ضرورة الكتابة العلمية للعامة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضرورة الكتابة العلمية للعامة

نشر فى : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م

كنا قد تكلمنا فى هذا الموضوع فى مقالات سابقة لكنه ما يلبث أن يطل برأسه فى مناقشات عديدة مع الأصدقاء والزملاء فأحببت فى هذا المقال أن أشرح وجهة نظرى للقارئ الكريم فيما يتعلق بالأسئلة التالية: ما أهمية الكتابة العلمية الموجهة للعامة؟ ما الصعوبات التى تواجه من يكتب المحتوى العلمى للعامة؟ ما هو المحتوى العلمى الذى نرغب فى إيصاله للعامة؟
الهدف من الكتابة العلمية للعامة ليس هو إعطاء كم كبير من المعلومات للقارئ، الكم الكبير من المعلومات وحده ليس له فائدة ما لم يكن القارئ ينوى الاشتراك فى برامج مسابقات المعلومات العامة. تجميع المعلومات فقط ليس له فائدة فى عصر الإنترنت. الهدف من المعلومات العلمية هو جعل القارئ يتصرف فى حياته اليومية عن علم ويفهم الأخبار اليومية بدقة أكثر، فمثلا عندما يقرأ شخص عن تدوير المخلفات وأهميتها وصعوبة تدوير بعض المواد سيحاول التقليل من استخدام البلاستيك مثلا واستخدام مواد أكثر قابلية للتدوير (إن استطاع إلى ذلك سبيلا)، وإذا قرأ عن برمجيات أجهزة الكمبيوتر والأجهزة فائقة السرعة وشبكات الاتصالات فسيعلم أهمية الرقمنة فى زمننا هذا، وإذا قرأ عن الذكاء الاصطناعى سيعرف أهميته وفائدته وضرره إذا لم نحسن استخدامه وقد يستنتج القارئ تأثيره فى المستقبل على عمله هو شخصيا.
من المهم أن نعرف أن الكتابة العلمية تشمل أيضا العلوم الإنسانية لأن التأثير فى حياة الناس يسير فى سلسلة متصلة تبدأ بالعلم ثم يتحول العلم إلى تكنولوجيا تحسن من حياة الناس، هذا الطريق من العلم للتكنولوجيا يعتمد على الاقتصاد ويتقبل الناس تلك التكنولوجيا ويستخدمونها تبعا لثقافة كل شعب ونفسية كل شخص وتجربته الشخصية. إذا الكتابة العلمية تشمل المعارف الإنسانية من علوم تطبيقية وتكنولوجية وإنسانية.
عندما يتعود القارئ العادى على هذه النوعية من الكتابات ويستسيغها سيتمكن من تحليل ما يقرأ من أخبار حتى غير العلمية منها وهذا سينمى عنده ملكة التفكير النقدى مما يساعده على اتخاذ قرارات صائبة فى حياته هو الشخصية. لكن كيف نصل للقارئ ونجتذبه للقراءة العلمية؟
يجب أن نعترف أن السواد الأعظم للأسف لا يقرأ كثيرا وإن قرأ فهو يقرأ أخبارا سريعة أو فى أحسن الأحوال روايات، لا نقول إن قراءة الروايات شىء سيئ ولكننا نريد أن نضيف نوعا آخر من الغذاء الفكرى بخلاف الأدب الروائى على مائدة العقل. الكتابة العلمية يجب أن تكون مسلية وتشويقية وليست مجرد كلام تقريرى من نوعية «اكتشف الفريق البحثى فى البلد الفلانى الاكتشاف الفلانى»، يجب أن يعرف القارئ أهمية هذا الاكتشاف حتى يتمكن من معرفة كيف سيؤثر على حياته هو شخصيا أو حياة أولاده وأحفاده، إدخال العامل الإنسانى مهم لجعل المقال تشويقيا فهذا الاكتشاف العلمى قام به مجموعة من الباحثين لكل منهم قصة وكل منهم واجه صعوبات أثناء عمله فى هذا المشروع البحثى، إظهار هذا العامل الإنسانى فى الخبر العلمى يجعل المقال العلمى الموجه للعامة أشبه بقصة سردية والإنسان كائن يحب الحكايات.
هناك كتاب ماهرون جدا فى هذا المضمار عالميا مثل ريتشارد برستون الحاصل على جائزة من مركز السيطرة على الأمراض الأمريكى (CDC) وهناك كويكب بالقرب من المريخ سمته ناسا على اسمه وهو حاصل على درجة فى الأدب لكنه كاتب علمى لا يشق له غبار، هناك أيضا جون ماكفى من جامعة برينستون الذى يدرس مادة الكتابة الإبداعية غير السردية (creative nonfiction) وله أكثر من ثلاثين كتابا حققوا جميعا نجاحا كبيرا، وهناك الكاتب الكندى العظيم مالكوم جلادويل والذى تقرأ كتبه كأنك تقرأ رواية بوليسية شيقة وليس كتابا فى علم الاجتماع أو علم النفس أو التاريخ، هذا العزف بالكلمات يساهم بحظ وافر فى انتشار الثقافة العلمية.
لدينا فى مصر حصيلة ثرية جدا من الكتب العلمية المترجمة فى المركز القومى للترجمة وهذا جميل لكنه لا يغنى عن كتاب مصريين يكتبون لقراء مصريين عن النواحى العلمية لأنهم سيكونون أقرب لثقافة ونفسية القراء وأسهل فى توصيل الفكرة لهم من الكتب المترجمة ولا غنى لهذه عن تلك، عندنا كتاب موهوبون فى الكتابة العلمية ونريد أن نرى إنتاجا أكثر لهم ولغيرهم فالثقافة العلمية والتعليم يبنيان دولا عظمى.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات