أزمة الخطاب السياسى الإسلامى - خالد عزب - بوابة الشروق
الأحد 8 يونيو 2025 7:15 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أزمة الخطاب السياسى الإسلامى

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:15 ص

تمر التيارات السياسية الإسلامية بأزمة حقيقية منشأها انفصالها فى خطابها عن العصر، ثم ثقل الموروث السياسى الإسلامى بسلبياته وايجابياته على الواقع، والاعتماد على أدبيات قديمة، فعلى الرغم من محاولة مدرسة العلوم السياسية فى جامعة القاهرة عصرنة الخطاب السياسى الإسلامى وكذلك العديد من المفكرين من أمثال رضوان السيد وطه عبدالرحمن.

إلا أن التيارات السياسية لم تعتبر الإنتاج الفكرى لهذه المدارس المعاصرة ذات وزن أو قيمة، وظلت الأدبيات التراثية هى الغالبة لدى جمهورها، فتسبب ذلك فى جمود الخطاب السياسى الإسلامى عند حد معين، هو حد ابن تيمية وابن ابى الربيع والماوردى، ولم يتم تجاوز ذلك إلى سيف الدين عبدالفتاح أو حتى أحد قرنائه أو تلامذته.

إن حتى لغة العلم ومصطلحاته ومدلولاتها، بل حتى مستوى الخطاب والخطاب المكتوب تختلف من عصر إلى عصر، بل نجد لكل عصر خطابه، وفى هذا السياق نجد أن أزمة التيارات السياسية الإسلامية فى انفصالها عن بناء خطاب سياسى اسلامى معاصر يقوم على اعادة بناء مفاهيم الحكم والدولة والأمة والشعب والسلطة والرقابة، بما يتواءم مع طبيعة العصر، فمؤسسة الوقف يعادلها المجتمع المدنى، بل إن من أكبر خطايا الدولة المعاصرة تدمير مؤسسة الوقف بدلا من عصرنتها وتحديثها.

كما أن المحتسب يقابله وظيفيا اليوم الأجهزة الرقابية، فبالتالى المحتسب الذى كان يمارس أدوارا رقابية متعددة، صار له مقابل معاصر، يعادل من حيث الوظيفة والدور الاجهزة الرقابية التى تتواءم مع تعقد العلوم والمعارف فى عصرنا، فصارت وظيفة الحسبة فى الإسلام جزءا من التاريخ الذى لم يعد من المناسب استعادته مرة أخرى، إن كان البعض يرى كتب الحسبة مثل الحسبة فى الإسلام لابن تيمية من أدبياته المعاصرة التى يجب استدعاؤها فى عصرنا، على الرغم من أن قراءة متأنية لكتاب الحسبة واعادة صياغته بصورة عصرية، سيؤدى إلى اعادة النظر فى مفهوم الرقابة طبقا لمعطيات العصر وطبيعته.

●●●

إن الواقع السياسى حينما انغمس فيه الأخوان المسلمون لم يستطيعوا أن يستوعبوا طبيعته ومشكلاته، وممارسة السلطة أضرت بالإسلام كدين وكذلك شككت فى فكرة وجود نظرية سياسية اسلامية أو حتى نظام سياسى إسلامى، فى ظل انتهاء عصر الخلافة والملك العضود الإسلامى، انتهاء إلى الدولة المعاصرة القائمة على فكرة تداول السلطة بين فرقاء الوطن، فالانتخابات هى الحل المثالى لفكرة الصراع على السلطة بين متنافسين يؤدى لإراقة الدماء، لكن هناك ثوابت فى كل دولة هى أسس الدولة وأعمدتها، وهناك سياسات تتغير مع تغير الحاكم، هنا تبدو السلطة سلطات وليست سلطة واحدة.

لذا فالحديث عن فكرة وجود مرشد ومكتب إرشاد هو بمثابة الحديث عن وجود سلطة خارج نطاق السلطة السياسية الطبيعية، ومؤسسات الدولة، هنا لم يستطع الأخوان المسلمون الإجابة عن ما هية المرشد ومكتب الإرشاد فى منظومة المجتمع المصرى، وهل يمثل المرشد والمكتب نوعا من أنواع الوصاية على الدولة والمجتمع، هذا المجتمع السنى الذى يرفض وجود مرجعية على غرار مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، خاصة مع وجود مؤسسة دينية هى الأزهر الشريف قنن المجتمع المصرى دورها عبر تجربة تاريخية متراكمة عبر قرون. هنا كان يجب على جماعة الأخوان المسلمين فور صعودها للسلطة حل مكتب الإرشاد والجماعة، والاكتفاء بجمعية دعوية اجتماعية لها رئيس وليس مرشدا، وحزب سياسى له رئيس ليس له مكتب ارشاد هو مرجعية كل قراراته.

بل إن مصر عبر عصور تاريخها لم تعرف فكرة وجود جماعة لها مرشد دينى وظائفها غير محددة المعالم وكذلك أدوارها، لذا فإن فكرة المرشد والجماعة هى خروج حتى عن الموروث السياسى الإسلامى، وليس لها فى التجرية المصرية التارخية نظير.

●●●

إن جوهر الشريعة الإسلامية يقوم على تحقيق خمسة أمور هى: (حفظ الدين، وحفظ النفس، والعقل، والنسل، والمال). فقد حفظ الإسلام كدين حرية التدين ونهى عن أن يفتن الناس فى دينهم والدولة المعاصرة بمفهومها هذا جزء أساسى من وظيفتها، وفى حفظ النفس نرى حق الحياة للإنسان والحفاظ على كل حقوقه بدءا من حرية العمل والفكر والرأى وغير ذلك من مقومات ما يعرف اليوم بحقوق الإنسان، وهو ما لا تستطيع أى قوة سياسية فى مصر المعاصرة الاختلاف حوله.

وحفظ العقل يندرج اليوم تحت رعاية الموهوبين والعلماء والأطفال عن طريق تعليمهم اجباريا، وحفظ النسل يتضمن حفظ حقوق الطفولة بكل أشكالها، وتقوم مؤسسات كالبنك المركزى ووزارة المالية والخزانة العامة بدور حفظ المال كبيت المال فى الدول الإسلامية لكن تعقد الدور الاقتصادى المعاصر وتداخل دور الدولة مع القطاع الخاص كل ذلك عدد المؤسسات الاقتصادية والمالية فى الدولة. لذا فحديث بعض التيارات الإسلامية عن بيت مال المسلمين هو بمثابة استعادة نصية غير مستوعبة للمتغيرات التى تتطور بآلياتها طبقا لتعقد وظيفة الدولة ودورها المعاصر، فهل حقا باتت التيارات السياسية الإسلامية فى حاجة لمناقشة تراث الإسلام السياسى وعصرنته ومراجعة النظرية السياسية الإسلامية.

خالد عزب  مشرف علي برنامج ذاكرة مصر المعاصرة
التعليقات