أسامة الغزالى حرب» مؤسس حزب «الجبهة الديمقراطية» وتوجهه ليبرالى.

 

بدا للدكتور «أسامة» أن يسأل: «هل ستكون وزيرا فى الحكومة المقبلة يا دكتور مرسى؟». أجاب مازحا: «بس». سأله مرة أخرى: «هل تطمح إذن أن تكون رئيسا للحكومة؟». كرر الإجابة ذاتها: «بس».. مشيرا بيده إلى أعلى بينما محدثه يقول: «إن طموحك واصل إلى فوق».

 

الممازحة ظاهرة فى الكلام وسياقه، فلا الأول كان يتطلع حقا لرئاسة الدولة، ولا الثانى أعتبر ذلك ممكنا.

 

ما كان خارج كل توقع وحساب هو ما حدث فعلا، فـ«مرسى» أصبح رئيسا للجمهورية، لا رئيسا للحكومة ولا وزيرا فيها، عنده صلاحيات واسعة تنفيذية وتشريعية ودستورية لم يتسن لأسلافه الحصول عليها.

 

الاختبار الرئيسى أمامه الآن أن يثبت أن الولاء للدولة التى أؤتمن عليها فوق الولاء للجماعة التى خرج منها. معضلته أن فى الولاء للدولة صداما مع حمولات فكرية لجماعات إسلامية ترى أن وقتها حان لبناء دولة أخرى بمواصفات تعود إلى قرون سبقت، وفى الولاء للجماعة غلبة لنوازع «أخونة الدولة» تهدد بنيتها وعناصر الكفاءة فيها.

 

هو رجل يدرك أنه قد أسندت إليه رئاسة حزب «الحرية والعدالة» اعتمادا على أنه رجل التنظيم المنضبط، وأن وجوده على رأس الحزب فيه ضمانة ولاء للجماعة والقوة المهيمنة على مكتب إرشادها، وأنه جرى التداول تاليا فى اسمه لمنصبين كبيرين للسبب ذاته.. فى البداية كرئيس حكومة خلفا للدكتور «كمال الجنزورى» استنادا إلى أنه رئيس الحزب الذى يتمتع بالأكثرية فى مجلس الشعب، ثم كمرشح رئاسى باسم الجماعة الأكثر تنظيما قبل ساعات من إغلاق باب الترشح. فى المرتين كان احتياطيا لرجل آخر فى الجماعة هو نائب مرشدها العام المهندس «خيرت الشاطر».

 

 

فى المشهد المتحول تداخلت الأضواء والظلال، «مرسى» كان ظلا لـ«الشاطر»، لكنه الآن فى دائرة الضوء حيث يذهب ويحل، و«الشاطر» أعد كل شىء لصعود توقعه، وفر الموارد المالية، حاور العسكرى والإدارة الأمريكية معا، وقاد الجماعة إلى مقامرة وجود، أن تكسب كل شىء أو أن تخسر كل شىء. عندما كسبت خسر هو وحده وتوارى إلى الظل.

 

فى حركة الضوء والظل تتبدى أزمة مكتومة فى العلاقة بين الرجلين.

 

«مرسى» اعتمد كاملا على آلة «الشاطر» الانتخابية، وعلى دوره فى الحشد والتعبئة، الآلة على درجة كبيرة من الكفاءة والدور مؤثر وفاعل، حمل شعارات «مشروع النهضة» الذى ينسب لنائب المرشد، قبل أن يؤكد الأخير أن الإعلام قد بالغ وأنه لا يوجد مشروع متكامل بهذا الاسم، وهو كلام يُحترم، لأن مشروعات النهضة لا تنقل من تجارب دول أخرى توضع استخلاصاتها فى أوراق داخل ملف.

 

نفى «الشاطر» المثير فى توقيته فيه ظلال فجوة تتسع مع الرئيس.

 

«الشاطر» يتحرك ويحاور من بعيد، معه ملفى التطوير والاقتصاد داخل الجماعة، أنصاره موجودون فى مناصب عليا، بعضهم مساعدون للرئيس وبعضهم محافظون، يقرأ التحولات فى بنية الجماعة، فالولاء يتجه ببطء ولكن بثبات ناحية الرئيس. الحقائق اختلفت، فـ«مرسى»، المرشح الاحتياطى السابق، هو الآن الرجل الأول فى مصر كلها، أسباب القوة عنده، فالجيش يعطيه ولاؤه، والولاء هنا للشرعية لا للجماعة، والأمن معه للاعتبار نفسه، والجهاز التنفيذى خاضع له بصفته رئيسا للدولة، يعين الوزراء والمحافظين والقيادات العليا فيها. بدت التحولات واضحة منذ اللحظات الأولى لانتخاب «مرسى» رئيسا.

 

شخصيات بارزة فى مجلس شورى الجماعة ومكتب الارشاد لخصت موقفها فى جملة واحدة: «إذا كان قدر مصر أن يحكمها إخوانيا فمن رحمة الله أنه مرسى». العبارة ومعناها تضايق أنصار «الشاطر». بتعبير أحد مقربيه، وقد عمل لبعض الوقت مع «مرسى»، فإن الرئيس تأثر بابتزاز الإعلام مبعدا «الشاطر» عما يستحق.. إنه عبقرى فى الإدارة الاقتصادية.

 

إنها تفاعلات القوة وحقائقها السياسية والإنسانية تأخذ مداها وتنتظر نتائجها.

 

لمن الولاء اليوم؟ للرئيس وشرعيته أم للقوميسير المفوض بقيادة الجماعة.

 

الرجلان على درجة الانضباط التنظيمى ذاتها، لكن هناك أحوالا استجدت، ونوازع البشر تحركت. الرئيس يتصرف على أساس الحقائق الجديدة، يتجه بالتدريج إلى نقل مركز القوة داخل الجماعة إليه، والمعنى أن تكون قاعدة السلطة والقرار للرئاسة. بتعبير منسوب إليه فإن «منصب الرئيس مسئولية تاريخية تتجاوز حدود العمل التنظيمى». إخوان الخارج ــ بحسب معلومات موثوقة ــ يؤيدون هذا المنحى الرئاسى داعين إلى استراتيجية جديدة «تتعدى مرحلة الجماعة إلى طور الدولة». فى تفاعلات الجماعة، بتأثير وصول أحد أبنائها إلى القصر الجمهورى، ميل عاطفى قوى إلى إضفاء صفات الزعامة عليه والهتاف له «بالروح والدم» على ما جرى فى اجتماعه مع طلاب الجمهورية، وكان المؤتمر حشدا إخوانيا على غرار ما كان يفعله «الوطنى» المنحل فى مؤتمرات مماثلة للرئيس السابق. وفى كلام منسوب لمقربين من رجل الجماعة القوى: «عايزنا نشتغله موردين أنفار»، الكلام فيه مرارة الإقصاء عن القرارات الكبرى التى يتخذها الرئيس.

 

فى حركة «مرسى» داخل الجماعة شىء من التوازن فى محاصصة مناصب الدولة. أسند للدكتور «عصام الحداد» والمهندس «سعد الحسينى» ــ كلاهما عضو فى مكتب الإشاد ومقربان من «الشاطر» ــ منصبا مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية ومحافظ كفر الشيخ، بينما أسند لاثنين آخرين من الحمائم الدكتور «محمد على بشر» والدكتور «عصام العريان»، عضوا مكتب الإرشاد منصبا محافظ المنوفية وعضو الهيئة الاستشارية للرئيس. التوازن محسوم للرئاسة، فالولاء سوف ينتقل بحقائق السلطة إليها.

 

هو رجل بحكم تربيته السياسية محافظ فى تفكيره وتصرفاته، ولكن وقر المسئولية قد يفرض عليه شيئا مختلفا، فالجماعة تفتقد إلى الكوادر الكافية والكفؤة، وتفتقر إلى رؤية سياسية واجتماعية، لا مذهب سياسيا عندها، والعبارة لوزراء فى الحكومة الحالية. الأهم أن التنوع المصرى لا يسمح بمثل هذا الاحتكار، هو نفسه فاز بالرئاسة بأغلبية ضئيلة للغاية مستندا إلى دعم قوى صوتت له خشية إعادة إنتاج النظام السابق.

 

«الأخونة» ليست قدرا محتما ولكنها خطر عليه شواهد.. بقدر تماسك القوى المدنية يتراجع مستوى الخطر.

 

الرئيس تتضارب مواقفه مع وعوده، لا أسند رئاسة الحكومة إلى شخصية وطنية مستقلة ولا جاءت «ائتلافية» على ما تعهد أثناء حملته الانتخابية. بدا تشكيلها مثيرا لتساؤلات عن مستويات الكفاءة ومعايير الاختيار. الأمر ذاته تكرر بصورة فادحة فى حركة المحافظين وعضوية مجلسى «القومى لحقوق الإنسان» و«الأعلى للصحافة» واختيارات الفريق الرئاسى.

 

الجماعة مفيدة له فى بعض الحالات وضاغطة على أعصابه فى حالات أخرى.

 

هناك أزمة مكتومة أخرى تتمدد فى أوعية التنظيم دعت المرشد العام الدكتور «محمد بديع» إلى مناشدة قياداته عدم التكالب على المناصب.

 

فى تجارب أخرى فإن قيادة الحزب فوق رئاسة الدولة، وينظر إلى القوميسير كدرجة أعلى من الرئيس، هكذا كانت حقائق القوة فى الترويكا السوفييتية عقب إطاحة «خروشوف»، فالكلمة الأعلى لأمين عام الحزب الشيوعى «بريجينيف» يليه رئيس الوزراء «كوسيجين» ثم رئيس الدولة «بود جورنى»، فى الأخير حصد «بريجينيف» الدورين معا: الرئيس والقوميسير. لكن فى الحالة المصرية فإن الرئيس هو الرئيس.

 

«مرسى» يحاول بناء صورة جديدة لرجل مختلف يجلس الآن على رأس الدولة، ملتزم بالجماعة وحزبها، يسند لقياداتها المناصب الرئيسية، وكلها شواهد على ما يطلق عليه: «أخونة الدولة»، ولكنه فى الوقت نفسه يوحى بأنه رئيس لكل المصريين، وأنه ملتزم بالدولة المدنية الحديثة.

 

فى التضارب ما بين التوجهين تكمن أزمة الرئيس والجماعة معا.