كل واحد زي (باباه)... عفوا والده - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كل واحد زي (باباه)... عفوا والده

نشر فى : الأحد 11 أكتوبر 2009 - 10:10 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أكتوبر 2009 - 10:10 ص

 لا أعرف ما الخطأ الذى فعلته السيدة مديرة مدرسة محمد متولى الشعراوى الابتدائية فى منطقة الفسطاط الذى استدعى أن تنشر ضدها شكاوى فى الجرائد. فهى عندما رفضت أن تلحق عشرين من أبناء البوابين بمدرستها لكى يتعلموا، مثلهم مثل غيرهم، كانت فى الحقيقة تعرف مصلحتهم أكثر مما يعرفها أولياء أمورهم. الذين لايزالون يعيشون فى أحلام زمن ولى، حين كان الابن من حقه أن يطمح أن يصبح غير أبيه، زمن كان فيه التعليم فرصة للحراك الاجتماعى لمن لديه القدرة العقلية، العقلية وليست المادية.

السيدة مديرة المدرسة بمنتهى البساطة أدركت أن هذا الزمن لن يخرج منه أحد من عباءة غير عباءة والده، وهى أرادت أن تقى هؤلاء الأبناء شر الصدمة عندما يتخرجون بطلوع الروح من المدرسة أو الجامعة ويجلسون على نفس الدكة التى يجلس عليها السيد الوالد دون أن يكون لديهم حتى قدراته، وفى أشيك الأحوال سيجلسون على دكة مماثلة بتسمية مستحدثة هى حارس العقار.

السيدة المديرة تدرك تماما أننا نعيش الآن فى زمن لابد أن يظل فيه ابن الخفير خفيرا أو على الأكثر شيخ خفر، وكذلك أستاذ كلية الطب لن يخرج ابنه إلا مدرسا مساعدا فى ذات الكلية حتى لو كلفه ذلك بضع سنوات فى السجن لزوم ترتيب أوراق ابنه فى قائمة المتفوقين. ورجال الأعمال لن يرضوا أن يخرج صغارهم سوى شباب أعمال أو أحفاد أعمال. ويكفينا نظرة واحدة على جمعية شباب الأعمال لنعرف أن كل شاب أعمال وراءه رجل أعمال فى جمعية كبار الأعمال.

وليس ببعيد عن ذلك وجود عائلات تخصصت فى تولى الوزارت سواء كان الوزير فيهم يمينيا أو يساريا لا يهم المهم أن هناك وزارت على مقاس عائلات، ولا يقف الأمر فى مصر عند حدود الوزارات ولكن الأمر أيضا يصل لأبناء الرؤساء فمن كان والده رئيسا يود هو الآخر أن يكون.

الكل فى مصر لابد أن يكون مثل والده فلماذا يشذ أبناء البوابين وأولياء أمورهم عن الصف. والحقيقة إنهم لو علموا الغيب الذى غالبا ما ينتظرهم لسوف يختارون الواقع المفعم بالمرارة، بل ويحمدون الله عليه. والغيب تظهر بعض ملامحه من الآن.

فإذا علم الواحد منهم أن 28% من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة فقط هم الذين يدخلون الجامعة، وأن حتى دخول الثانوية العامة لا يتوفر سوى لـ30% فقط من الذين حصلوا على شهادة الإعدادية لأدركوا الفرص المتواضعة التى أمامهم لكى يكملوا تعليمهم. وحتى إذا تخطوا كل هذه الصعاب والتحقوا بالجامعة بل وتخرجوا فيها بتفوق فسوف يتنافسون مع زملاء لهم تعلموا فى الجامعات الخاصة أو الأجنبية فى الخارج، ومن أبناء الفئات التى يطلق عليها أهل الثقة والذين هم الفائزون على طول الخط.

وهذا ليس من باب التخمين أو التجنى على الحكومة ولكن من دفاتر مجلس التنافسة العالمية فى عام 2008/2009 الذى وضع مصر فى المرتبة 124 قبل الأخيرة (التى تحتلها تشاد) فيما يتعلق بمعيار (اختيار أهل الثقة للمناصب العليا بدلا من أهل الكفاءة).

الأمر الآخر هو أن البطالة لدى الأميين ومن هم عند حد المعرفة بالقراءة والكتابة أقل كثيرا من غيرهم فهى تصل إلى 1.7% من إجمالى المتعطلين. لأن ببساطة الشريحة الدنيا ليس لديها رفاهية العزوف عن العمل مهما كانت نوعيته أو الدخل منه. إلا أن البطالة تزيد نسبتها لدى فئة الحاصلين على شهادات متوسطة حيث تصل نسبة البطالة بينهم إلى 19.7%.

وهناك أمور أخرى قد لا تجعل من التعليم فى زمننا هذا سببا كافيا للحراك الاجتماعى، الذى غالبا ما يكون هو الدافع لدى هؤلاء العشرين من الأبناء وأولياء أمورهم وغيرهم ملايين آخرين، وهى كما تظهرها بعض الدراسات المهمة مثل ما توصل إليه د.أحمد زايد عميد كلية الآداب جامعة القاهرة من أنه ثمة اختلاف بين جيل الأبناء المتعلمين عن جيل الآباء ولكن لا يظهر إلا فى التعليم العالى وما فوقه، ولا يكون جوهريا فى التعليم المتوسط. إلى جانب أن الدراسة أثبتت أن التعليم حتى ولو زاد من دخل الأفراد فإنه لا يزيد بالدرجة التى تؤدى إلى تغييرات جوهرية فى نوعية الحياة. والدليل هو أنه بدراسة عينة ممثلة لأصحاب الدخول المتوسطة (ما بين 300 جنيه و1000 جنيه) تبين أن 69% من حملة الشهادات الجامعية تقع فى هذه الفئة، بينما هذه النسبة تصل إلى 71% بالنسبة لحملة الشهادات المتوسطة.

أى أن الفرق فى الدخل ليس أفضل فى حالة خريجى الجامعات. ودليل آخر تقدمه الدراسة وهو أن 80% من الأميين ظلوا يعيشون فى نفس المنطقة التى عاش فيها أباؤهم، بينما هذه النسبة كانت 75% لدى شريحة المتعلمين تعليما جامعيا. أى مرة أخرى ليس الفارق كبيرا.

ويبدو أنه ليس أمامكم أيها الأعزاء المرفوضون من جنة التعليم سوى أن ترضوا بدكة السيد الوالد من الآن، أو لتحفروا فى الصخر لعل وعسى تلحقوا بزمن آخر تكون فيه الغلبة لعقول الناس واجتهادهم، وليس لفلوس آبائهم ونفوذهم. زمن مش لازم الواحد فيه يطلع زى «باباه» عفوا والده.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات